<!--<!--<!--

اتى شابّان إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان في المجلس وهما يقودان رجلاً من البادية فأوقفوه أمامه
‏قال عمر: ما هذا
‏قالوا : يا أمير المؤمنين ، هذا قتل أبانا
‏قال: أقتلت أباهم ؟
‏قال: نعم قتلته !
‏قال : كيف قتلتَه ؟
‏قال : دخل بجمله في أرضي ، فزجرته ، فلم ينزجر، فأرسلت عليه ‏حجراً ، وقع على رأسه فمات...
‏قال عمر : القصاص ....الإعدام ..

‏قال الرجل : يا أمير المؤمنين : أسألك بالذي قامت به السماوات والأرض ‏أن تتركني ليلة ، لأذهب إلى زوجتي وأطفالي في البادية ، فأُخبِرُهم ‏بأنك ‏سوف تقتلني ، ثم أعود إليك ، والله ليسلهم عائل إلا الله ثم أنا
قال عمر : من يكفلك أن تذهب إلى البادية ، ثم تعود إليَّ؟
‏فسكت الناس جميعا ً، فسكت الصحابة ، وعمر مُتأثر ، لأنه ‏وقع في حيرة ، هل يُقدم فيقتل هذا الرجل ، وأطفاله يموتون جوعاً هناك أو يتركه فيذهب بلا كفالة ، فيضيع دم المقتول ، وسكت الناس ، ونكّس عمر ‏رأسه ، والتفت إلى الشابين : أتعفوان عنه ؟
‏قالا : لا ، من قتل أبانا لا بد أن يُقتل يا أميرالمؤمنين..
‏قال عمر : من يكفل هذا أيها الناس ؟!!
‏فقام أبو ذر الغفاريّ بشيبته وزهده ، وصدقه ،وقال:
‏يا أمير المؤمنين ، أنا أكفله
‏قال عمر : هو قَتْل ، قال : ولو كان قاتلا!
‏قال: أتعرفه ؟
‏قال: ما أعرفه ، قال : كيف تكفله ؟
‏قال: رأيت فيه سِمات المؤمنين ، فعلمت أنه لا يكذب ، وسيأتي إن شاء‏الله
‏قال عمر : يا أبا ذرّ ، أتظن أنه لو تأخر بعد ثلاث أني تاركك!
‏قال: الله المستعان يا أمير المؤمنين ....
‏فذهب الرجل ، وأعطاه عمر ثلاث ليال ٍ، يُهيئ فيها نفسه، ويُودع ‏أطفاله وأهله ، وينظر في أمرهم بعده ،ثم يأتي ، ليقتص منه لأنه قتل ....
‏وبعد ثلاث ليالٍ لم ينسى عمر الموعد ، يَعُدّ الأيام عداً ، وفي العصر‏نادى ‏في المدينة : الصلاة جامعة ، فجاء الشابان ، واجتمع الناس ، وأتى أبو ‏ذر ‏وجلس أمام عمر ، قال عمر: أين الرجل ؟ قال : ما أدري يا أمير المؤمنين!
‏وتلفَّت أبو ذر إلى الشمس ، وكأنها تمر سريعة على غير عادتها ، وسكت‏الصحابة واجمين ، عليهم من التأثر مالا يعلمه إلا الله.
‏وقبل الغروب بلحظات ، وإذا بالرجل يأتي ، فكبّر عمر ،وكبّر المسلمون‏ معه
‏فقال عمر : أيها الرجل أما إنك لو بقيت في باديتك ، ما شعرنا بك ‏وما عرفنا مكانك !!
‏قال: يا أمير المؤمنين ، والله ما عليَّ منك ولكن عليَّ من الذي يعلم السرَّ وأخفى !! ها أنا يا أمير المؤمنين ، تركت أطفالي كفراخ‏ الطير لا ماء ولا شجر في البادية ،وجئتُ لأُقتل..
‏فوقف عمر وقال للشابين : ماذا تريان؟
‏قالا وهما يبكيان : عفونا عنه يا أمير المؤمنين لصدقه..
‏قال عمر : الله أكبر ، ودموعه تسيل على لحيته ....

عند التأمل والتدبر في هذه الواقعة نستخلص منها الكثير من المبادئ الاخلاقية السامية منها :

1- صدق الرجل (القاتل) حينما سأله الفاروق

 هل قتلته : (نعم قتلته) اجاب بدون مراوغة .

