القواعد المنظمة للاستخدام الفعلي للقوة: العراق نموذجاً

د. عصام عبد الشافي

ترتكز القواعد المنظمة للاستخدام الفعلي للقوة على قواعد القانون الدولي الإنساني، وهي مجموعة من القواعد التي تحمي، في أوقات الحرب، الأشخاص الذين لا يشاركون في القتال أو لم يعودوا قادرين على المشاركة فيه. والهدف الأساسي لهذا القانون هو الحد من معاناة الإنسان وتفاديها في النزاعات المسلحة. وليس على الحكومات وقواتها المسلحة وحدها أن تلتزم بهذا القانون، بل على جماعات المعارضة المسلحة وأي أطراف أخرى في النزاع أن تلتزم به أيضا. ويمكن تناول هذا القواعد مع تطبيقها علي الحالة العراقية 2003، وفق المحاور التالية:

المطلب الأول: القواعد المنظمة للاستخدام الفعلي للقوة:

تعد اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 بالإضافة إلى بروتوكوليها الإضافيين لعام 1977 أهم صكوك القانون الإنساني، وتتمثل القواعد الأساسية للقانون الدولي الإنساني أثناء النزاعات المسلحة في:

أولاً:   حماية البيئة إبان النزاعات المسلحة: ثمة التزام قانوني دولي على عاتق أطراف النزاعات المسلحة بحماية البيئة الطبيعية أثناء هذه النزاعات، وتتمثل أوصاف هذه الالتزام فى عدد من الجوانب الرئيسية:

1ـ    حماية البيئة الطبيعية كهدف فى ذاتها وفى مفهومها العام الذي يتسع ليشمل النظام البيئي البشرى والطبيعي، وحماية السكان المدنيين والأعيان والممتلكات المدنية ومقاتلي الأطراف المتحاربة ضد الأضرار الناجمة عن استخدام الوسائل والأساليب المحظورة، وحماية المواد التى لا غنى عنها لبقاء السكان كالمواد الغذائية والمناطق الزراعية ومياه الشرب ومخزون الغذاء والغابات وغيرها من مظاهر الحياة النباتية فضلاً عن الحياة الحيوانية وكافة العناصر المناخية والبيولوجية الأخرى، وغير ذلك من عناصر النظام البيئي الواسع.

2ـ    أن هذا الحظر عام مطلق لا يرد عليه أى استثناء فيما عدا الحظر الوارد بالمادة الثانية من البرتوكول الثالث للاتفاقيات الخاصة بحظر استخدام أسلحة تقليدية معينة والمتعلق باستخدام الأسلحة المحرقة ضد الغابات وغيرها من أنواع الكساء النباتي فلا تتمتع هذه العناصر الطبيعية بالحماية المقررة ضد استعمال الأسلحة المحرقة حال استخدامها لستر أو أخفاء أو تمويه محاربين أو أهداف عسكرية.

3ـ    أنه ينطوى على شقين: الأول ذو طبيعة إيجابية، تتمثل فى مطالبة الأطراف المتحاربة ببذل العناية الواجبة من أجل حماية البيئة الطبيعية أثناء العمليات القتالية وبعد انتهائها، والآخر ذو طبيعة سلبية، تتمثل فى الامتناع عن استخدام أية وسائل أو أساليب قتالية يقصد بها أو يكون من شأنها أن تسبب أضراراً بالغة واسعة الانتشار وطويلة الأمد بالبيئة الطبيعي، والامتناع عن القيام بأية أعمال انتقامية ضد البيئة الطبيعية.

4ـ    تم استخدام عبارة "السكان" بدلاً من "المدنيين" لأن الضرر الحاصل للبيئة قد يمتد أثره لفترة طويلة على نحو ينال من السكان على اختلاف فئاتهم وطوائفهم من مدنيين وعسكريين، كما أن مضمون الحماية اللازمة للبيئة الطبيعية إبان النزاعات المسلحة لا يعنى فقط بالأعمال التى تهدد بقاء السكان وإنما يتسع كذلك يشمل تلك الأعمال التى قد تضر بصحة السكان، مثلما يحدث عندما يصابون بعيوب خلقية أو تشوهات جسدية من جزاء استخدام وسائل وأساليب قتالية معينة.

