عوامل نجاح الثورة المصرية

للدكتور : راغب السرجاني 

لم أكن أتخيل أن هناك هذا اللون من السعادة الجماعية التي رأيتها عند سماع المصريين وغيرهم من أحرار العالم نبأ رحيل الطاغية مبارك.. لقد رأيت في ميدان التحرير وفي شوارع مصر عيون الناس وأفئدتهم وأصواتهم كلها تنطق بسعادة عجيبة لم أعهدها مطلقًا.. بل رأيت على شاشات التلفزيون نفس مظاهر السعادة في معظم البلاد العربية، وفي كثير من بلدان العالم الغربي..

لقد كان أمرًا مفرحًا حقًّا.. 

وإذا كانت هذه الفرحة قد دخلت قلوبنا جميعًا، فإننا يجب أن نقف وقفة ونقدِّم الشكر الواجب لكل من أسهم في إدخال هذه الفرحة في قلوبنا..  

أولاً: الشكر والحمد والثناء والتبجيل لله رب العالمين:

اللهم يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك.. لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد بعد الرضا، ولك الحمد أبدًا أبدًا..

لك الحمد ملء السموات والأرض وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد.. أنزلت علينا نصرك، ودافعت عنا بجندك، وأكرمتنا بلطفك..  

أنت الكريم.. أنت العظيم.. أنت الجليل 

بيضت وجوهنا، وأثلجت صدورنا، وسكَّنت قلوبنا.. ونوَّرت بصائرنا.. 

الأمر كله لك، والفضل كله لك، والحمد كله لك.. 

ما فعلنا شيئًا إلا بإذنك وتقديرك، وما حققنا نجاحًا إلا ببركتك وتوفيقك، وما ثبتنا حين مكر بنا الطغاة إلا بفضلك وتثبيتك..

فعلِّمنا يا ربنا كيف نشكرك، وكيف نلجأ إليك، وكيف نتوكل عليك؛ فنحن بك أقوى من الدنيا جميعًا، ونحن بدونك لا شيء..

ثم بعد شكر الله ، نتلمس في قول رسولنا : "مَنْ لاَ يَشْكُرِ النَّاسَ لاَ يَشْكُرِ اللَّهَ"، ما يُلزمنا بتقديم الشكر -بعد الله- لكل من أسهم في فرحتنا هذه.

ثانيًا: الشكر لشعب مصر الأصيل:

كثيرًا ما ظن الناس أنك قد صرت على هامش التاريخ، أو مت موتًا لا بعث له، لكنك أثبت أن هذه الظنون خاطئة، وأن هذه التوقعات بعيدة كل البعد عن الحقيقة.. 

الشكر للشباب الذين أشعلوا هذه الشرارة المباركة، والذين شاركوا في اللجان الشعبية الكثيفة التي قامت بدور الشرطة الغائبة.. 

والشكر لكل من رفع يده للسماء يدعو الله أن يثبت أهل الحق، ويزلزل أهل الباطل، وأن ييسر لهذه الأمة أمر خير ورشد.. 

حقًّا.. الشكر كل الشكر.. لكم يا شعب مصر العظيم.

 

ثالثًا: الشكر للقوى الوطنية الفعالة:

رابعًا: الشكر للأبطال الشهداء: 

ليست هناك ثورة حقيقية بلا شهداء، وكم سعدت برؤية شباب مصريين يُقبِلون على الموت بهذه الشجاعة! وقد أيقنت عندها أن الدور الملقى على عاتق مصر كبير للغاية. وأيقنت أيضًا أن هذه الروح الشجاعة ستكون بإذن الله سببًا في تحرير مصر من الفساد والظلم، وتحرير العالم الإسلامي من كافة المحتلين في فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان وغيرها، وليس ذلك على الله بعزيز. 

فهنيئًا لكم أيها الشهداء, وهنيئًا لآبائكم وأمهاتكم وإخوانكم وأخواتكم، فأنتم ستشفعون لهم جميعًا بإذن الله تعالى, وأسأل الله أن يرضيكم في قبوركم ويوم بعثكم، كما أرضيتم مصر كلها بجهادكم.  

خامسًا: الشكر للعلماء الذين أيدوا الثورة وباركوها:

كانت أسعد لحظات حياتي

تلك الساعات التي أقضيها في ميدان التحرير.. لقد كنت أشعر أن الناس هناك مختلفون عن الناس في أي بقعة أخرى من مصر, وكنت أشعر أن ما تعلمته في الكتب على مدار السنين لا يبلغ معشار ما تعلمته في ميدان التحرير, ولقد كانت فرحتي غامرة عندما أرى الشباب يحيطون بي، يسألونني جميعًا بشغف وقلق: يا دكتور، ألسنا على الحق؟ فأطمئنهم وأثني عليهم وأبشِّرهم, وكانت أسئلتهم القلقة هذه تسعدني؛ لأنني أدركت أنهم يبحثون عن رضا الله, ومن كانت هذه حاله فالخير سيكون على يديه بإذن الله.  

ومع ذلك فقد كنت أنا شخصيًّا أحتاج إلى تأييد وتثبيت من الله , وهذا يكون على أيدي العلماء المخلصين، فكنتُ أسعد كثيرًا بسماع آراء من أثق في دينهم وعلمهم يؤيِّدون حركتنا, ويشدون على أيدينا..  

ويأتي في مقدمة هؤلاء -بلا جدال- العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، الذي كان واضحًا تمام الوضوح من اليوم الأول للثورة, والذي كانت كلماته تزرع اليقين في قلوب الثوار جميعًا.  

