بقلم: د. علي جمعة
مفتى الديار المصرية
إن الله سبحانه وتعالى يعلم السر وأخفي, ويعلم الظاهر والباطن, ويعلم المعلن والخفي, وهو سبحانه وتعالى يرشدنا في ظاهرنا وباطننا إلي الخير.يقول تعالى ـ وهو يكشف سر المتآمرين ويرشد المؤمنين إلى الخير العميم ـ{لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما. ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا.
إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا. إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا. لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا. ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا. يعدهم ويمنيهم وما. يعدهم الشيطان إلا غرورا. أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا} [ النساء:114 ـ121].
برنامج عمل:
إذا أردت الخير فعليك بأن تكون نجواك في السر كما هي في العلن, تكون أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر, إصلاح الناس في درء المفاسد وجلب المصالح, أما جلب المصالح, فقد تكون راجعة إلى البدن وقد تكون راجعة إلى النفس, وأما درء المفاسد فقد أشار إليها بالإصلاح بين الناس.
جلب المصالح البدنية:
الصدقة. جلب المصالح الروحية: المعروف درء المفاسد بأنواعها: الإصلاح بين الناس.وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري يقول له:(أصلح بين الناس قبل الحكم ـ يعني قبل القضاء ـ فإنه بعد القضاء تخرج ضغائنهم) أي أرشده إلى لجان التحكيم التي توفق بين الناس وتصلح بين الناس, وميادين الإصلاح في النزاع والخصومات, وتكون في الأفراد والجماعات, والأزواج والزوجات, وبين المتداينين, وفي الأقارب والأرحام, وفي القبائل والطوائف, وفي الأموال والدماء.
النجوى قد تكون على غير ذلك, فتأمر بالشح, وتأمر بتدمير الناس والمؤسسات وتأمر باحتلال الأوطان على ساكنيها, وتأمر بالإفساد بين الناس على طريقة( فرق تسد) والله حسبهم يوم القيامة ـ ويجب على المسلمين أن يفوتوا على المتآمرين حالهم, وأن يستمروا في الأمر بإصلاح البدن وإصلاح الروح وإصلاح الحياة الدنيا والإصلاح بين الناس.
المتآمرون هم في الخارج والداخل, وهم يريدون شرا في الأرض {والله من ورائهم محيط} [ البروج:20] “لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس” [ البخاري] هذه الطائفة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله ورسوله.. فاللهم ثبت قلوبنا على الإيمان يا رحمن.
أيها المسلمون.. فتن كقطع الليل البهيم وكقطع الليل المظلم في الظاهر والباطن.. لا مخرج منها إلا كتاب الله.. هو الذي يخرجك منها.. هو الذي ينقذك فيها.. هو الذي إذا ما تدبرته وتأملته.. إذا تمسكت به فقد استمسكت بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها, إنه حبل الله المتين. {لا خير في كثير من نجواهم} [ النساء:114], نزلت في بني أبيريق لكنها عامة إلى يوم الدين, فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
القرآن يهديك إلى طريق الخير ويأمرك أن تفعله, ثم بعد ذلك يأمرك أن تفعله ابتغاء مرضاة الله, فلو فعلته رياء وسمعة ورياسة ـ جعل الله الخير هذا مردودا إلى الناس ولا ثواب لك فيه, لأنه خير ولأنك فعلت الخير, فمن تصدق رئاء الناس فالصدقة تفعل فعلها وتقوم بما خلقها الله من أجله لكن لا ثواب لك, أما لو جعلت فعلك هذا ابتغاء وجه الله فإنك ستنال سعادة الدارين, ولذلك بعد أن أقر أن هذا من فعل الخير ـ سواء صدر ممن ابتغي وجه الله أو ممن لا يبتغي وجه الله ـ فإنه إن فعل ذلك اثر في هذا الكون إيجابا.
وأمرنا سبحانه ألا نخرج عن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم, فهو المثل الأعلى والإنسان الكامل والأسوة الحسنة.. خاتم النبيين.. خليل الرحمن.. حبيب رب العالمين صلى الله عليه وسلم, ليس هناك باب سواه يوصل إلى ربنا عز وجل.. أغلق الله كل الأبواب ونسخ كل الشرائع ولم يقبل من أحد إلا أن يدخل إليه من باب المصطفي والحبيب المجتبي صلى الله عليه وسلم {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولي ونصله جهنم وساءت مصيرا} [ النساء:115] أحبوا رسول الله.. علموا أبناءكم حبه, فإنه لا منجى لكم إلا بحب سيدنا وعظيمنا وحبيبنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم, {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا} [ الأحزاب:21].