من المؤسف أنه قد شاع فهم خاطئ للآية الكريمة ٣٢ من سورة الزخرف في التفاسير المتعددة وردده الدعاة المُحدثين .. يقول تعالي : " نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ، ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ، ليتخذ بعضهم بعضاً سُخرِيا، ورحمت ربك خير مما يجمعون " .. ذلك لأن التفاسير قد نظرت للفظ " معيشتهم " من زاوية الغني أو الفقر المادي ، وبالتالي إعتبرت أن القسمة هي بين الغني والفقر ، وأيضا إعتبروا أن القسمة قد إمتدت الي الدرجات فآل مرتفعة من نصيب البعض والمنخفضة من نصيب آخرين من الناس علي الإطلاق . وطبقاً لذلك فالله قد رفع بعض الناس درجات ، وهم يُسخرون الآخرين من ذوي الدرجات المنخفضة !!..ولهذا جاء التفسير بهذا الشكل المُشاع للآية الكريمة علي غير مُراد المنهج الشرعي وكذلك المنطق .. ولكن إذا تدبرنا الآية نجد أن قسمة المعيشة بين الناس لا تخص الغني والفقر بقدر القسمة في التنوع في القدرات والإمكانات بين الناس ، تلك التي تهئ الحياة التكاملية في المهن والأنشطة ، وأريحية الحياة ، ولهذا جاء الشطر الثاني من الآية الكريمة ، ليعطي معني التسخير للناس بعضهم لبعض تبادلياً وطبقاً للحاجة والقدرة وليس في المطلق .. مثلاً ، قد يأتي ولي أمر يوصيك كمعلم علي ولده في المدرسة ، هنا تكون أنت مُسخر في تنفيذ المهمة التي تقوم بها له ، ولكن عندما سألت ولي الأمر عن عمله ، فعلمت أنه ميكانيكي سيارات ، طلبت منه أن يأخذ مفتاح سيارتك ليري مافي السيارة من إضطراب ، فقدسخرته بذلك للمهمة ( فكل منكما مرتفع الدرجة في ذات الوقت ، ومُسخر للآخر أيضاً ) .. وفي هذا المعني ، إقرار بحقيقة وواقع الفروق الفردية التي هيأ بها الله الناس وفقاً للقدرة والإمكانية والتوجه ، وأيضاً فيه دفع للإنسان نحو الإخلاص في العمل وأداء الخدمة للآخر الذي سيقوم لك بالخدمة علي نحو ما وبنفس الإخلاص .. هنا يكون المعني قد تطابق مع توجهات الشرع ومنطق الحياة اليومية ومتطلباتها ، والله أعلي وأعلم بمراده ..