بسم الله الرحمن الرحيم
هل يمكن أن يكون الرجل ناقص عقل ودين أم المرأة وحدها ناقصة عقل ودين
لقد ورد في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمرَّ على النساء فقال: " يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار. فقلن : وبم يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير . ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن. قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل.قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟
قلن: بلى. قال:فذلك من نقصان دينها". وأما نقصان الدين فهو لما يفوتها من العبادة في أيام حيضها. فهو نقصان بالنسبة لأهل الكمال.
وقد ورد الحديث بلفظ آخر ولكنه لا يختلف كثيراً عن اللفظ الأول وهو: روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه في باب الإيمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: )يا مَعْشرَ النساء تَصَدَّقْنَ وأكْثِرْن الاستغفار ، فإني رأيُتكُنَّ أكثر أهل النار . فقالت امرأة منهن جَزْلة : وما لنا يا رسول الله أكثرُ أهل النار؟ قال : تُكْثِرْنَ اللَّعن ، وتَكْفُرْنَ العشير ، وما رأيت من ناقصاتِ عقلٍ ودين أغلبَ لذي لبٍّ مِنْكُن . قالت يا رسول الله وما نقصانُ العقل والدين؟ قال : أما نُقصانُ العقل فشهادة امرأتين تعْدِلُ شهادةَ رَجُل ، فهذا نقصان العقل ، وتَمكثُ الليالي ما تُصلي، وتُفطر في رمضان، فهذا نقصان الدين(. ومعنى الجَزْلة أي ذات العقل والرأي والوقار ، وتَكْفُرْنَ العشير أي تُنكرن حق الزوج .
لقد تحدث الناس كثيراً عن هذين الحديثين وأكثروا الجدال فيهما بالرغم من أن الر سول عليه أفضل الصلاة والسلام قد أوضح القصد منه. وأحسب أن عدم وضوح معاني بعض مفرداته هو السبب في هذا الجدال. ومن أجل الوصول لمعرفة معاني الحديث العميقة سوف نبدأ أولاً باستنباط معاني مفردات الحديث من آيات القرآن وثانياً معرفة المقصود بالكمال والنقصان وأخيراً تحليل الحديث. والمفردات التي سنبدأ بمعرفة معانيها هي : العقل، الدين، كمال العقل ونقصانه وكمال الدين ونقصانه.
أولاً: معنى العقل في القرآن
إن معنى العقل في القرآن هو الإيمان الحق لما ورد في الآيات التالية: ( وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ) 171 البقرة.
لقد ضرب الله مثلاً للكفار بالصم الذين لا يتفاعلون مع النداء ولهذا لم يؤمنوا . فهم لا يعقلون أي لا يؤمنون وبالتالي يرمز للإيمان في القرآن بالعقل. وفي الآية الآتية (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلٰوةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ ) 58 المائدة جاء معنى قوله: (ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) هو ( ذلك بأنهم قوم لا يؤمنون) فلو كانوا من المؤمنين لقاموا إلى الصلاة بكل وقار وجدية. أما الآية: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَجْعَلُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ) 100 يونس فهي التي تعكس بوضوح معنى كلمة العقل لوجود المقارنة فيها بين الإيمان والكفر فالله يهدي من يشاء ويضل من يشاء. ولهذا جعل الرجس أي الضلال على الذين لا يعقلون (أي الذين لا يؤمنون ولا يهتدون). وقوله تعالى) :وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلْنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) 12 النحل توضح أن الذين لا يؤمنون بوحدانية الله لم ولن يهتموا بهذه الآيات لأن آيات الكون قد جعلها الله للمؤمنين فقط لتقوية إيمانهم وتثبيته فهي (لقوم يعقلون) أي لقوم يؤمنون كقوله تعالى (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين وعرفهم بأنهم الذين آمنوا ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ومتقينون من الآخرة) لأن الكفار والمنافقين كالصم البكم لا فائدة منهم فهم لا إيمان لهم. ودليل آخر على أن معنى العقل في القرآن هو الإيمان الآيات التالية:) لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) 111 يوسف. ففي هذه الآية جاء قوله تعالى: (في قصصهم عبرة لأولي الألباب) وجاء فيها أيضاً قوله تعالى: (وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) فهل كانت العبرة لقوم والهدى والرحمة لقوم آخرين؟ إن العبرة للمؤمنين الذين هم أولوا الألباب كانت في خبر المرسلين مع قومهم، وكيف نجى الله المؤمنين، وأهلك الكافرين ثم أوضح أن الكتاب جاء تفصيلاً للصراط المستقيم الذي يجب على المؤمنين أن يتبعوه وأن لا يتبعون صراط الضالين والمغضوب عليهم. ولهذا سرد الله للمؤمنين قصص اليهود والنصارى الضالين (الكافرين والمنافقين) من أجل أن يتفادوا صراطهم. ولهذا وصف الله المؤمنون بأنهم أولوا الألباب.