أما في ميدان التحرير فكنت أسعد كل يوم برؤية رموز دعوية بارزة تقف مع الشباب في كل موضع.. تخطب وتهتف وتعلِّم وترشد.. وفي مقدمتهم أخي وحبيبي وصديقي الدكتور صفوت حجازي, وكذلك المستشار القدير محمد سليم العوا, والشيخ الأستاذ حازم صلاح أبو إسماعيل, والشيخ الجليل أحمد هليل، وأستاذنا الدكتور جمال عبد الهادي, وحبيبي ورفيقي الدكتور العالم صلاح سلطان, والشيخ المجاهد الكبير حافظ سلامة, والشيخ الجليل الدكتور محمد عبد المقصود, وكذلك الشيخ العالم نشأت أحمد، وغيرهم من رموز العلم والدعوة, وأعتذر بشدة لو سقط اسم من العلماء الكرام لم يتم ذكره.  

إن اتفاق هذه الكوكبة من العلماء والدعاة كان أمرًا رائعًا حقًّا, وأعاد إلى أذهاننا صورة العالم العامل الناصح المجاهد، وكان هذا من أكبر صور الدعم للثورة.

سادسًا: الشكر للقوات المسلحة المصرية:  

حفظ الله جيش مصر, وسدد رميته, وجعله مدافعًا عن الحق والعدل والكرامة.

نعم، أشكر الجيش المصري كثيرًا, وإن كان هذا لا يمنعني من التعليق على عدم رضائي على سكوت الجيش على مجزرة يوم الأربعاء 2 فبراير 2011م, حيث التزم الحياد -كما صرح بذلك قادته- حتى لا يُتهم بالانحياز إلى أحد الفريقين!

سابعًا: الشكر لشعب تونس العظيم:

أكاد أجزم أن الله قد جعل شعب تونس العظيم سببًا مباشرًا في نجاح الثورة المصرية، ومن هنا وجب تقديم الشكر للشعب التونسي المناضل الذي سار الشعب المصري في ركابه، وعرف المصريون أن التغيير ممكن، وأن التوحُّد على هدف واحد يجعل تحقيقه أمرًا قريبًا بإذن الله، وهذا ما جعل الأمل لا يموت في قلوب الثائرين حتى عند اللحظات المظلمة التي كانوا يتعرضون فيها للضغط الشديد من النظام الفاسد.

 ثامنًا: الشكر لكل الشعوب العربية والإسلامية وكذلك الشعوب العالمية الحرة:

كان من أروع المشاهد التي شاهدتها على شاشات الفضائيات مسيرات التأييد للثورة، والتي رأيناها في معظم العواصم العربية والإسلامية والأوربية والأمريكية، وكان اللافت للنظر أن المشاركين في هذه المسيرات لم يكونوا مصريين فقط، إنما كانوا من كل الجنسيات العربية والإسلامية، بل شارك فيها أوربيون وأمريكيون غير مسلمين؛ مما يدل على روعة التجانس الإنساني في قضايا العدل والحق. ومن ثَم وجب تقديم الشكر لكل هؤلاء الأحرار، ولقد رأيناهم يوزعون الحلوى والمشروبات عند نجاح الثورة المصرية في مشهد أبكاني كثيرًا، وجعلني أدرك أن الأمل في حياة كريمة على كوكب الأرض لا يمكن أن يموت.

تاسعًا: الشكر للقنوات الفضائية الإيجابية:

أسهمت بعض القنوات الفضائية بشكل مباشر في نجاح الثورة المصرية، ويأتي في مقدمتهم بلا جدال قناة الجزيرة، التي بذلت جهدًا خارقًا في نقل الصورة من داخل ميدان التحرير وغيره من الأماكن المشتعلة بالثورة، إضافة إلى التحليلات الكثيرة المفيدة والحوارات الناجحة.. بل إنها صارت في وقت انقطاع الإنترنت والاتصالات في مصر وسيلة التواصل بين المتظاهرين هنا وهناك، وكان تعاونها لافتًا لكل نظر.

عاشرًا: الشكر لرموز كثيرة خاطرت بمركزها من أجل إنجاح الثورة:

لا ينبغي أن يغيب عنا أن هناك العديد من المصريين الذين يعيشون حياة مستقرة في ظل النظام القديم، ومع ذلك فقد قاموا يؤيدون الثورة ويدافعون عنها؛ مما يعرضهم لخسارة كبيرة في حال فشل الثورة، لكن اتّباع الحق كان واضحًا في سلوكهم؛ مما يجعلنا نوجه لهم الشكر الجزيل على هذا الأمر، وهم رموز كثيرة يصعب حصرها في هذا المقال، منها رموز سياسية، ومنها رموز اقتصادية، ومنها رموز رياضية وفنية، ومنها رموز إعلامية، ومنها رموز دينية.. فجزاهم الله خيرًا كثيرًا، وأسأله I أن يجعل عملهم خالصًا لله..

تلك عشرة كاملة! 

 ولله الحمد في الأولي والآخرة

المصدر: مقال للدكتور : راغب السرجاني
HOMMOD

محمد الرطيل .. خطاط ورسام شمال سيناء - العريش للتواصل : 01091671440

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
14 تصويتات / 966 مشاهدة
نشرت فى 25 مارس 2011 بواسطة HOMMOD

ساحة النقاش

محمد زكريا حمدان الرطيل

HOMMOD
الخط العربي هو الهواية المفضلة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

373,871