<!--<!--<!--
كل دولة على الأرض لها أعداء ولكن الأعداء الداخليين أكثر وأخطر، والرد على العداوة لا يكون بالشكوى والبكاء، بل بمضاعفة الجهد في العمل وإتقانه حتى يتزايد النجاح والتوفيق، ويتزايد معه العداء والاستهداف، فإذا كان بناؤنا الأخلاقي والإداري متيناً لما تأثرنا بالمتغيرات الدولية، وإذا أنشأنا مؤسساتنا المالية الإسلامية بناءاً أخلاقياً إنسانياً لوفرنا الكسب الحلال وما احتجنا إلى الاستدانة والتعاملات الربوية.
إن بلادنا مليئة بالخير والمال، ولكن العملة النادرة أو الصعبة الحقيقية هي الأخلاق، ونحن ندعو أنفسنا جميعاً إلى التعامل الأخلاقي في العمل وفي التجارة وفي المال، فإن مكارم الأخلاق هي الأساس الوحيد لكل كسب، والله سبحانه عندما أراد أن ينعم على البشر بالإسلام، أنعم علينا بيقظة الضمير، والقرآن الكريم هو الذي تحيا به القلوب،وإذا صحت القلوب صحت الأجساد، والهداية ليست عقيدة فحسب، بل هي رأس مال وثروة وغنى، وأي عمل يقوم على مكارم الأخلاق لابد أن يكسب.
والديون سلاح من أسلحة الاحتلال، وأول ما ينبغي علينا عمله اليوم هو أن نوقف الديون، وأن نعلم الناس أننا إذا أنتجنا القمح الكافي لغذائنا في بلادنا فلن يكون ثمن رغيف العيش مرتفعاً، وإذا أتقنا عملنا في الأفران ما وقفنا طوابير طويلة للحصول عليه، وما ألقينا بنصف العيش المشترى في صناديق القمامة لأنها لا تصلح للأكل، ولوفرنا على أنفسنا آلاف الجنيهات التي تنفق على رغيف العيش وحده.
ولن تستطيع الدولة النهوض بالبلاد وحدها أبداً، فلابد أن يعمل الشعب معها، ولابد أن يعاقب المفسد الذي لا يتقن عمله لأن الرفق بالمفسد يزيده فساداً ويشجع الآخرين على الفساد.
كما أن بركة الله لا تحل أبدأً على بيت أصحابه مختلفون بعضهم مع بعض، وعند إنشاء مؤسسة إسلامية قائمة على مكارم الأخلاق لابد أن يحدد الهدف، والهدف الواحد الواضح يجمع القلوب والعقول، ويؤدي إلى نجاح المؤسسة، لأن عدم وضوح الهدف يجعلنا نتجادل لكي يثبت كل منا ذكاؤه وقدرته، ويتمسك كل منا برأيه حتى يصبح الأمر حرباً أهلية، وتضطر الدولة إلى التدخل لإيقاف المعركة.
الإنسان في النهاية يريد أن يملك الدنيا بين يديه، وقد أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من: ملك قوت يومه، بات معافاً في جسده، آمنا في سربه، فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها.
كل إنسان لابد له أن يملك قوت يومه، طعامه وشرابه، يحصل عليه بماله إن كان غنياً، أو بعمله إن كان قادراً على العمل فيأتي بالمال الذي يكفيه ويكفي أهله، أو بمساعدة الآخرين (تكافل اجتماعي) إن كان مريضاً أو ضعيفاً غير قادر على العمل، في النهاية يملك كل إنسان قوت يومه.
