خواطر إيمانية

يهتم الموقع بالتدبر والتفكر في آي القرآن الكريم لاستنباط معانيها الباطنة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

المبحث  السادس {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}

      لقد استنتجنا من تفصيل الآيات السابقة أن بداخل كل آية منهن تثنية  أي توكيد . وقد جاءت التثنية بصور مختلفة. وإذا تمعنا في الآية:{اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}  نجدها قد أنزلت بالصورة التي أنزلت بها الآيتان "الرحمن الرحيم" و"مالك يوم الدين". أي أنها أنزلت باسم واحد هو "الصراط المستقيم". ولكنها اختلفت عنهما بأنها ابتدأت بفعل وهو اهدنا. فهل هنالك تثنية بداخلها أم لا؟ وما هو نوع التثنية ؟

تفصيل الآية: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} من الآيات وتطبيقاً لنفس الأسلوب الذي اتبع في تفصيل الآيات السابقة  يتم تفصيل الآية بالأسئلة الآتية: ما معنى الهدى وما معنى الصراط المستقيم؟ ما حكم طلب الهدى والصراط المستقيم ؟ وما كيفيته؟  ممن تطلب الهداية ؟ ما هي الفئات التي خصاها الله بالهداية؟  ما المقصود بالآية {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} ؟ ما سبب نزولها بهذه الصورة؟

معنى الهدى ومعنى الصراط المستقيم من الآيات يمكن استنباط معنى الهدى من تحليل الآيات التي أنزلت قبل إنزال أبينا آدم وأمنا حواء وإبليس إلى الأرض والآيات وهي:{ فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} { قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} {وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} 37-39البقرة  فالآية 37 قد أوضحت أن الله قد أخبر آبانا أدم وأمنا حواء وإبليس قبل أن يهبطوا إلى الأرض، بأنه سيرسل إليهم هدى فمن تبعه فلا خوف عليه، ومن كفر وكذب وصد عنه أي صد عن الهدي جاحداً وناكراً  له فله عذاب النار خالداً فيها. وقد أستبدلت كلمة الهدي بآياتنا في الآية 39 مما يدل على أن المقصود بالهدى هي آيات الكتاب. والآيات التالية تشير إلى أن الهدى الذي أرسل للناس أي الآيات هي الآيات التي توضح العقيدة أي علم التوحيد الذي يزكي الناس أولاً من الشرك كما في الآيات التالية: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا}55 الكهف  و هذا المعنى تعضده آيات سورة هود التي أوضحت هدى كل رسول لأمته كالآتي:"ألا تعبدوا إلا الله ..." "واستغفروه وتوبوا إليه" أي "أعبدوه وحده واستعينوا به وحده" أي أنها توضيح لمعنى الآية {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}. والآية: {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا}13 الجن أي أن الهدى في هذه الآية المقصود به الأخبار بوحدانية الله أي عقيدة التوحيد.  أما الآية:{وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ}46 المائدة فقد وردت فيها كلمة الهدى مرتين. وأحسب أن المقصود بكلمتي هدىً ونور في المرة الأولى هو توحيد الإله. وهو الهدى لأمة سيدنا عيسى جميعها في بداية الأمر. أما الهدى في المرة الثانية فمعناها المنهج أي القوانين التي يجب على من آمن اتباعها. ولهذا كان هدىً وموعظة للذين آمنوا واتقوا من أمة سيدنا عيسى. وهم الذين اتبعوا الهدى الذي أنزل في المرة الأولى وانطبق عليهم قول ربهم "فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون". وفي الآية: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}2 البقرة توضيح بأن الكتاب" أي آيات الكتاب" هي هدىً للمتقين. أي للذين آمنوا وعلموا حق العلم بوحدانية الإله. فنستنتج من الآيات المذكورة أن الهدى نوعان: النوع الأول : هو الهدى الذي أنزل لكل الأمة لتعريفها بوحدانية الله. وبالتالي هو الهدى الذي إنقسمت حياله كل أمة إلى فريقين ؛ فريق آمن به وفريق كفر به. فكل من لم يصدقه فلا فائدة منه. والآيات التالية هي مثال للنوع الأول من الهدى:{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ}{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ}{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}(106-108) الشعراء{إِذْ جَاءتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاء رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}(14) فصلت  فقد أوضح الله في هذه الآية  أن هداه لكل الأمم عن طريق رسلهم كانت" أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ " وهو ما أوضحته سورة هود. أما هدى الله لكل الأمم الذي ورد في سورة الشعراء فقد جاء بلفظ آخر ولكنه يحمل نفس المعنى وهو توحيد الله. واللفظ هو: "اتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ". وقد نتج عن البحث أن العبادة هي التقوى والتقوى هي العبادة وكل منهما هو الإيمان والإسلام والهدى والله أعلم. النوع الثاني : هو الهدى الذي يوضح للذين آمنوا بالهدى الأول، الصراط الذي يوصلهم لمرضاة الله. فما هو هدى المؤمنين المتقين؟  إن الآيات التالية هي مثال للنوع الثاني من الهدى أي للارشادات التي يجب أن يتبعها من اتبع هدى العقيدة وهي: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ الله إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}{وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ  الله أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}151-152 الأنعام و{وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} 32 لإسراء و{وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً}34 الإسراء  إذاً هدى المتقين الذي ينير لهم الصراط الحق ويتبعوه هو منهج الله في الأرض الذي يوضح أحكامه وتشريعاته ونواهيه وأوامره. والذي عبر عنه الإله بقوله تعالى "وبعهد الله َوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" أي أرشدكم وهداكم به في الآيتين (151-152) الأنعام.

