د. عصام عبد الشافي

مع تصاعد الضغوط السياسية التي تتعرض لها جماعة الإخوان المسلمين، منذ ثورة 25 يناير 2011، وقبل أن تصل الجماعة إلى سدة الحكم بعد فوز جناحها السياسي، حزب الحرية والعدالة في الانتخابات البرلمانية 2011، وفوز مرشحها الدكتور محمد مرسي في انتخابات الرئاسة 2012، ونالها ما نالها من هجوم ومحاولات تشويه، ونشر شائعات واتهامات، معظمها كان مغلوطاً وغير دقيق، حتى جاء الانقلاب العسكري الذي شهدته مصر في الثالث من يوليو 2013، ليشكل بداية لمرحلة من الوحشية والدموية في مواجهة الجماعة، سواء عبر قتل نحو 10 آلاف من أنصارها أو اعتقال نحو 40 ألفاً من المؤيدين لها، وصدور آلاف الأحكام القضائية المسيسة بحق قادتها ورموزها، وصدور أحكام إدارية بحل حزبها السياسي، وكذلك صدور قرار حكومي باعتبارها جماعة إرهابية.

وامتدت نيران الحملة الشرسة التي يشنها حكام مصر من العسكر بعد الانقلاب ضد الجماعة إلى عدد من دول الجوار الجغرافي لمصر، كما في ليبيا والسودان، بل وملاحقة الجماعة في العديد من دول العالم منها على سبيل المثال لا الحصر، السعودية، الإمارات، قطر، الكويت، سوريا، الأردن، تركيا، بريطانيا. تحت فزاعة كبيرة رفعها قائد الانقلاب العسكرى هي "محاربة الإرهاب"، والتي ما جاء إلا للقيام بهذه المهمة في هذه المرحلة التاريخية التي تمر بها المنقطة العربية.

ومع اشتداد وطأة هذه الأزمة بل الكارثة التي تواجه الجماعة، طرح البعض بديل "حل الجماعة" مبررين هذا الطرح بالعديد من المبررات لعل في مقدمتها، من وجهة نظر مؤيدي هذا الطرح:

أولاً: أن الجماعة فشلت في انتهاز الفرصة التي أتيحت لها بعد ثورة يناير في تقديم نموذج إسلامي مستير للحكم، رغم ما تمتلكه من خبرة سياسية تمتد لأكثر من ثمانية عقود منذ تأسيسها عام 1928 وحتى الآن، وهو ما ظهر واضحاً في نقص الخبرات والكفاءات والقيادات القادرة على إدارة تحديات المرحلة الانتقالية في مصر، وهو ما سمح لخصومها النيل منها وتشويه صورتها، وهو ما ظهر جلياً في معدلات الشعبية التي تتمتع بها والتي انخفضت بشكل كبير في نهاية العام الأول من حكم الدكتور محمد مرسي.

ثانياً: أن الجماعة رغم أنها تمثل العمود الفقرى لمواجهة الانقلات العسكري، وتحالف دعم الشرعية، الذي تأسسس دفاعاً عن شرعية دستور 2012، وشرعية الدكتور محمد مرسي، والحفاظ على مبادئ ثورة يناير، فإنها لم تنجح في تحقيق نجاحات حقيقية في هذه المواجهة، بل على العكس من ذلك تزداد السلطة العسكرية التي تشكلت بعد الانقلاب ترسخاً وثبوتاً وتفرض مزيد من هيمنتها على مقدرات الدولة والمجتمع حتى ولو كانت هذه الهيمنة عبر آلتها الأمنية والقمعية. ويرد أنصار هذه الرؤية عدم نجاح الجماعة إلى العديد من الاعتبارات منها شيخوخة القيادة، وتقليدية السياسات وعدم ثورية القرارات، وهيمنة النظرة التنظيمية على إدارتها للمشهد في مواجهة الانقلاب، وعدم مراعاتها للمتغير الجديد المتمثل في تصاعد دور الشباب في الحراك الثوري الميداني وتحجيم هذا الدور عبر قرارات وإجراءات وممارسات تنظيمية في معظمها.

ثالثاً، المبرر الثالث الذي يقدمه أنصار هذا الطرح ومؤيدو حل جماعة الإخوان المسلمين، أن حل الجماعة يُجنب قادتها والمحسوبين عليها والمنتمين بها الملاحقات الداخلية والخارجية، ويسقط الحجة التي يتذرع بها قادة الانقلاب في التوسع في استخدام القمع والقهر، ويحرمهم من مبررات المواجهة، لأنه لم يعد هناك جماعة، بالأساس تحمل هذا الاسم.

رابعاً، أن بديل حل الجماعة يمكن أن يكون وسيلة لأخذ إستراحة محارب وبالتالي لإعادة البناء ومراجعة الرؤي والمرجعيات والهياكل والتنظيمات وكذلك الممارسات والإجراءات، والاستفادة في ذلك من تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا، والذي تعرض للعديد من الأزمات والحل أكثر من مرة خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، ثم عاد قوياً ليهيمن على الحياة السياسية في تركيا منذ عام 2002 وحتى الآن ويحقق من الإنجازات ما يشبه المعجزة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تركيا.

