الاقتصاد للجميع

يهتم الموقع بالدراسات والمشاكل الاقتصادية والتحليلات

أهمية البنيان الزراعي في مصر

د. محمد إبراهيم محمد الشهاوي

أستاذ الاقتصاد الزراعي المساعد - كلية الزراعة (سابا باشا) - جامعة الاسكندرية

تمهيد :

تتضح أهمية الزراعة في مقولة هيرودوت قديمًا أن "مصر هبة النيل" مؤكدًا بذلك علي أهمية دور الزراعة في مصر . وتعتبر مصر من أقدم الحضارات التي قامت بها الزراعة وتوطن السكان حول الوادي ، ويرجع الفضل في تطوير الزراعة المصرية في العصر الحديث إلي "محمد علي باشا" خديوي مصر حيث بني القناطر والخزانات وأنشأ نظام الري الحديث وادخل زراعة القطن مع زراعات حديثة وأرسل البعثات للخارج .

وبالنظر للتاريخ نجد إن معظم الدول الصناعية والمتقدمة الآن بدأت نهضتها بالزراعة أولا ومنها انطلقت إلي النهضة الصناعية والآن هناك نقلة أخري في المعلومات والبرمجيات وقطاع الخدمات المساندة بصفة عامة والذي أصبح يشكل في بعض الدول أكثر من 40% من ناتجها المحلي الإجمالي .  

والبنيان الزراعي المصري هو فرع من البنيان الاقتصادي القومي الذي يجري فيه النشاط الاقتصادي الزراعي أو هو جزء من البنيان الاقتصادي الذي يضم الموارد الاقتصادية الزراعية أي الموارد الاقتصادية البشرية وغير البشرية التي تستخدم في إنتاج السلع والخدمات الزراعية ، ويحتل قطاع الزراعة مكانًا بارزًا في الاقتصاد المصري ويمثل ركنا أساسيًا من مكونات هذا المقتصد ، ويقوم بدور متميز في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة ، لذلك يوجد علاقة طرية بين مستوي الاهتمام بالزراعة ودرجة تقدمها ومستوي نجاح خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مجالاتها المختلفة .

وقد اعتمد الاقتصاد المصري اعتمادا شديدا علي القطاع الزراعي باعتباره مصدرا للنمو ، وتعزز هذا الدور بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 خلال الستينات والسبعينات ، إلا أن هذا الدور بدأ يتناقص خلال الثمانينات عندما اتجهت مصر للتنمية الصناعات الغير الزراعية مثل الصناعة والبترول والسياحة إلا أن الزراعة مازالت تمثل حوالي 20% من إجمالي الناتج القومي وإجمالي الصادرات المصرية ، وحوالي 35% من إجمالي القوة العاملة المصرية .

إسهامات الزراعة المصرية :

 تساهم لزراعة في عملية التنمية عن طريق ثلاث إسهامات رئيسية هي :

1- الإسهام الإنتاجي . 

2- الإسهام السوقي .   

3- الإسهام الموردى .

أولا : الإسهام الإنتاجي : يتمثل ذلك فيما يلي :

¤ تساهم الزراعة في إحداث التنمية عن طريق مساهمتها بنسبة غير قليلة من الدخل القومي وهذه النسبة تختلف من دولة إلي دولة أخري . فمثلا السودان تساهم الزراعة فيها بحوالي 90 % من الدخل القومي ، وفي الدول البترولية تساهم بحوالي 2% من الدخل القومي ، بينما في مصر تساهم الزراعة بحوالي 15% من الناتج المحلي الإجمالي المصري وذلك في عام 2005 وفي الماضي وحتى بداية الخمسينات كانت الزراعة تشكل نحو 70% من الناتج المحلي الإجمالي المصري ولكن مع دخول مصر مرحلة التحول للتصنيع منذ بداية الستينات بدأ دور الصناعة ينمو مع تلازم هذا النمو مع نمو قطاعات البناء والتشييد والطرق والمدن الجديدة والمواصلات والخدمات وبالتالي أصبح دور الزراعة الآن أقل من حيث مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي المصري .

¤ تعتبر الزراعة مصدر للغذاء والكساء لأفراد المجتمع : فمصر تكتفي ذاتيًا في كثير من المنتجات بفضل زيادة الإنتاجية والاعتماد علي مدخلات إنتاجية مكثفة مثل الأسمدة والأعلاف . مثلا لدينا اكتفاء ذاتي في الدواجن والبيض ومعظم منتجات الألبان وبعض البقوليات والأرز وكثير من الخضر والفاكهة .