 

 

كما أوضح الله قرب الزنى الذي نهى عنه بأنه ساء سبيلاً أي أنه اتباع للصراط السيء الذي هو عكس الصراط المستقيم. وقد جاء هذا العلم أي هدى الله  مكوناً من ثلاثة فروع هي:

الفرع الأول: العقيدة وتنقسم آياته إلى ثلاثة أنواع هي: النوع الأول: آياته توضح وحدانية الله وملكيته للكتب والرسل والملائكة والآيات هي: {إِنَّ رَبَّكُمُ  الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ  الله رَبُّ الْعَالَمِينَ}54 الأعراف{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ}5 السجدة وهو خالق الإنسان من طين {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ} 12 المؤمنون  ثم من ماء مهين {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ} 8 السجدة و{يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}35 الأعراف { الله يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ  الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ} 75 الحـج والله أيضاً هو خالق الإنسان في بطن أمه وجعل له السمع والأبصار: {وَالله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} 78 النحل{هُوَالَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ}{ يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}10-11 النحل و{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}21 الروم  ففي الآيات المذكورة توضيح بأن الله هو الخالق والمالك لكل صغيرة وكبيرة في هذا الكون وأن آياته تدل على ذلك. ولهذا يجب على الناس التفكر في خلقه لتوحيده.

النوع الثاني: آياته توضح وحدانية الله بملكيته لليوم الآخر والجنة والنار ورجوع الناس إليه في ذلك اليوم لعقاب من يكفر به وجزاء من يؤمن به. كما توضح أحكامه وأوامره ونواهيه أي منهجه للخلائق الذي يجب أن يتبعوه. ومثال لهذا النوع من الآيات: {وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}  (281) البقرة و{كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} 185 آل عمران {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ}(154) الأنعام{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ}(8) الروم {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}(110) الكهف. كل هذه الآيات توضح أن الله قد أنذر الناس بملكيته لليوم الآخر ليحاسب من لم يؤمن به ويدخله النار. ويجزي من آمن به الجزاء الحسن فيدخله الجنة. ثم أوضح لهم أن من يؤمن باليوم الآخر يجب عليه توكيد إيمانه هذا بأن يتبع منهجه ويعمل بالصالحات "أي قوانينه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم".

النوع الثالثالآيات التي توضح وحدانية الله بملكيته للأقدار خيرها وشرها.   فالله يصيب الناس بالابتلاءات إمتحاناً لهم ليعلم بمن يوحده بالصبر عليها ويبتليهم بالنعم ليعلم بمن يوحده بالصبرعليها أيضاً. والآيات التالية خير دليل على ذلك: {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ }{وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ}    15-16 الفجر فالنعمة وعدمها امتحان والنجاح فيهما بالرضا بقسمة الله والصبر عليها كما جاء في قوله تعالى: {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ الله مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ فَإِنَّ الله شَدِيدُ الْعِقَابِ}211 البقرة والآية{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ }155 البقرة و{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}142 آل عمران  إذاً يتلخص الفرع الأول في الإيمان بوحدانية الله عن طريق الإيمان بثلاثة أشياء هي: ملكيته للكتب والرسل والملائكة وملكيته لليوم الآخر والجنة والنار وملكيته للأقدار خيرها وشرها. فإيمان المؤمن لن يكتمل أبداً إذا لم يؤمن بفروع العقيدة الثلاثة وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والإيمان باليوم الآخر والإيمان بالأقدار خيرها وشرها.