5ـ    أن الأضرار البيئية الواقعة فى نطاق الحظر يجب أن تكون: "بالغة فى حجمها"، و"واسعة الانتشار فى نطاقها"، و"طويلة الأمد فى مداها وامتدادها"، واستخدام "واو العطف" لتحديد أوصاف ومعايير هذه الأضرار، يشير إلى أنه يتعين أن تحدث هذه الأضرار فى أن واحد، مما يعنى أن استخدام أية وسيلة أو أسلوب للقتال لا يكون، محظوراً إلا إذا كانت آثاره الشاملة والنهائية مستوفية لهذه الأوصاف مجتمعة، أما أحكام الاتفاقية الخاصة بحظر تغيير البيئة فتستخدم أداة العطف "أو" لدي تحديدها لأوصاف ومعايير الضرر البيئي المحظور، وهو ما يعني أنه يكفي لإثارة المسئولية الدولية تحقق أي وصف من الأوصاف الثلاثة لتحديد الضرر.

ثانياً:   مبدأ تقييد حقوق المحاربين: يشكل مبدأ تقييد حق الأطراف المتحاربة فى اختيار وسائل وأساليب القتال أحد المبادئ التى استقرت عليها الأعراف الدولية فى الحروب والنزاعات المسلحة، والتي تشكل ـ بحق "مبدأ ثابتاً" فى القانون الدولى لعام، مما يضفى على المبدأ وصفى العموم والشمول ويضفى بضرورة تفسيره والنزول على أحكامه وفقاً لمقتضى مبدأ حسن النية.

وينطبق مبدأ تقييد حق الأطراف المتنازعة على النزاعات المسلحة المشروعة، وعلى حروب التحرير الوطني أو حروب القهر والغزو، وعلى حرب العدوان أو حروب الدفاع عن النفس والحروب الشاملة أو الحروب المحدودة، والحروب التى تستخدم فيها الأسلحة التقليدية أو غيرها، ففي هذه الحالات وغيرها، لا يكون للأطراف المتحاربة مطلق الحق فى اختيار وسائل وأساليب القتال، وإنما يتعين عليهم مراعاة القيود التى يقررها القانون الدولى فى هذا الشأن.

ثالثاً:   مبدأ التقييد وحظر الآلام غير المبررة: تنطوى الالتزامات المترتبة على مبدأ تقييد حق الأطراف المتنازعة فى اختيار وسائل وأساليب القتال على شقين رئيسيين:

ـ      تحقيق نتيجة مفادها الامتناع عن استخدام وسائل أساليب القتال المحظور استخدامها فى الحروب والنزاعات المسلحة إلى جانب المراعاة التامة للقيود والضوابط المتعلقة باستخدام وسائل أساليب القتال المقيد استخدامها بمقتضى أحكام القانون الدولى.

ـ      اتخاذ العناية الواجبة والاحتياطيات المستطاعة من أجل حماية السكان المدنيين والأعيان المدنية من الآثار الضارة والمدمرة لهذه الوسائل أو تلك الأساليب، (مثل: إعطاء إنذار مسبق بأي بث أو إسقاط للألغام المبثوثة عن بعد، وعدم استعمال الأسلحة المحرقة غير التى تطلق في الجو ضد أى هدف عسكري يقع داخل تجمع مدنيين مال لم يكن الهدف العسكري واضح الانفصال عن تجمع المدنيين، والالتزام فور توقف العمليات العسكرية باتخاذ جميع التدابير اللازمة والمناسبة لحماية المدنيين من أثار هذه الأسلحة، وتبادل المعلومات المتصلة بمواقع الألغام والشراك الخداعية، ..".

رابعاًً:  مبدأ التمييز بين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية: اقتضى التطور الحاصل فى وسائل الحرب وفنون التسلح، وضع القواعد والأحكام التى تكفل حماية المدنيين والأعيان المدنية ضد أخطار الحروب وأضرارها من خلال وضع القيود والضوابط التى يستعان بها فى التميز بين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية، وكذلك ضرورة التميز إبان الحروب والنزعات المسلحة بين السكان المدنيين والأعيان المدنية من جانب وبين المقاتلين والأهداف العسكرية من جانب آخر بما يضمن تأمين احترام وحماية السكان المدنيين والأعين المدنية وتوجيه العمليات العسكرية ضد الأهداف العسكرية دون غيرها.