 كيف قتلته : سرد الحادثة بمنتهى الوضوح .

 

2- الحسم في اتخاذ القرار الذي يتعلق بحدود الله ( القصاص)

 فلم يسأل سيدنا عمر من هو القاتل وماهو مركزه الاجتماعي او المادي او سلطاته او قريب من الاشراف ، فلا شفاعة في حدود الله.

 

3- مبدأ الرحمة لا يتنافي مع إقامة حدود الله عندما استشعر سيدنا عمر بأن هذا الرجل ذو مسئوليه ( اطفال واسرة ) سأل اصحاب الحق : هل تعفو ؟ فأجابوا : بالنفي ، وهذا حقهم حسب شرع الله ، ولم يمارس الخليفة عمر عليهم اي ضغوط.

 

4- ابا ذر الغفاري يضرب لنا درس أخر في الاخلاق السامية يتلخص في ( من فك كربة عن اخيه فك الله له كربه من كرب يوم القيامة)(ومن مشي في حاجة اخيه مشي الله له في حاجته) ماهذه الشهامة والرجوله بدون اي ضمانات ، إنه لا يعرف اسمه ، ولا خيمته ، ولا داره ‏ولا قبيلته ولا منزله ، فكيف يكفله انها وقفة قد تؤدي بحياته الى الهلاك لان سيدنا عمر بن الخطاب لايحابي احد في الدين ولا في الحدود الربانية حتى وان كان القاتل ابنه، هذا برغم حبه الشديد لابا ذر الغفاري ، ولكن الصحابي ابا ذر استعان بالله في فعل لوجه الله تعالى فأعانه الله على ذلك .

 

5- العجيب أيضا في التزام الرجل (القاتل) بوفائه بالوعد وحضوره ليقتص منه ويقتل ، يترك قبيلته واطفاله وبيته ليذهب ليقتل ، فهو اراد ان يقيم حدود الله حتى على نفسه ، واراد ان يتصرف تصرف الرجال فى الوفاء بالوعود وترك اطفاله في رعاية الله سبحانه وتعالى .

 

6- موقف ابناء القتيل وتأثرهم بصدق الرجل ولم يتركوا الانتقام والثأر لوالدهم ان يتملك منهم واستبدلوا ذلك بقوة العفو عند المقدرة .

 

7- الانسان عندما يغضب قد يفقد الكثير من الفوائد التى تعود عليه وعلى المحيطين به بل ربما على المجتمع بأكمله ، ان هذان الشابان تمسكوا بحقهم في بادئ الامر في القصاص من الرجل ولكن بعد مهله الثلاث ايام التي اتخذوها حتى يدبر الرجل( القاتل ) امر اولاده ، ساعدت هذه المهلة الشابان في هدوئهما الى حد قبول مبدأ العفو عن الرجل واستيعاب صدقه وتأثرهم بوفائه بالوعد ، وهذا بالتأكيد عاد بالنفع عليهم اولا فإن هم عفوا عنه فهم بشر فكيف بعفو الله العفو الكبير فلهم اجر ذلك من الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخره ،، وعاد بالنفع أيضا على أبناء الرجل بأن حفظ لهم اباهم مصدر رزقم ورعايتهم ، وعاد على المجتمع الاسلامي بأجمعه لترسيخ المبادئ الاسلامية الانسانية الاخلاقية حتى نذكرها الى يومنا هذا ونتعلم منهم جميعم كيف تكون أخلاق المسلم الحق ، كيف تكون أخلاق البشر

هذه ليس مجرد قصة لسرد سير الصحابة ، وليس بدرس ديني ، بل ان هذه هي التنمية البشرية التى هي علم مستمد من العلم الاصلي (العلم الاسلامي القرآني ) ، التنمية البشرية التي تدرب البشر كيف تفجر طاقات الخير داخلك وتنميها وتتغلب على ضعفك فاتحوله الى قوة .

كيف تتحكم في عقلك لاصدار قرارات واحكام سليمة على الامور؟

 وتتحكم في قلبك ليحب قرارات العقل السليمة؟

 وتتحكم في جوارحك التى تنفذ مااتفق عليه العقل وأحبه القلب؟

فما نستطيع ترجمته من مبادئ التنمية البشرية  من هذه القصة الواحدة  كثيرة ولاتعد

انتظروهـــا قريبـــــاً

[email protected]

 

المصدر: قراءات متعددة وتأملات شخصية

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

15,081