الفرع الثاني : تنقسم آياته بدورها إلى نوعين أولهما : آياته تقص قصص الأمم السابقة. ومثال لآيات هذا النوع القصة التالية التي أوضحت أهم  قواعد التقوى في القرآن وهي قصة أبينا آدم وإبليس اللعين:{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ } {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ} {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} {قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}{وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}34-39 البقرة  ثانيهما: آياته توضح أن القصص وأحداثها هي عظة وعبرة لأمة سيدنا محمد وتثبيت للرسول صلى الله عليه وسلم وتثبيت وذكرى للمؤمنين. ومثال هذا النوع قوله تعالى:{ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}111 يوسف {وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}120 هود

 لقد وعظ الله خلقه بقصة أبينا آدم وأمنا حواء وإبليس بأن من يتبع أوامره ونواهيه أي هداه  يأمن عدم الخوف والحزن وأن من يتبع إبليس ويكفر بآياته مصيره الخلود في النار إلا من يتوب ويعمل عملاً صالحاً.

الفرع الثالث : تنقسم آياته أيضاً إلى ثلاثة أنواع: أولها:   الآيات التي ضرب الله بها الأمثال التي تقرب الفهم للناس ليتعرفوا بها على معنى الوحدانية وهي: {ضَرَبَ الله مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}29 الزمر  يوضح الله بهذا المثال أننا لو كنا مملوكين لأكثر من إله لتشاكسوا فينا ولتعبنا أشد التعب ولكن ملكيتنا له وحده؛ الإله الرحيم بنا  تستوجب توحيده وحمده وحده والله أعلم. ثانيها: الآيات التي ضرب الله بها مثلاً لبعض المواقف المحددة التي توضح بعض الأحكام التي خالفها مؤمن من المؤمنين الذي آتاه الله علماً فعصى أمر ربه فعاقبه الله على ذلك ليتفادى المؤمنين العمل بمثلها فهي عظة وعبرة: ومثال لها الآية التالية:{ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} 176 الأعراف  ثالثها:  آيات الأمثال التي أوضحت أن جحود نعم الله وعدم شكرها هو كفر يؤدي لفقدانها وللعذاب في الدنيا والآخرة. ومثال لها:{ وَضَرَبَ الله مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}112 النحل   فالهدى إذاً هو الذكر والحمد والعبادة والإستعانة بدايته هي "لا إله إلا الله" ثم توكيده بطلب الثبات على الهدى من الله باستمرار مع استمرار العمل بالأحكام والأوامر والنواهي بالاضافة إلى تكرار الذكر والحمد لله والتسبيح والإستغفار قولاً حتى الممات. وبتعبير آخر؛ الهدى هو: توحيد الله أولاً ثم تكرار المثاني مع إتباع أوامره والانتهاء عن زواجره والتي تشمل العمل بالمحكمات وترك المتشابهات والهدي بقصص الأمم السابقة والأمثال المذكورة في الكتاب.                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                         