وفي الآية: (أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَدْ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً ) 10 الطلاق، أوضح الله أن العقل في القرآن هو الإيمان الكامل.
ثانياً معنى الدين من آيات القرآن
إن معنى كلمة الدين هو الوحدانية المطلقة لله وقد أوضحت هذا المعنى الآيات التالية: (وما أدراك ما يوم الدين ) (ثم ما أدراك ما يوم الدين) (يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله) فيوم الدين في هذه الآيات قد عرَّفه الله بأنه يوم توكيد وحدانيته المطلقة التي تنكر لها الكفار والمنافقون. حيث يظهر للناس جلياً أن الملك والتصرف والأمر لله وحده فلا يقدر أحد على نفع أحد، ولا خلاصه مما هو فيه وإنما الأمر كله لله. ففي ذلك اليوم يطوي السماوات والأرض بيمينه ويقول أنا الملك فأين ملوك الأرض؟ والكل حقير ذليل يرجو رحمته لا ملك غيره. ووردت كلمة الدين بمعنى الإسلام في كثير من الآيات منها: ( إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ وَمَا ٱخْتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ) 19 آل عمران. كما جاءت بمعنى الهدى في الآية (هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ) 33 التوبة. وجاءت بمعنى عبادة الله وحده في قوله تعالى: ( مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) 40 يوسف
إذاً معنى الدين هو توكيد الوحدانية المطلقة تماماً كمعنى الإيمان والاسلام الكاملين ومعناهم جميعاً هو نفس معنى العقل الكامل. إذاً العقل والدين كلمتان مترادفتان. ومن هذا المنطلق يمكن معرفة العقل الكامل والدين الكامل ونقصهما من خلال معرفة كمال الإيمان والاسلام ونقصهما.
ثالثاً معنى الإيمان الكامل (أي العقل والدين الكاملين)
لقد جاء في صحيح بخاري أن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز قد أرسل رسالة لأحد ولاته وهو عدي بن عدي جاء فيها: (أن للإيمان فرائض وشرئع وحدوداً وسنناً فمن استكملها استكمل الإيمان ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان. فإن أعش فسأبينها لكم حتى تعملوا بها وإن مت فما أنا على صحبتكم بحريص). هذه الرسالة توضح أن من نقص شيئاً من الفرائض أو الشرائع أو الحدود أو السنن ينقص إيمانه ومن عمل بهم جميعاً من غير نقص نقص إيمانه. عليه يكون تعريف الإيمان الكامل والدين الكامل والعقل الكامل هو: ( الإعتراف والتصديق اليقين بوحدانية الله (لا إله إلا الله) وتوكيده بالعمل بكل الفرائض والشرائع والحدود والسنن من غير نقص). فإذا كان ما ذهبنا إليه من معنى وهو أن الدين والعقل مترادفان فالنقصان يحدث للرجال كما يحدث للنساء وعليه يطرأ السؤال التالي: ما هو سبب وصف النساء بنقص الدين والعقل من دون الرجال؟ إن الإجابة تتطلب معرفة الفرق في نقصان دين وعقل كل من الرجال والنساء
رابعاً: الفرق بين نقصان عقل ودين الرجال ونقصان عقل ودين النساء
هنالك رجال كثيرون ناقصوا عقل ودين بناءً على ما أوضحه الله في موقف كل أمة من رسالتها في سورة الشعراء وختمها بقوله تعالى: (إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين) 67 الشعراء. فلو كان كل الرجال كاملي الدين والعقل لما كان الذين يدخلون الجنة بغير عقاب ولا حساب قليلون لقوله تعالى: (ثلة من الأولين وقليل من الآخرين).