هذا عن حجج أنصار فكرة "حل الجماعة" والداعين لها والمروجين لها، فماذا عن تبعات وتداعيات مثل هذه الفكرة حال تطبيقها، أو بصيغة أخري ماذا عن حجج أنصار استمرار الجماعة مع إعادة هيكلتها فكرياً وسياسياً وتنظيمياً؟

المبرر الأول، أن إعلان الحل من شأنه أن يؤدى لأزمة فكرية شديدة بين أبناء الجماعة وأنصارها والذين تربوا على مبادئ وقيم الجماعة عبر ثمانية عقود، وإعلان الحل يعني بالنسبة لهم عجزا وعدم قدرة على إدارة الأزمة التي تتعرض لها الجماعة منذ الانقلاب العسكرى وحتى الآن.

المبرر الثاني، أن إعلان الحل سيعطي الفرصة لقادة الإنقلاب وآلته الإعلامية لمزيد من الحشد والتعبئة ضد الجماعة وتاريخها، والاستمرار في سياساتهم الاقصائية الاستبدادية، في ظل وجود قضاء مسيس ودولة عميقة متواطئة ضد ثورة يناير والمدافعين عنها، وفي مقدمتهم الإخوان المسلمين.

المبرر الثالث،  أنه إذا كان من بين أهداف "أطروحة الحل" وقف الهجمة الشرسة التي يتعرض لها أبناء الجماعة وأنصارها من جانب قادة الانقلاب ومؤيديه، فإنه لا توجد ضمانات حقيقية لذلك أمام هيمنة الأجهزة الأمنية على مقدرات الدولة السياسية والاقتصادية والإعلامية، واستغلالها في الإطاحة بمعارضيها، وخاصة مع وجود بيئة دولية وإقليمية حاضنة وداعمة للانقلاب العسكرى وقادته، وتستخدمه كأداة لتنفيذ أجنداتها في المنطقة.

المبرر الرابع، أن الجماعة لا تمارس فقط عملاً سياسياً، ولا تسعي فقط لأداء دور سياسي، ولكنها عبر تاريخها تمارس العديد من الأدوار الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والصحية والخدمية والدعوية والفكرية، ولم يعد هذا الدور قاصراً على مصر، ولكنه امتد عبر عشرات الدول، ومن الصعب إن لم يكن من المستحيل إعلان "حل الجماعة" لما يمثله هذا الإعلان من هدم لبناء ترسخت جذوره عبر عدة عقود، حتى لو كانت هناك أخطاء في الممارسة في جانب من الجوانب الحياتية.

المبرر الخامس، أن الحديث عن "حل الجماعة" باعتباره استراحة محارب غير منطقي، لأن المنطقي أن المحارب لا يستريح بل يقوم بالتطوير والتحديث والإصلاح وهو صامد على الحدود والثغور التي يتولى عبء الدفاع عنها وحمايتها، ولذلك لا مجال للاستراحة وخاصة أن منطق الجماعات يقوم على ضرورة تعرضها للأزمات، وأن عليها أن تُطور من أساليب مواجهتها وإدارتها لهذه الأزمات، حتى لو كانت كارثية.

المبرر السادس، أن هناك فارق كبير بين مفهومي "الهدم" و"إعادة الهيكلة"، وفكرة الحل أقرب للهدم منها للبناء أما إعادة الهيكلة فتقوم في جوهرها على المراجعة الدورية للرؤي والتصورات، للأهداف والغايات، للخطط والسياسات، للإجراءات والممارسات. وهو ما يمكن أن يتم وبشكل جاد وحاسم وجذري دون إعلان حل الجماعة، بل التأكيد على الاستمرار والاستقرار مع التطوير والتغيير.

وبين هذين الفريقين، تأتي أهمية التأكيد على أن القدرة على البقاء من عدمها، والقدرة على الاستمرار من عدمه، تبقي رهنُ بقدرة التنظيم (أي تنظيم)، وبقدرة الجماعة (أية جماعة) على إدراك المتغيرات والتحولات التي تمر بها، والفاعلية في التعاطي معها، والتجديد المستمر في رؤاها وأهدافها ورموزها وقادتها وخططها وممارساتها، وكذلك قدرتها المستمرة على بناء التحالفات واحتواء الصراعات والانشقاقات والتفاعل مع الخصوم والمعارضين بشكل يضمن بقاء القضايا الخلافية عند حدودها الدنيا في إطار من النزاهة والشفافية.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 137 مشاهدة
نشرت فى 19 أكتوبر 2014 بواسطة ForeignPolicy

ساحة النقاش

ForeignPolicy
موقع بحثي فكري، يعني بالعلوم السياسية بصفة عامة، والعلاقات الدولية، بصفة خاصة، وفي القلب منها قضايا العالمين العربي والإسلامي، سعياً نحو مزيد من التواصل الفعال، وبناء رؤي فكرية جادة وموضوعية، حول هذه القضايا، وبما يفيد الباحثين والمعنيين بالأمن والسلام والاستقرار العالمي. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

106,325

ترحيب

يرحب الموقع بنشر المساهمات الجادة، التى من شأنها النهوض بالفكر السياسي، وتطوير الوعي بقضايانا الفكرية والإستراتيجية، وخاصة في  العلوم السياسية والعلاقات الدولية