معنى الصراط المستقيم من الآيات

 إن معنى الصراط المستقيم يمكن استنباطه من الآيات الآتية: {إِنَّ الله رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ}51 آل عمران و{قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}الأنعام 161 الآية 51 آل عمران أوضحت أن عبادة  الله هي الصراط المستقيم. والآية  161  الأنعام أوضحت أن الصراط المستقيم هو: الدين القيم. وبالتمعن في الآية التالية: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} 5 البينة.  أحسب أن معنى "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ "هو وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له العبادة. فاستبدلت كلمة العبادة بالدين، مما يؤكد المعاني التي وردت في الآيتين 51 آل عمران و161 الأنعام.  عليه نصل إلى أن العبادة هي الصراط المستقيم وهي الدين وكل منهما معناه توحيد الله التوحيد الخالص وطاعته بالعمل بجميع الأعمال الصالحة مع تكرار المثبتات المثاني. أما الآيات الآتية فقد جاءت بمعاني أخرى للصراط المستقيم وهي: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ}67 الحـج {فَمَن يُرِدِ الله أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ الله الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} {وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ}125-126الأنعام توضح الآية 67 الحج أن الهدى هو الصراط المستقيم. حيث استبدلت كلمة صراط بكلمة هدى بقوله: لعلى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ. وإذا تمعنا في الآيتين 125-126 نجد أن الهدى هو انشراح الصدر بالإسلام وهو الصراط المستقيم. كما توضح الآيتان أن الهدى للإسلام هو هدىً إلى صراط الله المستقيم. الأمر الذي يشير إلى أن كلمتي الإسلام والصراط المستقيم مترادفتان. ثم وصفت الآيات 151-153 الزواجر والأوامر بأنها الصراط المستقيم الذي يجب على المؤمن أن يتبعه وهي:{قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ الله إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ الله أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}151-153 الأنعام.  إذاً العمل بالأحكام والتشريعات بعد الإيمان بالله وحده هو السير في الصراط المستقيم وهو العمل بكل ما ورد في كتاب الله من أحكام واوامر ونواهي وما ورد في السنة المحمدية فالسير في الصراط المستقيم هو السير وفق تعليمات الله وحدوده أي وفق منهجه. إذاً هو الإيمان الحق وهو الإحسان وهو التقوى وهو الإسلام وهو الصلاح والفلاح. فكل هذه المفردات مترادفات. فالهدي يزيد وينقص كما جاء في الآية التالية:{وَيَزِيدُ الله الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَات خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا} 76 مريم  فالعمل بالأحكام في كل لحظة هو توثيق وتثنية  للوحدانية وزيادة للهدي مما يثبتها ويقويها. مع الذكر والحمد والتسبيح والإستغفار قولاً لأنهم ألفاظ المتكررة لتثبيت الإيمان. وكذلك الصراط المستقيم فكلما عمل الإنسان صالحاً أي زيادة في الأحكام والمثبتات زاد هداه رسوخاً وثباتاً كما ازداد رسوخاً وثباتاً في السير على الصراط المستقيم. ومن نقص هداه يعني أنه انحرف عن  السير على الصراط المستقيم اعوجاجه عنه ًهو التحاق بالشيطان الذي هو السبب في نقصان الهدى والإعوجاج عن الصراط ونزع لباس التقوى كما أوضحته لنا قصة أبينا آدم وإبليس.

     فالصراط المستقيم كالذكر وكالحمد وكالعبادة والإستعانة بدايته "لا إله إلا الله " ثم توكيد "لا إله إلا الله" بالعمل بالأحكام والأوامر والنواهي باستمرار مع تكرار الذكر والحمد لله والتسبيح .  إذاً الموت هو نهاية صراط كل إنسان. أي أن طول الصراط المستقيم يختلف من إنسان إلى آخر. حيث يختلف طوله باختلاف طول عمر كل منهم.  وبالتالي يكون الصراط المستقيم هو: أولاً:  ذكر أو قول أي صيغة من الصيغ التي سبق ذكرها توكيداً لتوحيد الله وتكرارها باستمرار.

ثانياً:  إتباع لأوامر الله والانتهاء عن زواجره والتي تشمل العمل بالمحكمات وترك المتشابهات والهدي بقصص الأمم السابقة والأمثال المذكورة في الكتاب صبراً على كل ذلك في السراء والضراء وحين البأس. عليه نجد أن الهدى مترادف الصراط المستقيم وكلاهما مترادف الذكر والحمد والإيمان والاسلام والتقوى...الخ : والحديث التالي يعضد معنى الصراط المستقيم وهو:عن النواس بن سمعان،عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ضرب  الله مثلاً صراطاً مستقيماً، وعلي جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة وعلي الأبواب ستور مرخاة وعلي باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس أدخلوا الصراط جميعاً ولا تعوجوا وداع يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئاً من تلك الأبواب قال ويحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه، فالصراط الاسلام والسوران حدوده أي حدود الله والأبواب المفتحة محارم الله وذلك الداعي علي رأس الصراط كتاب الله والداعي من فوق الصراط واعظ  الله في قلب كل مسلم."  يؤكدون أن تكرار طلب الهداية وطلب الثبات على الصراط المستقيم المقصود منه : أولاً: توكيد وحدانية الله بأنه هو الهادي وهو المستعان وحده. ثانياً: تثبيت المؤمن على الهدى والاستقامة بتكرار طلبهما باستمرار من المولى عز وجل.