إن نقصان العقل والدين الذي ينتج من نقصان المرء لآداء ما عليه من عبادات لا فرق فيه بين النساء والرجال وجميعهم محاسبون على أعمالهم. ولكن النساء لهن نقصان مشروع في دينهم وعقلهم لا يحاسبون عليه الأمر الذي جعل الرسول صلى الله عليه وسلم ينعتهن بذلك النقصان المشروع الذي لا يحاسبهن الله عليه.
خامساً: تحليل الأحاديث
أولاً: إن المعنى اللغوي لكلمة معشر هو كل جماعة أمرهم واحد. والمعنى المصطلحي في هذا الحديث هو جماعة من النساء جمعهم كثرة اللعان ونكران العشير وهن اللاتي خاطبهن الرسول صلى الله عليه وسلم . والدليل على أن الرسول قد خاطب شريحة محددة قوله (وما رأيت من ناقصاتِ عقلٍ ودين أغلبَ لذي لبٍّ مِنْكُن) فمن للتبعيض أي إن اللاتي ينقصن دينهن وعقولهن عن طريق كثرة اللعان وكفران العشير.
ثانياً: تعجب الرسول صلى الله عليه وسلم من قدرة النساء بان الواحدة منهن تغلب ذا اللب . وهذا المعنى له أبعاد عميقة جداً يمكن الوصول إليها من خلال الإجابة عن السؤال التالي: ما هو الشيء الذي يشغل المرء عن عبادة الله وذكره فينقص دينه وعقله؟ إن الإجابة عن هذا السؤال أحسب أن إبليساً من ورائها حيث توعد ربه بأنه سيقعد لعباده صراطهم المستقيم. ومن ضمن الأشياء التي يستخدمها الملعون ليشغل بها الرجال هي النساء. وقد وصفهن الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهن فتنة وحذر الرجال منهن بقوله اتقوا النساء فإن أول فتنة بني اسرائيل كانت في النساء. فهن إذاً اللاتي يشغلن الرجال من العبادة بمشاكلهن وطلباتهن وما إلى ذلك. ولهذا نجد أن اللاتي يكفرن العشير هن اللاتي لا يقنعن بأي شيء مهما أعطاهن أزواجهن فينكرن باستمرار عطاء أزواجهن لهن ويرونه قليلاً مما يجعل العشير ينشغل بهن وبتحقيق رغباتهن فتنقص عبادته وينقص عقله ودينه. فالنساء قد جعلهن الله أحد مواد الإمتحان للرجال المؤمنين ليعلم الطيب الذي ينشغل عنهن بعبادته من الذي ينشغل بهن عن عبادته. ولهذا يكون إبليس من رائهن ليفتنهن أولاً ويفتن بهن الرجال . عليه تكون الفئة التي تنقص دينها وعقلها باللعان ونكران العشير هن أكثر النساء اللاتي ينقصن عقل ودين رجالهن مهما كانت درجة إيمانهم فيا للعجب! وفي ذلك توضيح لخطورة اللعان وكفران العشير أكثر من الذنوب الأخرى لأنها تساعد على نقصان إيمان أناس آخرين.
ثالثاً: أحسب أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد ذكر حكم الله في أن الشهادة تحتاج لإمرأتين كي تذكر إحداهما الأخرى لأن الشيطان هو الذي يشغل الإنسان لينسى ذكر الله لقوله تعالى: ( قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلْحُوتَ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَٰنُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ عَجَباً ) 63 الكهف وقوله أيضاً: (ٱسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ ٱلشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ ٱللَّهِ) 19 المجادلة. فالآية 63 الكهف جاءت على لسان رفيق سيدنا موسى عليه الذي كان يتبعه في رحلته وهو رجل. أي أن النسيان يحدث للرجل وللمرأة. ولكن من النساء من هن عاطفيات بفطرتهن ولهذا يحببهن الشيطان في الحياة أكثر من غيرهن لينشغلن بها فيصير نسيانهن أكثر من غيرهن. ولما كانت الشهادة مبنية على الذكرى صارت شهادة شهادة المرأة تحتاج لشهادة إمرأة أخرى كي تذكرها إن نسيت (لوجود احتمال أن تكون إحداهما من اللاتي تنسيهن الحياة ذكر الشهادة أو تتبع عاطفتها فتدلي بغير الشهادة الحقيقية ألا يعلم بخلقه وهو اللطيف الخبير؟ ). والله أعلم
رابعاً: إن قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (فإني رأيتكن أكثر أهل النار.) يؤكد أن الرجال أيضاً ناقصوا عقل ودين ولهذا رآهم في النار ولكن نسبة النساء أكثر منهم ولو بنسبة 1 % للأسباب التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم.