وتتجسد كافة الأحكام المتعلقة بهذا المبدأ، فيما تنص عليه المادة (57) من أن: تبذل رعاية متواصلة فى إدارة العمليات العسكرية من أجل تفادى السكان المدنيين والأشخاص والعيان المدنية، وتتخذ عدة احتياطات فيما يتعلق بالهجوم، وأن يكون الهدف الواجب اختياره هو الذي يتوقع أن يسفر الهجوم عليه عن إحداث أقل قدر من الأخطار على الأعيان المدنية، وأن يتخذ كل طرف فى النزاع كافة الاحتياطات المعقولة عند إدارة العمليات العسكرية فى البحر أو فى الجو ... لتجنب .. إلحاق الخسائر بالممتلكات المدنية.

وتتأكد هذه بما قررته الفقرة الخامسة (مادة 57) من أنه "لا يجوز تفسير أى من أحكامها بأنه يجيز شن أى هجوم ضد السكان المدنيين أو الأعيان المدنية". وبما أشارت إليه المادة (58) من أن "أى إخلال بأحكام المادة (57) يعتبر انتهاكاً جسيماً لأحكام البروتوكول"، وهو ما يعني تشديداً لأحكام المسئولية الملقاة على عاتق القادة العسكريين، الذين يخططون للهجوم أو يتخذون قراراً بشأنه.

خامساً: التناسب (proportionality) والضرورة العسكرية (Military necessity): يقوم مبدأ التناسب على مراعاة نوع من التوازن بين ضرورات الحرب والنزاع المسلح وبين متطلبات الحفاظ على الإنسانية والحضارة البشرية، وأن يكون العمل العسكري متناسباً (فى حجمه وقوته) مع النتائج المتوقعة من ورائه. فالتناسب هو تحقيق التوازن بين المزايا العسكرية، الملموسة والمباشرة، الناجمة عن نجاح العمليات العسكرية وبين الآثار الضارة المحتمل حصولها فى صفوف المدنيين والأعيان المدنية من جزاء هذه العمليات.

أما مبدأ الضرورة العسكرية فيعني أن هناك "حاجة ملحة لا تحتمل التأخير تفرض على القائد العسكرى فى الميدان اتخاذ إجراءات لا غنى عنها لإجبار الخصم بأقصى سرعة ممكنه على الاستسلام التام بوسائل عنف منظم لا تحظره قوانين وأعراف الحرب".

ويشترط فى الدفع بمقتضى الضرورة العسكرية للتحلل من المسئولية توافر أربعة عناصر أساسية: قيام حالة ملحة، تفرض اتخاذ إجراءات لا غنى عنها، فى ظل رقابة القوة المستخدمة فى الزمان والمكان، وباستخدام وسائل لا تتعارض ومقتضي القوانين والأعراف المنظمة للحروب والنزاعات المسلحة.

وقد نصت المادة (53) من اتفاقية جنيف الرابعة علي أنه "يحظر على دولة الاحتلال أن تدمر أى ممتلكات خاصة ثابتة أو منقولة تتعلق بأفراد أو جماعات أو بالدولة أو السلطات العامة، أو المنظمات الاجتماعية أو التعاونية، إلا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي حتماً هذا التدمير"، كما نصت المادة (54) من البروتوكول الإضافي الأول علي إمكانية قيام الطرف المحارب على إقليمه بمهاجمة أو تدمير أو تعطيل الأعيان والمواد التى لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين خشية استيلاء العدو عليها واستفادته منها فى الحرب ضده، ويتضح تقييد الضرورة العسكرية فى هذه الحالة من كونها تمارس فى إطار حق الدفاع الشرعي عن الإقليم الوطني ضد الغزو أو الاحتلال، وأن الترخيص بممارستها مقرر للطرف المعتدى عليه دون المعتدى.

سادساً: الحماية العامة للأعيان والمواد التي لا غني عنها لبقاء المدنيين: تقضى المادة (54 /2-1 ، 4) من البروتوكول الإضافي الأول المحلق باتفاقات جنيف بأنه يحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب القتال، كما يحظر مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والمواد التى لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين، إذا تحدد القصد من ذلك فى منعها عن السكان المدنيين أو الخصم لقيمتها الحيوية، وألا تكون هذه الأعيان والمواد محلاً لهجمات الودع". إلا أن هناك استثناءين تفرضها مقتضيات الضرورة العسكرية والدفاع الشرعى ضد العدوان:

ـ      إمكانية قيام أى من الأطراف المتنازعة بمهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان التى لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين إذا ثبت أن الخصم يستخدمها لأفراد قواته المسلحة وحدهم أو دعماً مباشراً لعمل عسكري، إلا أن أعمال هذا الاستثناء. مقيد بألا يترتب عنه أن يصبح السكان المدنيون بلا مأكل أو مشرب.