حكم طلب الهدى وطلب الصراط المستقيم وكيفيته

لقد توعد إبليس ربه بأنه سيغوي الناس أجمعين: {قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} 39 الحجر

ولكن الله سبحانه وتعالي قال له: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}42الحجر   

بذا يحتاج بنو آدم لهداية ربهم المستمرة لتحفظهم من اتباع إبليس فيثبتوا على توحيد  الله فيكونوا من عباده المخلصين. إذاً لابد من دعاء الله وطلب الاهتداء إلى هداه وإلى صراط عباده المخلصين. وبناءً على ذلك يكون حكم طلب الهدى فرض لأنه طلب لتثبيت المؤمن على طاعة الله وعدم إتباع إبليس. وبالتالي يكون طلب الهدى وطلب الثبات على الصراط المستقيم، هما توكيد وتثنية لتوحيد رب العزة بأنه الهادي وحده. إذاً طلب الثبات على الصراط المستقيم حكمه أيضاً فرض والله أعلم.  أما طريقة طلب الهدى فتتم بطرق مختلفة لطلب الهدى وطلب الثبات على الصراط المستقيم فمنها طرق غير مباشرة ومنها المباشرة وهي قول وعمل. أولاً  طلب الهدى بصورة غير مباشرة : هذا النوع توضحه الآيات التالية: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} 101 يوسف {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}}128 البقرة  ففي الآية 101 يوسف كان طلب سيدنا يوسف من ربه أن يميته مسلماً ويلحقه بالصالحين. فهو لم يطلب منه أن يميته مسلماً في تلك اللحظة وإنما طلب الثبات على الإسلام طيلة حياته وإلى أن يلتحق بالصالحين. وبالتالي كان طلبه للإهتداء المستمر والثبات على الصراط المستقيم بصورة غير مباشرة. أما الآية 128 البقرة فقد جاء فيها طلب سيدنا إبراهيم من ربه أن يجعله مسلماً وابنه سيدنا إسماعيل ومن ذريتهما أمة مسلمة . فهل يعني هذا الطلب أن سيدنا إبراهيم وابنه لم يكونا مسلمين؟  لقد كان سيدنا إبراهيم وابنه من أعظم الناس إسلاماً، ولكن طلب سيدنا إبراهيم كان للثبات على الاسلام. وقد استنتجنا أن الاسلام هو الهدى وهو الصراط المستقيم. إذاً طلب سيدنا إبراهيم كان للإستمساك هو وإبنه بالعروة الوثقى لا انفصام لها دائماً وأبداً. أي أن يكونا مهتدين وسائرين على الدرب المنشود إلى أن يلاقيا ربهما.

ثانياً الطلب بصورة مباشرة:  وهذا النوع توضحه الآية التالية: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} 8 آل عمران. وقد أوضح الحديث التالي صورة من صور الطريقة التي يتم بها طلب الهدى وهو:   عن معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال1 : " يا معاذ، والله إني لاأحبك" فقال : "أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: " اللهم أعني على ذكرك ، وشكرك، وحسن عبادتك".  فهذا الحديث يدل على عظمة هذه الكلمات. فمعاذ مؤمن وهو ذاكر وموحد أساساً بقول "لا إله إلا الله". وبالتالي أوصاه الرسول صلى الله عليه وسلم بالثبات عليها بتكرار الذكر والحمد والتوحيد"أي حسن العبادة بعدم الشرك" أبداً لأنهم المثبتات والمثنيات والمؤكدات لكلمة التوحيد "لا إله إلا الله".والله أعلم

المصدر الذي تطلب منه الهداية

 تطلب الهداية من الذي أنزل الهدي فهو الهادي وحده لا شريك له كما يلي:{الله لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}{نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ} 2-3 آل عمران فإنزال الهدى ورد في هذه الآية باسم الله الواحد الأحد الذي هو الحي القيوم . وبالتالي يمكن أن تطلب الهدى من الإله بأي من أسمائه الوتر كالاسم (الله) أو الشفع كالاسم (الحي القيوم). حيث جاء التنزيل بالاسم الوتر (الرحمن أيضاً) في الآية: {تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى} { الرحمن عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 4-5 طه وجاء التنزيل باسم شفع كالآتي: {تَنزِيلٌ مِّنَ الرحمن الرَّحِيمِ}2 فصلت  وفي الآية التالية كان مصدر التنزيل كما يلي: {تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ} 2 السجدة.  إن منزل الكتاب في الآية 2 السجدة هو الإله الواحد الأحد ولكن باسم المكانة رب العالمين . إذاً يمكن أن تطلب الهدايه من الإله الواحد الأحد باسم مكانته (رب العالمين) لأنه الهادي وحده الذي أنزل الهدى. كما جاء التنزيل من "الله العزيز الحكيم" وهو اسم للذات الإلهية مكون من ثلاثة أسماء كالاسم "الله الرحمن الرحيم " الذي ورد في الآية "بسم الله الرحمن الرحيم " ولهذا يمكن أن تطلب الهداية من الإله الواحد الأحد باسمه "الله العزيز الحكيم " أو بأي من أسمائه الثلاثية الأخرى