خامساً: لقد ذكر الحديث الثاني أن امرأة منهن جَزْلة ناقشت الرسول . والجزلة ، كما قال العلماء ، هي ذات العقل والرأي والوقار. وفي هذا الوصف استبعاد لأن يكون معنى العقل هو قدرات التفكير وإنما المعنى هو الإيمان اليقين الذي ينقص ويزيد عند الرجال والنساء وليس عند نوع واحد.
إذاً ليس لمعنى القدرات العقليه دخل في الحديث كله. وأعتقد أن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام أراد من الحديث أن يكون بوابة علم ليناقشه الناس ويصلون منه إلى أهمية تكملة الدين والعقل والرسوخ في الإيمان الذي لا يتم إلا عن طريق الإعراض عن الدنيا وعدم الإهتمام بها مع التصدق والاستغفار.ولا يأبه بذلك إلا أولوا الألباب أي أولوا الإيمان اليقين والله أعلم من قبل ومن بعد.
بسم الله الرحمن الرحيم
هل يمكن أن يكون الرجل ناقص عقل ودين أم المرأة وحدها ناقصة عقل ودين
لقد ورد في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمرَّ على النساء فقال: " يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار. فقلن : وبم يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير . ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن. قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل.قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟
قلن: بلى. قال:فذلك من نقصان دينها". وأما نقصان الدين فهو لما يفوتها من العبادة في أيام حيضها. فهو نقصان بالنسبة لأهل الكمال.
وقد ورد الحديث بلفظ آخر ولكنه لا يختلف كثيراً عن اللفظ الأول وهو: روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه في باب الإيمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: )يا مَعْشرَ النساء تَصَدَّقْنَ وأكْثِرْن الاستغفار ، فإني رأيُتكُنَّ أكثر أهل النار . فقالت امرأة منهن جَزْلة : وما لنا يا رسول الله أكثرُ أهل النار؟ قال : تُكْثِرْنَ اللَّعن ، وتَكْفُرْنَ العشير ، وما رأيت من ناقصاتِ عقلٍ ودين أغلبَ لذي لبٍّ مِنْكُن . قالت يا رسول الله وما نقصانُ العقل والدين؟ قال : أما نُقصانُ العقل فشهادة امرأتين تعْدِلُ شهادةَ رَجُل ، فهذا نقصان العقل ، وتَمكثُ الليالي ما تُصلي، وتُفطر في رمضان، فهذا نقصان الدين(. ومعنى الجَزْلة أي ذات العقل والرأي والوقار ، وتَكْفُرْنَ العشير أي تُنكرن حق الزوج .
لقد تحدث الناس كثيراً عن هذين الحديثين وأكثروا الجدال فيهما بالرغم من أن الر سول عليه أفضل الصلاة والسلام قد أوضح القصد منه. وأحسب أن عدم وضوح معاني بعض مفرداته هو السبب في هذا الجدال. ومن أجل الوصول لمعرفة معاني الحديث العميقة سوف نبدأ أولاً باستنباط معاني مفردات الحديث من آيات القرآن وثانياً معرفة المقصود بالكمال والنقصان وأخيراً تحليل الحديث. والمفردات التي سنبدأ بمعرفة معانيها هي : العقل، الدين، كمال العقل ونقصانه وكمال الدين ونقصانه.
أولاً: معنى العقل في القرآن
إن معنى العقل في القرآن هو الإيمان الحق لما ورد في الآيات التالية: ( وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ) 171 البقرة.
