أكدت محكمة النقض في حكمها في الطعن رقم 13324 لسنة 88 القضائية، أن قصد القتل أمر خفى لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التى يأتيها الجانى وتنم عما يضمره فى نفسه، واستخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضى الموضوع فى حدود سلطته التقديرية.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد القاضى المقررة والمرافعة وبعد المداولة قانونًا.
أولاً: بالنسبة للطعن المقدم من المحكوم عليه:ـ
من حيث إن الطعن قد استوفى الشكل المقرر فى القانون.
ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم تدبير تجمهر من شأنه تعريض السلم العام للخطر ووقع منه تنفيذًا لغرضه جرائم القتل العمد مع سبق الإصرار والشروع فيه واستعمال القوة والعنف مع موظفين عموميين لحملهم بغير حق على الامتناع عن أداء أعمال وظيفتهم دون بلوغ مقصده والشروع فى التخريب العمدى لأملاك عامة (مركز شرطة كرداسة) والإتلاف العمدى له ولأموال منقولة تنفيذًا لغرض إرهابى وحيازة وإحراز بالذات وبالواسطة أسلحة نارية آلية وذخائرها مما لا يجوز الترخيص بحيازتها أو إحرازها وأسلحة نارية مششخنة وغير مششخنة وذخائر بغير ترخيص وأسلحة بيضاء وأدوات مما تستعمل فى الاعتداء على الأشخاص دون مسوغ.
وذلك فى أماكن التجمعات العامة بقصد استعمالها فى الإخلال بالأمن والنظام العام قد شابه القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال والإخلال بحق الدفاع وران عليه البطلان، ذلك بأنه لم يبين واقعة الدعوى بيانًا تتحقق به أركان الجرائم التى دانه بها، ولم يدلل على توافر عناصر المسئولية الجنائية فى حقه، ولم يبين ماهية الأفعال التى قارفها ورابطة السببية بينها وبين ما عاقبه عليه من جرائم ولم يستظهر مدى مشاركته فيها ودوره فى ارتكابها، ولم يدلل على نية القتل وظرفى سبق الإصرار.
ولم يستظهر ماهية الضرر الجسيم الذى لحق بالمال العام، وتساند الحكم إلى أقوال شهود الإثبات رغم ورودها مرسلة مجهلة إذ جرت شهادة الشاهدين الأول والثانى على قولهما “الشيخ أشرف” دون بيان كامل اسمه أو تحديد أوصافه، وخلت الأوراق من شاهد رؤية لتعذرها، فضلاً عن عدم ضبط الطاعن متلبسًا، وأسس الحكم قضاءه على الظن والاحتمال إذ عول على تحريات الشرطة التى لا تصلح بذاتها دليلاً على الإدانة فضلاً عن خلو الأوراق عن دليل يؤيدها مطرحًا دفع الطاعن بأنه ليس هو المعنى بالاتهام وأن من توصلت التحريات أنه مرتكب الواقعة هو شخص آخر غيره ولم تجر المحكمة تحقيقًا فى ذلك بلوغًا لغاية الأمر فيه، وعول الحكم فى قضائه على التقارير الطبية رغم أنها لا تصلح لنسبة الفعل إلى الطاعن، الذى أُدين رغم عدم التحقيق معه فى أى مرحلة من مراحل الدعوى.
والتفتت المحكمة عن إنكاره الواقعة وعن دفاعه المؤيد بمستندات رسمية بعدم وجوده على مسرح الجريمة ولم تحفل بأقوال شهود النفى، كما لم يعن الحكم بالدفع ببطلان أمر الإحالة لصدوره أمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بالنسبة لمتهمين آخرين لهم ذات المركز القانوني للطاعن, وضرب صفحًا عن الدفع ببطلان المحاكمة لعدم علانية الجلسات وانعقادها بأكاديمية الشرطة دون طلب من رئيس المحكمة أو صدوره قرار من وزير العدل، وأورد الحكم أسبابًا لحكم سبق إصداره على متهمين آخرين مما ينبئ عن أن المحكمة كان لديها الرغبة فى الإدانة وتوقيع عقوبة الإعدام على الطاعن، بل أنها لم تطالع أوراق الدعوى ومفرداتها لوجودها بمحكمة النقض ولعدم وجود نسخة أصلية منها آنذاك.
