بقلم / عصام الدفراوى

وماذا بعد سقوط النظام ؟

منذ زمن ونحن نشجب الفساد الذى حل بالأمة العربية والإسلامية عمومًا وبمصر خصوصًا ، وكان السؤال دائمًا كيف يكون الإصلاح ؟ وكان الجواب على ثلاثة أوجه : الأول : أن الإصلاح بيد النظام . والثانى : أن الإصلاح بيد الشعب . والثالث : أن الإصلاح بالإثنين معًا .

إن النظام بسلطاته وإمكانياته له دور جوهرى فى عملية الإصلاح ، خاصة إذا كان الفساد قد اعتراه فى ذاته أو عندما يصبح النظام نفسه مصدرًا للفساد . ولكن يظل الجناح الثانى لطائرة الإصلاح والتقدم بيد الشعب نفسه ، أفراد وجماعات ، ولن تقلع هذه الطائرة إلا باكتمال جناحيها . لذلك أقول : أن من الوهم أن نعتبر أن الإصلاح قد تم وتحقق لمجرد سقوط النظام بثورة 25 يناير لعام 2011 . فهذا السقوط ما هو إلا تخلية لقنوات الإصلاح والشرعية . فسقوط النظام لا يعنى إلا أن القنوات قد خلت من عوامل الفساد وعوائق التقدم ، وأنها مهيأة لاستقبال عوامل الإصلاح والتقدم ، وأنها أفرغت الدماء الفاسدة التى كان تجرى فيها وتنتظر دماء نقية طاهرة وإلا انسدت كلية .

# سد جميع ثقوب الفساد :

لقد تمت التخلية وبقيت التحلية ، والتحلية تعنى العمل الجاد من خلال منظومة الحقوق والالتزامات ، فترك الحق العام يساوى عدم الوفاء بالالتزام ، وليعلم كل منا ما له وما عليه . إن الفساد الكبير يبدأ بقطرة من التهاون وبرهة من الصمت ، وقليل من المجاملة ولحظة من الكسل ... إلخ ، فبذرته باقية فى الأرض إلى يوم القيامة ، ومتى وجدت الفرصة لِتَنْبُت من جديد نبتت ، فالنفس البشرية فى حالة صراع دائم بين الخير والشر ، وإن لم تنشغل بالحق انشغلت بالباطل .

# نحن من روى بذرة الفساد :

لقد نما الفساد بيننا واستشرى بفعلنا ، إن أفعالنا الخاطئة قناة يسبح فيها الفساد ويرتوى ، فممارسة الحياة السياسية والانتخابات من باب المجاملة والتعصب القبلى ، والعمل بمبدأ ( هين قرشك ولا تهين نفسك ) ، والكسل عن المطالبة بالحقوق ، والتخلف عن أداء الالتزامات ، وترك أبسط صور النظام ، كل ذلك وغيره وفّرَ للفساد تربة خصبة لينمو ويترعرع فيها . لا سبيل للنجاة إلا بغلق هذه القنوات ، فمتى عرفنا النظام وتمسكنا به من خلال طابور يُحترم وإشارة مرور تُرتقب ، ومتى طالبنا بحقوقنا عن جد دون استسلام ، وأدّينا ما علينا دون مُطل طائعين ، ومتى تعلمنا فقه الانتخابات وعرفنا أن التصويت شهادة حق لمستحق ، فإننا بذلك سنقطع الطريق على الفساد والمفسدين .

# العزيمة والإصرار :

ليعلم كل منا أنه فى مجال عمله محارب ومجاهد ، فلا يترك لنفسه قدر أنملة من التهاون أو السلبية أو الكسل ، وليكن دائمًا حازمًا وايجابيًا ، لا يستهين بعمله مهما تضاءل قدره ، فالعيب كل العيب فى الكيف لا فى النوع أو الكم .

# تصحيح الأحلام :

ليحرص كل منا على تحديد حلم صحيح يسعى لتحقيقه ، لا تفتر عزيمته عنه قبل إدراكه . والحلم الصحيح هو الحلم الذى لا يقتصر على المصلحة الشخصية فقط وإنما الذى تكون للمصلحة العامة حظ فيه ، ليحاج المرء به ربه يوم القيامة ، عندما يُسأله : ماذا قدمت ؟ . إن خير الناس أنفعهم للناس ، لقد ضِعنا يوم اقتصرت أحلامنا على مصالحنا الشخصية ، يوم توقفت الطموحات على المنزل والسيارة والشهادة . فالأولين هما أسباب تساعد على تحقيق الأحلام ، ولا يمكن اعتبارها – بحال من الأحوال - أحلام حقيقية ، وكذلك الشهادة العلمية لا يمكن اعتبارها فى ذاتها حلم حقيقي ، لأن الحلم الحقيقى يتمثل فى تحصيل العلم ذاته ، لذلك يجب تصحيح مفهوم التعليم من أجل الشهادة ليكون التعليم من أجل التعلم والعلم لذاته ، لقد أضفى هذا المفهوم الخاطىء على المجتمع مشاكل عديدة حيث مده بأصحاب شهادات لا يفقهون ومتفقهين لا يعلمون . 

# الإصلاح بيد الشعب فى الجملة :

إن إصلاح النظام - فى الحقيقة - بيد الشعب ، والدليل واضح ، لتتأكد حقيقية أزلية وهى أن التغيير دائمًا من الناس أنفسهم ، إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم ، لذلك يجب أن يكون تغيير النظام تغييرًا لأنفسنا حقًا وصدقًا ، وإلا فلا غيّرنا ولا أصلحنا .

# لقد سقط الفساد بسقوط حمائله من أنفسنا .

ليعلم الجميع أن الفساد فى النظام السابق كان قائمًا – حقيقة – فى أنفسنا ، فنحن الذين سمحنا له بالوجود ، لأننا لم ننشغل بالحق فانشغلت نفوسنا بالباطل ، لأننا تهاونا وصمتنا وتكاسلنا وجاملنا ، وها نحن اليوم نستيقظ وبقوة من ثباتنا ومن صمتنا ومن ظلمنا .

# ثورة على النفس :

إن ثورة الشعب المصرى فى 25يناير لعام 2011 فى حقيقتها ثورة على أنفسنا ، إننا لم نحرر الأرض ولكن حررنا أنفسنا من عبوديتها للأهواء والشهوات ، إننا لم نسقط الفساد من النظام ولكن أسقطناه من أنفسنا ، لذلك فإن نجاح هذه الثورة رهن بهذا المعنى ، ليعلم الجميع أننا إن لم نخلّص أنفسنا من كل دواعى الفساد فلا نفس تحررت ولا نظام سقط .

# إحياء شعلة الثورة فى النفوس :

إذا انطفأت شعلة الثورة من النفوس سيحل محلها نيران الفساد مرة أخرى ، وكأنك يا أبوزيد ما غزيت .

ساحة النقاش

عصام عبدالعزيز الدفراوى

EsamAldefrawy
للعلم فوائد تَعْظٌم كلما عالج مشاكل الواقع . ولابد من قراءة جيدة للواقع لتحديد المشكلة والأسباب المؤدية لها ، ثم البحث عن سُبل التصدى لها ... إن الله عز وجل لم يفرض علينا العلم لنكنزه أو نتباهى به وإنما لنعمل به . »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

147,064