لقد ضرب الله مثلاً للكفار بالصم الذين لا يتفاعلون مع النداء ولهذا لم يؤمنوا . فهم لا يعقلون أي لا يؤمنون وبالتالي يرمز للإيمان في القرآن بالعقل. وفي الآية الآتية (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلٰوةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ ) 58 المائدة جاء معنى قوله: (ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) هو ( ذلك بأنهم قوم لا يؤمنون) فلو كانوا من المؤمنين لقاموا إلى الصلاة بكل وقار وجدية. أما الآية: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَجْعَلُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ) 100 يونس فهي التي تعكس بوضوح معنى كلمة العقل لوجود المقارنة فيها بين الإيمان والكفر فالله يهدي من يشاء ويضل من يشاء. ولهذا جعل الرجس أي الضلال على الذين لا يعقلون (أي الذين لا يؤمنون ولا يهتدون). وقوله تعالى) :وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلْنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) 12 النحل توضح أن الذين لا يؤمنون بوحدانية الله لم ولن يهتموا بهذه الآيات لأن آيات الكون قد جعلها الله للمؤمنين فقط لتقوية إيمانهم وتثبيته فهي (لقوم يعقلون) أي لقوم يؤمنون كقوله تعالى (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين وعرفهم بأنهم الذين آمنوا ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ومتقينون من الآخرة) لأن الكفار والمنافقين كالصم البكم لا فائدة منهم فهم لا إيمان لهم. ودليل آخر على أن معنى العقل في القرآن هو الإيمان الآيات التالية:) لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) 111 يوسف. ففي هذه الآية جاء قوله تعالى: (في قصصهم عبرة لأولي الألباب) وجاء فيها أيضاً قوله تعالى: (وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) فهل كانت العبرة لقوم والهدى والرحمة لقوم آخرين؟ إن العبرة للمؤمنين الذين هم أولوا الألباب كانت في خبر المرسلين مع قومهم، وكيف نجى الله المؤمنين، وأهلك الكافرين ثم أوضح أن الكتاب جاء تفصيلاً للصراط المستقيم الذي يجب على المؤمنين أن يتبعوه وأن لا يتبعون صراط الضالين والمغضوب عليهم. ولهذا سرد الله للمؤمنين قصص اليهود والنصارى الضالين (الكافرين والمنافقين) من أجل أن يتفادوا صراطهم. ولهذا وصف الله المؤمنون بأنهم أولوا الألباب.
وفي الآية: (أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَدْ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً ) 10 الطلاق، أوضح الله أن العقل في القرآن هو الإيمان الكامل.
ثانياً معنى الدين من آيات القرآن
إن معنى كلمة الدين هو الوحدانية المطلقة لله وقد أوضحت هذا المعنى الآيات التالية: (وما أدراك ما يوم الدين ) (ثم ما أدراك ما يوم الدين) (يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله) فيوم الدين في هذه الآيات قد عرَّفه الله بأنه يوم توكيد وحدانيته المطلقة التي تنكر لها الكفار والمنافقون. حيث يظهر للناس جلياً أن الملك والتصرف والأمر لله وحده فلا يقدر أحد على نفع أحد، ولا خلاصه مما هو فيه وإنما الأمر كله لله. ففي ذلك اليوم يطوي السماوات والأرض بيمينه ويقول أنا الملك فأين ملوك الأرض؟ والكل حقير ذليل يرجو رحمته لا ملك غيره. ووردت كلمة الدين بمعنى الإسلام في كثير من الآيات منها: ( إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ وَمَا ٱخْتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ) 19 آل عمران. كما جاءت بمعنى الهدى في الآية (هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ) 33 التوبة. وجاءت بمعنى عبادة الله وحده في قوله تعالى: ( مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) 40 يوسف
إذاً معنى الدين هو توكيد الوحدانية المطلقة تماماً كمعنى الإيمان والاسلام الكاملين ومعناهم جميعاً هو نفس معنى العقل الكامل. إذاً العقل والدين كلمتان مترادفتان. ومن هذا المنطلق يمكن معرفة العقل الكامل والدين الكامل ونقصهما من خلال معرفة كمال الإيمان والاسلام ونقصهما.
ثالثاً معنى الإيمان الكامل (أي العقل والدين الكاملين)
لقد جاء في صحيح بخاري أن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز قد أرسل رسالة لأحد ولاته وهو عدي بن عدي جاء فيها: (أن للإيمان فرائض وشرئع وحدوداً وسنناً فمن استكملها استكمل الإيمان ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان. فإن أعش فسأبينها لكم حتى تعملوا بها وإن مت فما أنا على صحبتكم بحريص). هذه الرسالة توضح أن من نقص شيئاً من الفرائض أو الشرائع أو الحدود أو السنن ينقص إيمانه ومن عمل بهم جميعاً من غير نقص نقص إيمانه. عليه يكون تعريف الإيمان الكامل والدين الكامل والعقل الكامل هو: ( الإعتراف والتصديق اليقين بوحدانية الله (لا إله إلا الله) وتوكيده بالعمل بكل الفرائض والشرائع والحدود والسنن من غير نقص). فإذا كان ما ذهبنا إليه من معنى وهو أن الدين والعقل مترادفان فالنقصان يحدث للرجال كما يحدث للنساء وعليه يطرأ السؤال التالي: ما هو سبب وصف النساء بنقص الدين والعقل من دون الرجال؟ إن الإجابة تتطلب معرفة الفرق في نقصان دين وعقل كل من الرجال والنساء
رابعاً: الفرق بين نقصان عقل ودين الرجال ونقصان عقل ودين النساء
هنالك رجال كثيرون ناقصوا عقل ودين بناءً على ما أوضحه الله في موقف كل أمة من رسالتها في سورة الشعراء وختمها بقوله تعالى: (إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين) 67 الشعراء. فلو كان كل الرجال كاملي الدين والعقل لما كان الذين يدخلون الجنة بغير عقاب ولا حساب قليلون لقوله تعالى: (ثلة من الأولين وقليل من الآخرين).
