حسب التوقيت المحلي لمدينة القاهرة.....حان الآن موعد التنحي'. هذا واحد من الشعارات الطريفة التي رفعها أحد المتظاهرين المصريين في ميدان التحرير قبل سقوط مبارك.
عدا عن السخرية وخفة الظل، وعدا عن الدروس الكبيرة التي علمتها ثورة مصر العظيمة للشعوب والدول، فقد علمتنا هذه الثورة أيضا كيف يمكن للغة أن تختزل ببلاغة مذهلة وبجملة واحدة فقط ضرورة تاريخية لطالما أسهب المفكرون والمنظـّرون في شرحها، كما وتختزل تراكمات صراعات طالت لدرجة ظن الكثيرون أنها لن تفضي إلى شيء، اللهم إلا إلى المشهد ذاته: بقاء الحاكم حاكما والمحكوم محكوما.
لست أدري إن كانت ملايين مصر أو تونس أو ليبيا، التي خرجت إلى الشوراع، قد قرأت كتب الفكر أو السياسة، أو توقفت عند مصطلحات ومفاهيم كأزمة التحرر الوطني، لكنها حتما قرأت اللحظة التاريخية وعبرت عنها أجزل تعبير وهي تنتفض وتعلن، حسب توقيتها المحلي، اختمار اللحظة، بما ينطوي عليه هذا التوقيت من مجاز الانتظار، ليس من أجل السجود والركوع والرضوخ، بل من أجل النهوض والوقوف أخيرا في وجه زمن راكد، زمن (وحسب التوقيت المحلي أيضا) طفح بالقمع والاضطهاد والهوان.
لزمن طويل ظلت هذه الجملة لدى العرب (حسب التوقيت المحلي لمدينة.....) مرتبطة فقط بموعد الأذان والصلاة. حيث تمتد ما بين الصلاة والأخرى، الساعات ذاتها، والخمود ذاته، والقيظ ذاته، والذباب الذي يطن ذاته، واليأس ذاته، والهزيمة ذاتها والركوع ذاته.... أو على الأقل هكذا كان المشهد يبدو من على السطح، فما أثبتته الثورة أن السطح الساكن والراضخ والراضي والمهلل أحيانا، هو في واقع الأمر ليس سوى 'لا' مقلوبة رأسا على عقب، قاعدتها (السطح) مستوية وساكنة، لكنها تمشي على قدمين ضخمتين بخطى ثقيلة وبطئية، إنما واثقة.
صحيح أن اللحظة قد تطول قليلا ريثما تنقلب هذه الـ 'لا' تماما، وتصبح مقروءة وواضحة المضامين والأهداف، تصبح أداة حقيقية للتغيير المنشود بصيغته المشرفة، بيد أن هذا الطول ليس مرئيا في عمر التاريخ، ما دام التوقيت المحلي قد بدأ، ومعه بدأ أفق جديد لوطن جديد بالبزوغ.
المفارقة ـ المؤسفة والساخرة في آن ـ تكمن في معنى الدماء التي أريقت والتي لا زالت تراق، من أجل هذه اللحظة التاريخية التي هرم جيل وهو ينتظرها، ففي تونس نزلت الشرطة وقوى الأمن إلى الشوارع وقتلت الكثير من الثوار من أجل سلامة الوطن وأمنه وبقائه! وفي مصر هاجمت قوى الأمن المتظاهرين وقتلت وجرحت الكثير في سبيل الحفاظ على أمن الوطن وسلامته وبقائه! وفي ليبيا ترتكب المجازر من أجل أمن هذا الوطن....وفي البحرين قتل... وفي اليمن قتل....وفي... قمع... وفي ...ضرب من قبل البلطجية ....وفي... سجن.... كل هذا يحدث من أجل الوطن وسلامته وأمنه وبقائه!
في سياق التوقيت المحلي لمدينة القاهرة ومدينة تونس ومدينة طرابلس....في سياق التوقيت المحلي لهذه البقعة من الأرض ـ الوطن العربي ـ تدرك الشعوب جيدا ما معنى الوطن، ولكن، ترى ماذا يقصد هؤلاء (الذين يقتلون ويضطهـِدون) بكلمة الوطن الذي يريدون الحفاظ على أمنه وسلامته وبقائه؟!
كاتبة من الاردن
المصدر: كفى الزعبي - القُدس العربي
نشرت فى 7 مارس 2011
بواسطة Khaled-now
Yes we are here نَعم نحن هُنا
نحن صفحة إخبارية تعمل على مدار الساعة تهتم باخبار العرب من المُحيط الى الخليج...فمرحباً بكل العرب.. تاريخ تأسيس الصفحة : 5 مارس 2011 مُديرالصفحة : خالد عويضة »
أخبار من المُحيط الى الخليج
كل الأخبار
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
214,689
ساحة النقاش