الفئات التي خصها الله بالهداية إلى الصراط المستقيم

    إن الهدى قد أنزل تارة للرسل وتارة للناس جميعاً وتارة أخرة للمؤمنين المتقين المحسنين. فهل هو نفس الهدى أم أنه مختلف باختلاف تللك الفئات ؟  لقد أوضحت السيدة عائشة رضي  الله عنها أن الهدى قد أنزل أولاً للرسول صلى الله عليه وسلم يعلمه ويهديه حتى كان خلقه القرآن. وما يعضد قولها هو أن الخطاب كان موجهاً له  في كثير من السور كسورتي المدثر والمزمل. ثم أنزل الله الكتاب ليهدي الناس جميعاً أولاً ليختار منهم المتقين المحسنين المؤمنين حقاً كما في الآية: {الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} 1 إبراهيم أما الآيات التالية فتوضح لنا الفئة الثالثة وهي فئة المؤمنين، المتقين، المحسنين، المسلمين: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}{والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} {أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} 2-5 البقرة{تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ}{هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ}{الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}{أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} 2-5 لقمان{طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ} {هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} 2-3النمل {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}       102 النحل.  هذه الآيات توضح أن الهدي قد جاء في آية للمتقين وفي آية ثانية للمحسنين وفي ثالثة للمؤمنين وفي أخرى للمسلمين. ولكن جاء تعريف كل منهم مطابق للآخر فاشتركوا جميعهم في التعريف التالي: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} إذاً هن أسماء صفات مترادفات لأنهن أسماء صفات لفئة الذين آمنوا وعملواالصالحات.                                           

 خامساً:  المقصود بالآية {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} ومعناها

    من تحليل الآيات يمكن استنتاج الآتي: أن كلمة اهدنا  تعني نسألك يا إلهنا "هداك" أي أن تهدنا للعمل وفق أحكامك ومنهجك. وبالتالي نستنتج أن في هذه الآية، كلمتين مستترتين وهما: اهدنا هداك وأهدنا الصراط المستقيم أي وجهنا وأرشدنا وثبتنا على اتباع هداك ووجهنا وأرشدنا وثبتنا على اتباع صراطك المستقيم، بناءً على الآية {قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}38 البقرة   عليه يكون المقصود بالآية هو التثنية والتوكيد لتوحيد الإله. وذلك بطلب الهدى منه وحده إيماناً بأنه لا هادي غيره. وبداخل الآية تثنية كما وجدت داخل آيات الفاتحة الأخر. حيث أن طلب الثبات على الصراط المستقيم يُثني ويُؤكد طلب الثبات على الهدى. وبالتالي يكون المقصود من الآية أيضاً تثنية معاني الآيات التي سبقتها. وبذلك يكون معنى الآية هو نفس معنى الآيات التي تقدمتها. وذلك يرجع لترادف معنى الذكر والحمد والعبادة والاستعانة والهدى والصراط المستقيم. فكلهم متفقون في المعنى ومختلفون في اللفظ.

سادساً: سبب نزول الآية بهذه الصور

     إن السبب هو جذب الناس إليها ليتساءلوا ويتمعنوا في معناها فينزل التفصيل إليهم تدريجياً. وهو سبب كاف لنزولها بهذه الصورة. وقد أظهر لنا التفصيل تثنية توحيد الإله بداخلها بطريقة تختلف عن طرق التثنية بداخل آيات الفاتحة الأخريات. حيث لم يتكرر الفعل اهدنا مرتين بصورة مباشرة. بالإضافة إلى أن طلب الهدى كان أمراً مستتراً قد أوضحه التفصيل، الأمر الذي يوضح معجزة القرآن اللغوية والله أعلم.

لقد فصل الله الآية " اهدنا الصراط المستقيم" في عدد أربعين سورة. وهي السور التي تبدأ بالخطاب بيا أيها النبي ويا أيها الناس و يا أيها الذين آمنوا فهي قد خاطبتهم بهذه الطريقة لتجذب انتباههم لما سيأتي من الأوامر والنواهي والتشريعات السماوية والتوحيد المطلق للخالق جل وعلا و الله أعلم من قبل ومن بعد

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر: بتول عثمان المهدي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 156 مشاهدة
نشرت فى 17 سبتمبر 2015 بواسطة Istinbat

عدد زيارات الموقع

8,594