إن نقصان العقل والدين الذي ينتج من نقصان المرء لآداء ما عليه من عبادات لا فرق فيه بين النساء والرجال وجميعهم محاسبون على أعمالهم. ولكن النساء لهن نقصان مشروع في دينهم وعقلهم لا يحاسبون عليه الأمر الذي جعل الرسول صلى الله عليه وسلم ينعتهن بذلك النقصان المشروع الذي لا يحاسبهن الله عليه.
خامساً: تحليل الأحاديث
أولاً: إن المعنى اللغوي لكلمة معشر هو كل جماعة أمرهم واحد. والمعنى المصطلحي في هذا الحديث هو جماعة من النساء جمعهم كثرة اللعان ونكران العشير وهن اللاتي خاطبهن الرسول صلى الله عليه وسلم . والدليل على أن الرسول قد خاطب شريحة محددة قوله (وما رأيت من ناقصاتِ عقلٍ ودين أغلبَ لذي لبٍّ مِنْكُن) فمن للتبعيض أي إن اللاتي ينقصن دينهن وعقولهن عن طريق كثرة اللعان وكفران العشير.
ثانياً: تعجب الرسول صلى الله عليه وسلم من قدرة النساء بان الواحدة منهن تغلب ذا اللب . وهذا المعنى له أبعاد عميقة جداً يمكن الوصول إليها من خلال الإجابة عن السؤال التالي: ما هو الشيء الذي يشغل المرء عن عبادة الله وذكره فينقص دينه وعقله؟ إن الإجابة عن هذا السؤال أحسب أن إبليساً من ورائها حيث توعد ربه بأنه سيقعد لعباده صراطهم المستقيم. ومن ضمن الأشياء التي يستخدمها الملعون ليشغل بها الرجال هي النساء. وقد وصفهن الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهن فتنة وحذر الرجال منهن بقوله اتقوا النساء فإن أول فتنة بني اسرائيل كانت في النساء. فهن إذاً اللاتي يشغلن الرجال من العبادة بمشاكلهن وطلباتهن وما إلى ذلك. ولهذا نجد أن اللاتي يكفرن العشير هن اللاتي لا يقنعن بأي شيء مهما أعطاهن أزواجهن فينكرن باستمرار عطاء أزواجهن لهن ويرونه قليلاً مما يجعل العشير ينشغل بهن وبتحقيق رغباتهن فتنقص عبادته وينقص عقله ودينه. فالنساء قد جعلهن الله أحد مواد الإمتحان للرجال المؤمنين ليعلم الطيب الذي ينشغل عنهن بعبادته من الذي ينشغل بهن عن عبادته. ولهذا يكون إبليس من رائهن ليفتنهن أولاً ويفتن بهن الرجال . عليه تكون الفئة التي تنقص دينها وعقلها باللعان ونكران العشير هن أكثر النساء اللاتي ينقصن عقل ودين رجالهن مهما كانت درجة إيمانهم فيا للعجب! وفي ذلك توضيح لخطورة اللعان وكفران العشير أكثر من الذنوب الأخرى لأنها تساعد على نقصان إيمان أناس آخرين.