¤ التجارة الزراعية الخارجية كانت تشكل معظم تجارة مصر قبل الستينات لكن بدأ دور الزراعة في التجارة يقل مع زيادة الصادرات الأخرى خاصة البترول والسياحة وتحويلات العاملين بالخارج لكن ما زالت الصادرات الزراعية تشكل نسبة كبيرة من صادرات مصر تصل إلي نحو 30% من جملة الصادرات السلعية وباستبعاد صادرات البترول تصل هذه النسبة إلي نحو 60% . إذن الزراعة لها أهمية في الصادرات السلعية المصرية .

ثانيا : الإسهام السوقي :

 يعتبر عدد المشتغلين بالزراعة خاصة بالدول النامية كبير جدًا ففي مصر نجد أن عدد كبير من السكان يعمل بالزراعة تبلغ نسبتهم حوالي 52-56% من عدد السكان ، ويقدر نسبة العاملين في الزراعة بنحو 31%من إجمالي القوة العاملة المصرية عام 1996 ونحو 28.6% عام 1999/2000 . وبالتالي نسبة كبيرة من السكان سكان زراعيين ، ومن هنا فالزراعة تعتبر سوق رائجة لترويج وبيع المنتجات من القطاعات الأخرى سواء كانت هذه المنتجات منتجات استهلاكية أو أدوات إنتاج وسواء كانت المنتجات الاستهلاكية عاجلة كالأقمشة وغيرها أو طويلة الأجل كالأدوات الكهربائية وغيرها .

ثالثا : الإسهام الموردي : يتمثل ذلك فيما يلي :

¤ تمد الزراعة كثير من الصناعات الأخرى بالمواد الخام اللازمة لها مثل المنسوجات القطنية والكتانية وصناعة السكر وصناعة ضرب الأرز والزيت والصابون والأعلاف والنشا والتصنيع الزراعي مثل تعليب الخضر والفواكه وتجميد المنتجات الغذائية بمختلف أنواعها .

¤ تمد الزراعة القطاعات الأخرى بعناصر الإنتاج كالأرض والعمل ورأس المال والإدارة ، حيث يتوقف تحرير القوة العاملة الزراعية لإمكان استخدامها في الصناعات اللازراعية علي مدي ارتفاع الإنتاجية الزراعية ، ومما لا شك فيه أن ارتفاع الإنتاجية الزراعية يؤدي إلي تحرير جزء من القوة العاملة الزراعية يمكن استخدامه في الصناعات الأخرى ، إلا أن ذلك يتوقف أيضًا إلي حد كبير علي مدي حركية عنصر العمل التي تتوقف بدورها علي كثير من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والتنظيمية والقانونية .

وهناك إسهام أخر من جانب رأس المال ، حيث تساهم الزراعة في حركة التنمية الاقتصادية من خلال إمكان تحويل رؤوس الأموال الزراعية إلي الصناعات غير الزراعية ، حيث كانت الزراعة مصدرًا رئيسيًا لرأس المال اللازم للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للقطاعات الأخرى غير الزراعية ، ومازالت الزراعة هي المصدر الوحيد لرأس المال اللازم للتنمية الاقتصادية في الدول النامية . وهناك طريقين رئيسين يمكن لرأس المال أن يسلكهما في تحويله من الزراعة إلي غيرها من القطاعات الأخرى غير الزراعية وهما : الضرائب والادخار .

فمن المعرف أن الجزء الأكبر من الوعاء الضريبي في البلاد النامية يكون مصدره قطاع الزراعة وتتولي الدولة استثمار حصيلة الضرائب في تمويل الجيش والتعليم والصحة العامة وإنشاء الطرق والكباري والبنية وغير ذلك من البنية التحتية .

واستثمار المدخرات الزراعية خارج الزراعة هو الطريق الثاني الذي يمكن أن يسلكه رأس المال عند تحوله من الزراعة إلي غيرها من الصناعات ، ويتوقف مدي استثمار الزراع ما يفيض عن حاجاتهم من الدخل خارج الزراعة علي عوامل كثيرة أهمها ما يلي :

× مستوي الدخل المزرعي .

× ميل الزراع للادخار .

× مستوي الإنتاجية الزراعية .         

× مدي عدالة توزيع الدخول الزراعية .

× مدي التقدم الفني في الزراعة .       

× نظم الحيازة الزراعية .

× مدى وفرة فرص الاستثمار خارج الزراعة .

أهمية التنمية اللازراعية في التنمية الزراعية :

كما أن التنمية الزراعية شرط ضروري للتنمية الغير زراعية ، فإن التنمية غير الزراعية شرط ضروري للتنمية الزراعية ، ويرجع ذلك إلي الدور الكبير الذي تقوم به التنمية الصناعية وغيرها في التنمية الزراعية ، فالصناعة تمد الزراعة بكثير من الخامات وبشطر كبير من رؤوس الأموال الثابتة اللازمة للإنتاج الزراعي فضلا إلي أن الصناعة تعتبر أيضًا مقصدًا للعمالة الزراعية الفائضة وسوقًا هامًا للانتجة الزراعية .

