يسود الاعتقاد بين الكثيرين من المواطنين في مصر وفي العالم العربي بان الآثار السلوكية السيئة أي غير التوافقية للحشيش ليست سوى آثار عابره بمعنى أنها تنتهي تماما بعد التعاطي ببضع ساعات وهذا خطأ شديد يزيد من انتشار هذا المخدر ومن المؤسف حقاً أن مجموعة الملابسات التاريخية التي أحاطت بانتشار تعاطي الحشيش في أوروبا أو امريكا الشمالية بدأ من أواسط الستينيات في هذا القرن تحت اسم الماريجوانا وطوال السبعينيات ساعدت على انتشار اعتقاد مماثل أيضاً في ذلك الجزء من العالم وانتشرت حينئذٍ كتابات كثيرة تروج لهذا الاعتقاد بشكل مباشر وبشكل غير مباشر ولكن مع تقدم الثمانينيات بدأت هذه الموجه من الكتابات في الانحسار التدريجي وأخذت الكتابات الأكثر التزاما بالموضوعية العلمية تظهر بأعداد متزايدة.
ومن الجدير بالذكر أن العنصر الفعال في الحشيش) القنب) المسئول عما يحدثه من تأثيرات تخديريه في الوظائف النفسية عند متعاطية مهما اختلفت فصائله هو دلتا 9 تتراهيدروكنابينول وأن الفرق الرئيسي بين أنواع الحشيش) القنب (أو أسماء مختلفة الذي يتسمى بها في البلدات المختلفة كالحشيش، والماريجوانا والكيف والبانجو والجانجا الكاراس إنما هو في درجة تركيز العنصر الفعال في العينات الممثلة لهذا النوع أو ذاك.
الاضطرابات السيكياترية العامة:
حتى منتصف الخمسينيات من القرن الحالي كان الأطباء النفسيون في مصر يصنفون بعض مرضاهم الذهانين تحت فئة ذهان الحشيش" و كذلك كان الحال في المغرب ولكن سرعان ما ألقيت ظلال من الشك على القيمة العلمية لهذا التشخيص لكن هذا لا ينفي أن الملاحظات الإكلينيكية ظلت تتواتر عن وجود اقت ا رن بدرجه ما بين التعاطي طويل الأمد للقنب وظهور اعراض مرضيه نفسيه في نسبه من هؤلاء المتعاطين المزمنين وقد اجري العالم أندرسون وآخرون في السويد بحثا وبائيا وذلك من خلال متابعه ألف شاب من المجندين السويديين لمدة خمسة عشر عاما متتالية وذلك لاستكشاف العلاقة بين التعاطي المكثف للقنب واحتمالات ترسيب مرض الفصام.
وقد تبين للباحثين أن نسبه الإصابة بالفصام بين هؤلاء المتعاطين تزيد ست مرات على النسبة المناظرة بين غير المتعاطين مما يقطع بوجود اقتران بين التعاطي المكثف والإصابة بالفصام والخلاصة أنه لم يقم دليل يوثق به على سلامه استخدام بطاقة تشخيصيه باسم " ذهان الحشيش "، ولكن توالت الأدلة الميدانية على وجود اقتران بين التعاطي المكثف للحشيش وظهور اضطرابات سيكياترية وأخطارها ترسب مرض الفصام في بعض الحالات يولد التصعيد من تعاطي الحشيش إلى تعاطي المخدرات أقوى منه.
في السياق الراهن لابد من الإشارة إلى ما يلاحظ أحيانا من أن بعض متعاطي الحشيش وخاصة في حالات التعاطي المكثف يتجهون إلى تعاطي مخدرات أخرى أقوى من الحشيش غالبا على سبيل الإضافة إلى الحشيش الذي يستمرون في تعاطيه وأحيانا على سبيل الإحلال ونقصد هنا مفهوم المخدر الأقوى المخدر الذي له قبضه إدمانيه على المدمن أقوى من قبضه الحشيش ويبدو ذلك بوجه خاص في شدة أعراض الانسحاب ونشير هنا بوجه خاص إلى التصعيد الذي تقدم عليه نسبه معينه من متعاطي الحشيش إذ يصعدون ممارستهم إلى تعاطي الأفيون (فيزيولوجياً (فيتجه نحو زيادة جرعة ماده محدثة للإدمان بهدف الحصول على نفس الأثر الذي أمكن تحصيله من قبل بجرعةٍ أقل ومعنى ذلك ومن اللافت للانتباه أن بعض متعاطي الحشيش يصل بهم الأمر بعد بضع سنوات من بدء التعاطي إلى أن زيادة جرعة الحشيش تعجز عن تحقيق مطلبهم التخديري مما يدفعهم إلى تجاوزه إلى مخدر أقوى.
هذا عن التفسير القائم على أسس فارماكولوجيه أما التفسير الاجتماعي فخلاصته أن هذا التصعيد يأتي نتيجة طبيعية لاتصال متعاطي الحشيش بعالم الاتجار غير المشروع إذ لا سبيل أمامه للحصول على الحشيش إلا من خلال قنوات الاتصال تصله في نهاية الأمر مهما طالت وتعدد الوسطاء فيها بعالم الاتجار غير المشروع حيث يجري التعامل في الحشيش وغيره من المخدرات كالأفيون والمورفين والهيروين حيث تتضافر قوى السوق على محاوله الترويج للمخدرات الأعلى ثمناً لكي تدر على البائع ربحا أعلى كما أن اتصاله بهذه القنوات يعرضه للاتصال بكثير من المتعاطين الذين يتعاطون مخد ا رت أخرى غير الحشيش والذين لا يكفون أبداً عن محاولات الاغراءات لكل من لا يتعاط المخدر الذي يدمنونه. والمحصلة النهائية لهذه المؤثرات جميعا هي انتقال نسبه ممن كانوا يقتصرون على تعاطي الحشيش إلى تعاطي المخدرات الافيونية.