كما أن مفتى الجمهورية أسس رأيه على الظن والاحتمال ولم يطلع على أوراق الدعوى، هذا إلى أن الحكم اطرح أوجه دفاع ودفوع الطاعن بردود غير سائغة ولم تجبه المحكمة إلى طلباته، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
من حيث إن الحكم المطعون فيه – على ما يبين من مطالعة مدوناته – قد حصل واقعة الدعوى بما مفاده أنه بعد خروج مجموع غفيرة من الشعل المصرى ضد حكم جماعة الإخوان وعقب إذاعة بيان القوات المسلحة فى يوم 3/ 7/ 2013 قام المتهم ومن سبق الحكم عليهم ومن والهم من أفراد التنظيم الإخوانى والتيارات الإسلامية الأخرى باقتحام مركز شرطة كرداسة، إلا أن قوات الشرطة تصدت لهم، وفى يوم 5/ 7/ 2013 عقب صلاة الجمعة تجمع عدد من عناصر جماعة الإخوان والتيارات الإسلامية المواليه لهم أمام مركز شرطة كرداسة مرددين هتافات مناهضة للقوات المسلحة وللشرطة، وقام الطاعن وآخران سبق الحكم عليهما بمقابلة مأمور المركز طالبين منه إخلائه من القوات وتسليمه لهم وللمتجمهرين.
فلما رفض طلبهم، خرج الطاعن من ديوان المركز ومن كانا معه وأشار أحدهم للمتجمهرين بوضع أصبع على رقبته بما يفيد ذبح قوات الشرطة وظل الطاعن بين صفوف المتجمهرين محرضًا لهم على تصعيد الموقف العدائى ضد القوات، فعلت الهتافات واشتدت وقذف المتجمهرين ديوان المركز بزجاجات المولوتوف والحجارة وتسلقوا سوره ووضعوا عليه علم تنظيم القاعدة وأطلق عدد منهم الأعيرة النارية صوبه من أسلحتهم النارية التى كانوا يحرزونها و يحوزونها، فألحقوا به وبسيارات الشرطة التلفيات المبينة بالتحقيقات وقتلوا المجنى عليه هانى محمود إبراهيم عبد اللطيف عمدًا مع سبق الإصرار لإصابته من عيار نارى معمر بمقذوف مفرد بيسار الظهر وما أحدثه من تهتكات بالرئتين والقلب ونزيف دموى غزير مصاحب، على النحو الوارد بتقرير الصفة التشريحية، وشرعوا فى قتل المجنى عليهم من رجال الشرطة الوارد أسماؤهم ووصف إصاباتهم بالتحقيقات والتقارير الطبية المرفقة عمدًا مع سبق الإصرار.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن قصد القتل أمر خفى لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التى يأتيها الجانى وتنم عما يضمره فى نفسه، واستخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضى الموضوع فى حدود سلطته التقديرية.
ثانيًا: بالنسبة لعرض النيابة العامة:ـ
من حيث إنه لما كانت النيابة العامة قد عرضت القضية الماثلة على هذه المحكمة عملاً بنص المادة 46 من القانون رقم 57 لسنة 1959 فى شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض – مشفوعة بمذكرة طلبت فيها إقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليه، وكانت محكمة النقض تتصل بالدعوى بمجرد عرضها عليها لتفصل فيها وتستبين – من تلقاء نفسها – دون تقيد بمبنى الرأى الذى ضمنته النيابة العامة مذكرتها – ما عسى أ ن يكون قد شاب الحكم من عيوب، ويستوى فى ذلك أن يكون عرض النيابة العامة فى الميعاد المحدد أو بعد فواته، ومن ثم يتعين قبول عرض النيابة العامة للقضية.
ومن حيث إن هذه المحكمة قد انتهت إلى القضاء بتصحيح الحكم المعروض إلغاء عقوبة الإعداد المقضى بها على المحكوم عليه ومعاقبته بالسجن المؤبد، فإن موضوع عرض النيابة العامة للقضية صادر ولا محل له.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:ـ أولاً: بقبول الطعن المقدم من المحكوم عليه شكلاً وعرض النيابة العامة للقضية.
ثانيًا: وفى الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه بإلغاء عقوبة الإعدام المقضى بها عليه ومعاقبته بالسجن المؤبد، ورفض الطعن فيها عدا ذلك.