ـ      الترخيص لأطراف النزاع بالخروج عن نطاق الحظر إذا ما اقتضت ذلك الضرورة العسكرية الملحة دفاعاً عن الإقليم الوطني ضد الغزو والاحتلال، ولكن مع التنبيه على أن أعمال هذا الترخيص محصور بالأعيان والمواد الموجودة فى الجزء الخاضع للسيطرة الفعلية والمباشرة للطرف الذي ينوى مهاجمة تلك الأعيان والمواد من باب الدفاع عن النفس ومنع تقدم قوات العدو، دون أن يمتد هذا ليشمل أى جزء يكون تحت السيطرة الفعلية للعدو أو أى جزء من إقليم العدو نفسه.

سابعاً: الحماية الخاصة بالأعيان والمنشآت التي تحتوي علي قوي خطرة: نصت المادة (56/4.1) من البرتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف على أن "لا تكون الأشغال الهندسية أو المنشآت التى تحوى قوى خطرة (كالسدود والجسور والمحطات النووية لتوليد الطاقة الكهربية) محلاً للهجوم، حتى ولو كانت أهدافاً عسكرية إذا كان من شأن مثل هذا الهجوم أن يتسبب فى انطلاق قوى خطرة ترتب خسائر فادحة بين السكان المدنيين، كما لا يجوز تعريض الأهداف العسكرية الأخرى الواقعة عند هذه الأشغال الهندسية أو المنشآت أو على مقربة منها للهجوم إذا كان من شأن مثل هذا الهجوم أن يتسبب فى انطلاق قوى خطرة ترتب خسائر فادحة بين السكان المدنيين، كما يحظر اتخاذ أى من الأشغال الهندسية أو المنشآت أو الأهداف العسكرية المذكورة فى الفقرة الأولى هدفاً لهجمات الردع".

مع وجود بعض الاستثناءات التى يترتب على تحققها "توقف" الحماية، وإن كانت هذه الاستثناءات محكومة بمجموعة من الشروط بما يكفل تضييق نطاقها والحد من آثارها. وتتمثل هذه الاستثناءات في (مادة 56/2):

ـ      السدود أو الجسور إذا استخدمت فى غير استخداماتها العادية دعماً للعمليات العسكرية على نحو منتظم وهام ومباشر وكان مثل هذا الهجوم هو السبيل الوحيد المستطاع لإنهاء ذلك الدعم.

ـ      المحطات النووية للتوليد الكهرباء إذا وفرت هذه المحطات الطاقة الكهربائية لدعم العمليات العسكرية على نحو منتظم وهام ومباشر.

ـ      الأهداف العسكرية الأخرى الواقعة عند هذه المنشآت، والتي توفر الدعم للعمليات العسكرية على نحو منتظم وهام ومباشر، وكان مثل هذا الهجوم هو السبيل الوحيد المستطاع لإنهاء مثل هذا الدعم.

يضاف إلي ذلك التزام الأطراف المتنازعة (حال توقف الحماية المقررة لهذه المنشآت أو حال تعرض أى من تلك المنشآت أو الأهداف العسكرية الواقعة عندها أو بالقرب منها للهجوم) بمراعاة مقتضي مبدأ التناسب والموازنة ما بين الخسائر والأضرار وبين المزايا العسكرية الناجمة من جراء الهجوم، كما يتعين على الأطرف اتخاذ كافة التدابير العملية اللازمة لمنع انطلاق قوى خطرة من المنشآت المذكورة.

وكذلك مطالبة الأطراف المتنازعة باتخاذ مجموعة من التدابير الاحترازية بما يضمن توفير الحماية اللازمة لتلك المنشآت (كتفريغ الخزانات أو إغلاق المحطات النووية لتوليد الطاقة، أو عدم اللجوء إلى الدفاع عن هذه المنشآت ولو ترتب على ذلك احتلالها، أو أبرام المزيد من الاتفاقات التى من شأنها توفير حماية إضافية لهذه المنشآت، أو وضع علامات خاصة تساعد الأطراف المتنازعة على تمييزها...