ثالثاً: أحسب أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد ذكر حكم الله في أن الشهادة تحتاج لإمرأتين كي تذكر إحداهما الأخرى لأن الشيطان هو الذي يشغل الإنسان لينسى ذكر الله لقوله تعالى: ( قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلْحُوتَ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَٰنُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ عَجَباً ) 63 الكهف وقوله أيضاً: (ٱسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ ٱلشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ ٱللَّهِ) 19 المجادلة. فالآية 63 الكهف جاءت على لسان رفيق سيدنا موسى عليه الذي كان يتبعه في رحلته وهو رجل. أي أن النسيان يحدث للرجل وللمرأة. ولكن من النساء من هن عاطفيات بفطرتهن ولهذا يحببهن الشيطان في الحياة أكثر من غيرهن لينشغلن بها فيصير نسيانهن أكثر من غيرهن. ولما كانت الشهادة مبنية على الذكرى صارت شهادة شهادة المرأة تحتاج لشهادة إمرأة أخرى كي تذكرها إن نسيت (لوجود احتمال أن تكون إحداهما من اللاتي تنسيهن الحياة ذكر الشهادة أو تتبع عاطفتها فتدلي بغير الشهادة الحقيقية ألا يعلم بخلقه وهو اللطيف الخبير؟ ). والله أعلم
رابعاً: إن قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (فإني رأيتكن أكثر أهل النار.) يؤكد أن الرجال أيضاً ناقصوا عقل ودين ولهذا رآهم في النار ولكن نسبة النساء أكثر منهم ولو بنسبة 1 % للأسباب التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم.
خامساً: لقد ذكر الحديث الثاني أن امرأة منهن جَزْلة ناقشت الرسول . والجزلة ، كما قال العلماء ، هي ذات العقل والرأي والوقار. وفي هذا الوصف استبعاد لأن يكون معنى العقل هو قدرات التفكير وإنما المعنى هو الإيمان اليقين الذي ينقص ويزيد عند الرجال والنساء وليس عند نوع واحد.
إذاً ليس لمعنى القدرات العقليه دخل في الحديث كله. وأعتقد أن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام أراد من الحديث أن يكون بوابة علم ليناقشه الناس ويصلون منه إلى أهمية تكملة الدين والعقل والرسوخ في الإيمان الذي لا يتم إلا عن طريق الإعراض عن الدنيا وعدم الإهتمام بها مع التصدق والاستغفار.ولا يأبه بذلك إلا أولوا الألباب أي أولوا الإيمان اليقين والله أعلم من قبل ومن بعد.
بسم الله الرحمن الرحيم
هل يمكن أن يكون الرجل ناقص عقل ودين أم المرأة وحدها ناقصة عقل ودين
لقد ورد في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمرَّ على النساء فقال: " يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار. فقلن : وبم يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير . ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن. قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل.قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟
قلن: بلى. قال:فذلك من نقصان دينها". وأما نقصان الدين فهو لما يفوتها من العبادة في أيام حيضها. فهو نقصان بالنسبة لأهل الكمال.
وقد ورد الحديث بلفظ آخر ولكنه لا يختلف كثيراً عن اللفظ الأول وهو: روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه في باب الإيمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: )يا مَعْشرَ النساء تَصَدَّقْنَ وأكْثِرْن الاستغفار ، فإني رأيُتكُنَّ أكثر أهل النار . فقالت امرأة منهن جَزْلة : وما لنا يا رسول الله أكثرُ أهل النار؟ قال : تُكْثِرْنَ اللَّعن ، وتَكْفُرْنَ العشير ، وما رأيت من ناقصاتِ عقلٍ ودين أغلبَ لذي لبٍّ مِنْكُن . قالت يا رسول الله وما نقصانُ العقل والدين؟ قال : أما نُقصانُ العقل فشهادة امرأتين تعْدِلُ شهادةَ رَجُل ، فهذا نقصان العقل ، وتَمكثُ الليالي ما تُصلي، وتُفطر في رمضان، فهذا نقصان الدين(. ومعنى الجَزْلة أي ذات العقل والرأي والوقار ، وتَكْفُرْنَ العشير أي تُنكرن حق الزوج .
لقد تحدث الناس كثيراً عن هذين الحديثين وأكثروا الجدال فيهما بالرغم من أن الر سول عليه أفضل الصلاة والسلام قد أوضح القصد منه. وأحسب أن عدم وضوح معاني بعض مفرداته هو السبب في هذا الجدال. ومن أجل الوصول لمعرفة معاني الحديث العميقة سوف نبدأ أولاً باستنباط معاني مفردات الحديث من آيات القرآن وثانياً معرفة المقصود بالكمال والنقصان وأخيراً تحليل الحديث. والمفردات التي سنبدأ بمعرفة معانيها هي : العقل، الدين، كمال العقل ونقصانه وكمال الدين ونقصانه.
