د. ياسر صابر | 08-04-2012 12:47
إن التنازلات المتتالية التى يقدمها قادة بعض الحركات الإسلامية، تجعل الحليم حيراناً، وتترك تساؤلات كثيرة، ليس فقط عند العامة بل عند شباب الحركات الإسلامية أنفسهم، والسؤال الذى يبحث عن إجابة، لماذا بعدما انتفضت الأمة على حكامها لتقول كلمة الحق، تراجع هؤلاء القادة إلى الصفوف الخلفية؟ ليس هذا فحسب بل ساروا فى اتجاه عكس اتجاه الأمة! فبينما تريد الأمة التحرر وانتزاع سلطانها من قبضة أعدائها، نرى هؤلاء القادة يهرولون إلى الغرب يبتغون رضاه، وبعد أن كانت كلمة الحق واجباً يطلبونه من شبابهم أيام الإستضعاف، أصبح تركها من متطلبات المرحلة، وبعد أن كان تطبيق الإسلام هدفهم، أصبحوا اليوم يتنازلون عنه بطوعهم، حتى الجملة التى كان يُزين حكام الضرار بها دساتيرهم، وهى اتخاذ الشريعة الإسلامية مصدراً لتشريعهم، أصبحت عند هؤلاء القادة مرفوضة، بل شُبهةٌ تسىء إليهم عند من يشترون رضاهم.
إننا لانريد أن نقف عند تفاصيل مايفعله هؤلاء القادة، فأفعالهم وأقوالهم معروفة ولاتحتاج إلى إعادة التذكير بها حتى لانزيد جراح الأمة، ولكننا نريد أن نقف عند الأسباب الحقيقية التى جعلتهم يسلكون هذا السلوك الغريب.
وأهم هذه الأسباب هو عدم حملهم الإسلام حملاً سياسياً ليرعوا به شئون الأمة، بل حملوه حملاً كهنوتياً دون معرفة بدستورٍ يستنبطونه من القرآن والسنة، ودون تصورٍ عن نظام حكم أو اقتصاد أو علاقات خارجية أو معاهدات دولية، مما جعلهم يأخذون من هنا وهناك، فاتبعوا فقهاً غريباً يقوم على المصلحة التى تحددها عقولهم القاصرة وجعلوا الشرع تابعاً لامتبوعاً.
كل هذا كان سبباً فى هزيمتهم الفكرية تجاه الغرب وثقافته، فتبدلت عندهم المقاييس، وتنازلوا عن مقياس الحلال والحرام، وأصبح مقياس قبول الأفكار عندهم هو توافقها مع الأفكار الغربية، ومقياس الأعمال هو مايحقق لهم مصالحهم الأنية، وبالتالى فقدوا الثقة فى الإسلام بأنه نظام حياة، وبهذا قد جردوا أنفسهم من عامل القوة الأساسى، فتزعزعت عندهم مفاهيم التوكل وأن النصر من عند الله، لهذا نجدهم يلتمسون رضا الغرب وقبوله لهم، ولايمكن أن يجتمع فى قلب المسلم الصادق حب الكافر المستعمر مع حب الله، وكأنهم لم يفقهوا قول الله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا" النساء 144، وقوله "مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا" فاطر10.
إن مايحدث لايجوز أن يفت فى عضد الأمة، بل على العكس من ذلك يجب أن يدفعها دفعاً إلى نهضتها الصحيحة، والأمة قد خطت خطوة كبيرة بثورتها على حكامها، وتحطيم جسور الخوف التى حالت بينهم وبين التغيير، فعلى الأمة أن تستبشر خيراً بما يحدث، لأن هذا إيذان باقتراب النصر الذى يسبقه دائماً التمحيص والاختبار ليميز الله الخبيث من الطيب.
إن هذه القيادات لاتزيد عن كونها أوراقًا ذبلت على شجرة الأمة التى أزهرت، وقد أتى خريفها كى تسقط، وكلما ازداد الهجوم على الأمة اهتزت شجرتها فلايسقط منها إلا ماذبل، حتى يأتيها نصر الله فتهتز وتربو وتنبت من كل خير بهيج.
"فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ" الرعد 17
ساحة النقاش