المطلب الثاني: القواعد المنظمة للاستخدام الفعلي للقوة في الحالة العراقية:

بالنظر إلي ما نصت عليه قواعد الاستخدام الفعلي للقوة المسلحة، وما شهده الواقع العملي في الحالة العراقية، يمكن الوقوف علي عدد من الملاحظات الأساسية:

أولاً:   حماية البيئة إبان النزاعات المسلحة: شهدت الحالة العراقية، العديد من مظاهر الاعتداء علي البيئة، سواء كان ذلك في أزمة 1991، أو 2003، تراوحت بين التدمير المباشر للمقدرات البيئية (كما برز في إشعال النيران في آبار النفط، أو تسريب النفط بكميات كبيرة إلي مياه الخليج العربي، أو التوسع في زرع الألغام والشراك العسكرية) والتدمير غير المباشر كما ظهر في العمليات العسكرية، ومخلفاتها في الأراضي الكويتية والعراقية، وفي مياه الخليج.

ثانياً:   مبدأ تقييد حقوق المحاربين: شهدت الحالة العراقية، عدم التزام من جانب الإدارة الأمريكية بهذا المبدأ، حيث توسعت في استخدام ترسانتها العسكرية بكل ما تحويه من أسلحة متقدمة، في مواجهة جيش مهلل خرج من أزمة طاحنة وحرب استمرت ثماني سنوات (في حرب 1991) ومن حصار استمر ثلاثة عشر عاماً (في حرب 2003)، كما أنها لجأت إلي استخدام أسلحة محرمة (كيماوية وبيولوجية) كشفت عنها التقارير فيما بعد، وأكدتها بعض المصادر، مستندة في ذلك إلي تزايد معدلات الإصابة بالسرطان بين المواطنين العراقيين وخاصة في جنوب العراق، وظهور ما عرف باسم "مرض حرب الخليج" علي عدد كبير من الجنود الذين شاركوا في حروب الخليج.

ثالثاً:   مبدأ التمييز بين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية: كشفت الحالة العراقية، عن وجود اعتداء علي هذا المبدأ من جانب القوات الأمريكية والدول التي شاركتها في حربي العراق (1991 و2003)، حيث أظهرت وسائل الإعلام العديد من مظاهر التدمير للأهداف المدنية، في مختلف المدن العراقية، وهو ما بررته الإدارة الأمريكية في كثير من الأحيان، إما "بالخطأ غير المقصود" أو باتهام نظام صدام حسين أنه يستخدم المناطق المدنية (المدارس، المستشفيات، دور العبادة، المصانع، القصور..) كأماكن سرية لتخزين ترسانته العسكرية، وأن الإدارة الأمريكية لديها من التقارير ما يؤكد ذلك.

رابعاً: التناسب (proportionality) والضرورة العسكرية (Military necessity): كشفت الحالة العراقية، عن استخدام مكثف لأحدث الأسلحة والمعدات العسكرية من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في حربي العراق، بما لا يتناسب مع الحالة الفعلية، أو ما تفرضه الضرورات العسكرية، خاصة مع الحالة التي عليها الجيش العراقي، ولجوئه قبل حرب 1991 إلي تهريب ما يملكه من طائرات إلي دول الجوار، وقبل حرب 2003، إلي تدمير ما يملكه من صواريخ (الصمود)، بجانب تدني قدرات جيشه من مختلف الأسلحة، في ظل استمرار حروبه ومغامراته الخارجية، وفرض عقوبات اقتصادية تمنعه من تطوير هذه القدرات.

وكذلك الأمر فيما يتعلق بمبدأي الحماية العامة للأعيان والمواد التي لا غني عنها لبقاء المدنيين، (حيث توسعت الإدارة الأمريكية في تدمير السدود ومستودعات الغذاء، ودور العبادة، والمدارس، ومحطات المياه والكهرباء) والحماية الخاصة بالأعيان والمنشآت التي تحتوي علي قوي خطرة (حيث تم تدمير الكثير منها بدعوي استخدامها لأغراض عسكرية من جانب القوات العراقية).

 

ساحة النقاش

ForeignPolicy
موقع بحثي فكري، يعني بالعلوم السياسية بصفة عامة، والعلاقات الدولية، بصفة خاصة، وفي القلب منها قضايا العالمين العربي والإسلامي، سعياً نحو مزيد من التواصل الفعال، وبناء رؤي فكرية جادة وموضوعية، حول هذه القضايا، وبما يفيد الباحثين والمعنيين بالأمن والسلام والاستقرار العالمي. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

106,299

ترحيب

يرحب الموقع بنشر المساهمات الجادة، التى من شأنها النهوض بالفكر السياسي، وتطوير الوعي بقضايانا الفكرية والإستراتيجية، وخاصة في  العلوم السياسية والعلاقات الدولية