كل إنسان لابد أن يكون معافاً في جسده، ليستطيع أن يؤدي رسالته في هذه الحياة، فإذا مرض وجد مكاناً للاستشفاء، فإن كان غنياً سيعالج بماله، وإن كان فقيراً وجد مستشفى تعالج من لا مال له، وجد مستشفى تتعامل مع المرضى بإنسانية الأطباء وحرصهم على مرضاهم، وجد مستشفي لا يقف فيها طابوراً حتى يأتي دوره للعلاج المجاني، وجد مستشفى إنسانية صحية لا يدخلها بمرض فيخرج منها بعدة أمراض، وقد وجدنا في تاريخنا الإسلامي كيف كانت المستشفيات الإسلامية المجانية التي يعمل بها أمهر أطباء العالم الحريصين كل الحرص على مرضاهم، الباذلين كل الجهد ليخرج المريض معافاً في جسده.
كل إنسان لابد أن يكون آمناً في سربه، آمناً في بيت يأويه من حر الصيف وبرد الشتاء، آمنا في بيت يحميه من اللصوص والمتسولين، آمناً في بيت لا يطرق بابه ليلاً من لا يعرفون كلام الله "وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم"، يكون هذا البيت قصراً أو بيتاً من زخرف أو بيتاً من الطين، ، يكون له بيت تدخله الشمس حتى لا يحتاج إلى طبيب، يكون له بيت ينظر من خلاله فيرى السماء بروعتها وجمالها فتمتلئ نفسه بشراً وتفاؤلاً بيوم جديد، يرى من خلاله لون الشجر الأخضر والزهور بألوانها وروعتها تسبح بعظمة خالقها فتعتاد نفسه وعينه على الجمال ويتمنى أن ينعم بهذا الجمال كل البشر.
بيت إذا ضاقت نفس الإنسان نظر من خلاله إلى السماء فتذكر الخالق سبحانه وتعالى فعلم أنه له رباً يجيبه إذا دعاه، بيت إذا قابلته مشكلة نظر من خلاله إلى الأرض فوجد نبتة صغيرة تخرج من طين الأرض تتجه ببصرها لضوء الشمس لأنها تعلم أن فيه حياتها، تعلمه أن هذا الكون كله سخره الله له، أفلا يكون مثل تلك النبتة التي تبحث عن مصادر القوة من حولها لتستفيد منها وتفيد الآخرين بجمالها وثمارها، ألم يسخر الله له عقلاً يفوق عقلها، فكل مشكلة تهون بهذا العقل وهذا القلب.
يتمنى كل إنسان أن يكون له بيت مليء بالحب والود والرحمة بين أفراده، زوج يحب زوجته ويحميها ويكون في خدمة أهله كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يرعاها حين تكون في حاجة إلى رعاية، زوجة محبة لزوجها تحفظه في ماله وشرفه وترعى له أبناءه، آباء يحبون أبناءهم ويعلمونهم حب الخير والعلم ومكارم الأخلاق، يعلمون أبناءهم الثقة في أنفسهم بثقتهم فيهم، يعلمونهم التحدث بحرية وعرض آرائهم بحرية والاستماع إليهم واستشارتهم في بعض الأمور، آباء وأمهات يعلمون أبناءهم أنهم هم قادة الغد، ولن تقوم الأمة إلا بهم، يعلمونهم الاعتماد على أنفسهم ويتعاونون جميعاً في شئون البيت الجميل الذي يحتويهم، كل على قدر طاقته، هذه البيوت الجميلة تقدم للمجتمع أُسراً مترابطة متحابة متعاونة وبها تتقدم المجتمعات الإنسانية وترقى، المهم أن يكون هناك بيت يكون فيه الإنسان آمناً في سربه.
فإذا ما ملك الإنسان قوت يومه، بات معافاً في جسده، آمناً في سربه، فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها، ساعتها سيبدأ هذا الإنسان في استخراج خيرات الأرض من كنوز وزروع وثمار وأسماك تكفي البشرية غذاءها، سيبدأ هذا الإنسان في استخراج خيرات عقله بالابتكار والإبداع والاختراع الذي يجعل العالم كله يسكن قصوراً شاهقة، سيبدأ هذا الإنسان في استخراج خيرات قلبه من حب وخير وتفاؤل في مستقبل أفضل وأجمل لكل البشر.
مهندسة / سحر زكي