أولاً: معنى العقل في القرآن
إن معنى العقل في القرآن هو الإيمان الحق لما ورد في الآيات التالية: ( وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ) 171 البقرة.
لقد ضرب الله مثلاً للكفار بالصم الذين لا يتفاعلون مع النداء ولهذا لم يؤمنوا . فهم لا يعقلون أي لا يؤمنون وبالتالي يرمز للإيمان في القرآن بالعقل. وفي الآية الآتية (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلٰوةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ ) 58 المائدة جاء معنى قوله: (ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) هو ( ذلك بأنهم قوم لا يؤمنون) فلو كانوا من المؤمنين لقاموا إلى الصلاة بكل وقار وجدية. أما الآية: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَجْعَلُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ) 100 يونس فهي التي تعكس بوضوح معنى كلمة العقل لوجود المقارنة فيها بين الإيمان والكفر فالله يهدي من يشاء ويضل من يشاء. ولهذا جعل الرجس أي الضلال على الذين لا يعقلون (أي الذين لا يؤمنون ولا يهتدون). وقوله تعالى) :وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلْنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) 12 النحل توضح أن الذين لا يؤمنون بوحدانية الله لم ولن يهتموا بهذه الآيات لأن آيات الكون قد جعلها الله للمؤمنين فقط لتقوية إيمانهم وتثبيته فهي (لقوم يعقلون) أي لقوم يؤمنون كقوله تعالى (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين وعرفهم بأنهم الذين آمنوا ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ومتقينون من الآخرة) لأن الكفار والمنافقين كالصم البكم لا فائدة منهم فهم لا إيمان لهم. ودليل آخر على أن معنى العقل في القرآن هو الإيمان الآيات التالية:) لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) 111 يوسف. ففي هذه الآية جاء قوله تعالى: (في قصصهم عبرة لأولي الألباب) وجاء فيها أيضاً قوله تعالى: (وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) فهل كانت العبرة لقوم والهدى والرحمة لقوم آخرين؟ إن العبرة للمؤمنين الذين هم أولوا الألباب كانت في خبر المرسلين مع قومهم، وكيف نجى الله المؤمنين، وأهلك الكافرين ثم أوضح أن الكتاب جاء تفصيلاً للصراط المستقيم الذي يجب على المؤمنين أن يتبعوه وأن لا يتبعون صراط الضالين والمغضوب عليهم. ولهذا سرد الله للمؤمنين قصص اليهود والنصارى الضالين (الكافرين والمنافقين) من أجل أن يتفادوا صراطهم. ولهذا وصف الله المؤمنون بأنهم أولوا الألباب.
وفي الآية: (أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَدْ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً ) 10 الطلاق، أوضح الله أن العقل في القرآن هو الإيمان الكامل.
ثانياً معنى الدين من آيات القرآن
إن معنى كلمة الدين هو الوحدانية المطلقة لله وقد أوضحت هذا المعنى الآيات التالية: (وما أدراك ما يوم الدين ) (ثم ما أدراك ما يوم الدين) (يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله) فيوم الدين في هذه الآيات قد عرَّفه الله بأنه يوم توكيد وحدانيته المطلقة التي تنكر لها الكفار والمنافقون. حيث يظهر للناس جلياً أن الملك والتصرف والأمر لله وحده فلا يقدر أحد على نفع أحد، ولا خلاصه مما هو فيه وإنما الأمر كله لله. ففي ذلك اليوم يطوي السماوات والأرض بيمينه ويقول أنا الملك فأين ملوك الأرض؟ والكل حقير ذليل يرجو رحمته لا ملك غيره. ووردت كلمة الدين بمعنى الإسلام في كثير من الآيات منها: ( إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ وَمَا ٱخْتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ) 19 آل عمران. كما جاءت بمعنى الهدى في الآية (هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ) 33 التوبة. وجاءت بمعنى عبادة الله وحده في قوله تعالى: ( مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) 40 يوسف
إذاً معنى الدين هو توكيد الوحدانية المطلقة تماماً كمعنى الإيمان والاسلام الكاملين ومعناهم جميعاً هو نفس معنى العقل الكامل. إذاً العقل والدين كلمتان مترادفتان. ومن هذا المنطلق يمكن معرفة العقل الكامل والدين الكامل ونقصهما من خلال معرفة كمال الإيمان والاسلام ونقصهما.
ثالثاً معنى الإيمان