ويتضح دور الصناعة في التنمية الزراعية من خلال ما يقدمه للزراعة من الأسمدة والمبيدات الكيمائية بوصفها خامات زراعية يتطلبها الإنتاج الزراعي ، وحتى يمكن للصناعة أن تسهم من خلال ذلك في التنمية الزراعية يتعين عليها أن تمد الزراعة بمثل هذه الانتجة بمقادير متزايدة دون ما زيادة مطلقة أو نسبية في أسعارها ، بل وبانخفاض مطلق أو نسبي في هذه الأسعار حتى يمكن للزراعة أن تزيد من إنتاجها بنفس القدر من التكاليف أو بزيادة طفيفة . ولكن هذا لا يمكن حدوثه إلا إذا أمكن تنمية المقتصد الصناعي ومن هنا فإن التنمية الصناعية تعتبر إجراء ركيزيًا في التنمية الزراعية .

كما تساهم الصناعة في التنمية الزراعية من خلال إمدادها بالآلات والأبنية الزراعية وغيرها من المعدات الرأسمالية الثابتة بأسعار مناسبة .

وهناك جانب أخر لإسهام الصناعة في التنمية الزراعية من خلال استيعاب العاملة الزراعية الفائضة عن قطاع الزراعة ، حيث أن هذه العمالة الفائضة إذا استمرت داخل قطاع الزراعة تعتبر عائق أمام التنمية الزراعية ، وهكذا فإن تنمية الصناعة بالقدر الكافي لإتاحة فرص عمل جديدة كافية لاستيعاب فائض القوة العاملة الزراعية يعتبر شرطا ضروريا للتنمية الزراعية .

وأخيرًا فان أحد أهم المجالات التي يسهم بها المقتصد الصناعي في التنمية الزراعية هو أنه سوق لاستيعاب الانتجة الزراعية ، وهنا يجب التفرقة بين نوعين من الانتجة التي تستهلك داخل الصناعات غير الزراعية :

أولهما : الانتجة الرأسمالية أي الإنتاجية بوصفها موارد إنتاجية صناعية كالألياف وبعض الانتجة الغذائية وغيرها إذ كلما ازداد استيعاب الصناعة لهذه الانتجة كلما اشتد طلبها .

 وثانيهما : فهو الانتجة الزراعية التي يستهلكها السكان الصناعيين نهائيًا ، وأهمها الانتجة الغذائية وتزداد أهمية إسهام الصناعة في هذا المجال بازدياد السكان الصناعيين ولهذا فان الأهمية تزداد بازدياد التقدم الاقتصادي نتيجة لارتفاع الأهمية النسبية للسكان غير الزراعيين .

الاتزان بين التنمية الزراعية والتنمية غير الزراعية :

إذا كانت التنمية الزراعية شرطًا ضروريًا للتنمية الغير زراعية ، وإذا كانت التنمية الغير زراعية شرطًا ضروريًا للتنمية الزراعية ، فان الشرط الكافي لإحداث كل منهما أي إحداث التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشمولية هو أن تتم كل منهما في توافق مع الأخرى أي يحدث الاتزان الديناميكي بين التنمية الزراعية والتنمية الغير زراعية ، حيث أثبتت التجربة أن عدم الاتزان بين التنمية الزراعية والتنمية الغير زراعية كان مصدرًا لكثير من المتاعب في مجال التنمية الاقتصادية ، بل أن المشكلة الغذائية العالمية أن هي إلا نتيجة مباشرة لعدم اتزان التنمية الغير زراعية في برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الغالبية العظمي من الدول النامية ومنهم مصر .

 

المصدر: محمد إبراهيم محمد الشهاوي ، الاقتصاد الزراعي ، مطبعة الخطيب الديثة للنشر والتوزيع ، الاسكندرية ، 2009,
ElShahawy74

د. محمد إبراهيم محمد الشهاوي أستاذ الاقتصاد الزراعي المساعد كلية الزراعة (سابا باشا) - جامعة الاسكندرية

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 7946 مشاهدة
نشرت فى 28 إبريل 2012 بواسطة ElShahawy74

ساحة النقاش

Assistant Prof. Mohamed Ibrahim El-Shahawy

ElShahawy74
استاذ الاقتصاد الزراعي المساعد كلية الزراعة سابا باشا - جامعة الاسكندرية ت.منزل : 640 53 53 (03) 002 محمول : 305 91 97 (0100) 002 ت. عمل : 646 31 58 (03) 002 605 30 58 (03) 002 فاكس : 008 32 58 (03) 002 [email protected] [email protected] »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

180,464