مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد :
عندما يفتح مجال الترشح للوظائف الحكومية والانتخابات النيابية... تتحرك في قلب المؤمن معان خفية..
لكنها هي أصل كل الأعمال والحركات الظاهرة وهي أصل كل توفيق وكذلك سبب لكل خذلان,
تستيقظ في القلب معانٍ كثيرة . .
ـ تستيقظ الرغبة في نصرة الدين ، وإنصاف المظلومين ،وقضاء مصالح الضعفاء والمحتاجين ، وإحقاق الحق وإبطال الباطل من موقع أكثر تأثيراً وأوسع انتشاراً.... فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن مما يجعل لصاحب هذا الموقع ثواباً أعظم..
هذا ما يتحرك في قلب المؤمن المتجرد الذي جعل نفسه لله وعاش قول الله تعالى ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) الأنعام
وفي الوقت نفسه لن تكون النفس الأمارة بالسوء بعيدة عن ساحة القلب, فتستيقظ شهوة النفس ورغباتها في التقدم لموقع أكثر حظاً ، وأوفر نصيباً من الشهرة ، والجاه ، والسلطان ، وربما المال أو أي متاع حقير ؛
وكذلك لن يكون الشيطان اللعين بعيدا عن ساحة القلب وهو ميدان المعركة التى أقسم الشيطان أن يشعلها بينه وبين الإنسان منذ أن حسده على سجود الملائكة له ، (قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين) سورة ص
من هنا فإن القلب قد يملؤه المعنى الأول ويكون صادقا لله متجردا مخلصا منصفاً لنفسه خصوصاً إذا كان من أهل التجرد لله والصبر والتضحية في سبيل الله .
بينما قد يكون غير ذلك فلا يوجد فيه شيءٌ من هذه المعاني اللهم إلا ادعاءات كاذبة يخدع بها نفسه قبل أن يخدع الناس, بل لا يوجد فيه إلا التعلق بالدنيا والحرص عليها وكلما تخيل نفسه في موقع أو منصب يقضي فيه شهوته اشتعلت في نفسه نار الحرص والطلب والتكالب على هذا المكان .
وقد يسكن القلب المعنيان معاً حتى إذا تصارعا وجد القلب ميلا مع هذا مرة حتى يكاد يجزم به ثم يغلب عليه الآخر فيميل معه ! ويصبح القلب حلبة صراع . . والحرب سجال . . والغلبة لأقوى الفريقين فريق الإيمان وإلهامات الملك من جهة ، وفريق الهوى وغرور الشيطان من جهة أخرى. والمنتصر من نصره الله ولم يكله إلى نفسه .
اللهم ثبت قلوبنا على دينك وصرَفها على طاعتك وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه وألهمنا رشدنا وقنا شرور أنفسنا .
لذا لزم أن نتواصى بالحق في هذا الأمر الذي يعتبر فتنة عصيبة ومحكا جاداً وظلمة لابد أن نستضيء فيها بنور القرآن وهدي السنة ودلالة أهل العلم والفضل فنقف عدة وقفات :
اللهم افتح علينا ووفقنا وتقبل منا.
الوقفة الأولى
مع وصايا النبى الحبيب صلى الله عليه وسلم
- وصَّى النبي صلى الله عليه وسلم صاحبه عبد الرحمن بن سمرة أن لا يطلب الإمارة فقال : يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة .
وبنى النبي صلى الله عليه وسلم وصيته هذه على سنة إلهية مطردة وهي بقية الحديث [ فإنك إن أُعطيتها عن مسألة وُكلت إليها وإن أُعطيتها عن غير مسألة أُعنت عليها ] رواه مسلم
قال بعض السلف : ماطلب الولاية أحد فأُعين عليها .
فمن طلب الولاية طلبا وكله الله إلى هذه الولاية ، وتركه هو وهي يصارع أعباءها ومشقاتها ومسؤلياتها وهي بالتأكيد أمر ثقيل لا يقدر عليه بدون عون من الله وتوفيق .
كما وصى صلى الله عليه وسلم أبا ذرفقال : ( يا أبا ذر إني أراك ضعيفا ، وإني أحب لك ما أحب لنفسي ، لا تأمَّرن على اثنين ، ولا تولين مال يتيم ) .
ومن التجارب الحية فإن الإنسان قد يرى الولاية تقسّم بين الناس فيسيل لها لعابه ، وتستيقظ أمانيه ! فيرى نفسه قادراً على إنجازات لم يقدر – في الحقيقة – على مثلها من قبل ! ولم يقدر عليها من هوا أكفأ منه ! ولكنه يظل يُمني نفسه ، وتظل نفسه تسول له ، تراوده ، وتعده وتقول : إن وليت سأفعل وأفعل ، كما يظل الشيطان ينفخ في هذه الأماني كما قال الله تعالى : ( يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً ) سورة النساء ويأتيه من اليمين والشمال وكل جانب , حتى إذا تولى . . وتمكن مما تمنى . . !!
إذا بكل التصورات الرهيبة ، والخطط الدقيقة ، والأعمال الغير مسبوقة قد تبخرت وطارت ولم يبق منها في دماغه شيء !!سبحان الله
ويجد نفسه واقفاً مخذولا في حيرة داهية ، وورطة عاتية ، ومأزق مأزوم ، لا يقدّر محنته وكربته إلا هو ! حتى إنه ليتساءل : أنى هذا ؟ ومن أين أوتيت ؟ وكيف لا أستطيع أن أفعل اليوم وأنجز ما أنجزته من قبل ؟ لقد كانت هذه الأمور لعبتي ؟ وأين ذهبت خبرتي ؟!!!
والسر أنه كان من قبل معاناً ولكنه اليوم مخذول عافانا الله من ذلك .
والعكس صحيح
يكون الإنسان متواضعاً فلا يرى قدراته ولكن غيره يراها فتُطلب منه ،أو تُفرض عليه ، أو يجد فرصة للدين والحق وليست له كما سيأتي . . فيستعين بالله فيفتح الله عليه ، ويجري على يديه مالا يتصوره حتى إنه ليتساءل : من أين هذا؟! وهو في الحقيقة توفيق وعون من الله تعالى لعبد أخلص له ، ولم ينظر لمغنم فيها ؛ وإنما لمغرم صبر عليه واستعان بالله عليه فكان حقاً على الله تعالى عونه ...
وهذا هوا السر الذي كان عامراً لقلب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأبى هذا السر إلا أن يفيض أثره على عمله ، ثم على عماله ومساعديه وكل مَن حوله ثم ، على الأعمال كلها في بقاع الخلافة .
عندما قرئ اسم عمر بن عبد العزيز كخليفة لم يستطع القيام من مكانه من شعوره بثقل البلاء ! واسترجع فأقاموه ، فلما انصرف إلى بيته أخذ يبكي أياما ويستنصح المقربين منه : ماذا يفعل في القيام بهذا الحمل الثقيل وهذه المسؤولية الملقاة عليه حتى يلقى الله تعالى غير خاسر ؟ فنصحه صاحبه : "صُم يا أمير المؤمنين ولا تفطر إلا بين يدي الله " وكانت هذه إشارة فهمها عمر بقلبه وعاشها كما يعيش المبتلى راجى النجاة والفرج فكان منه ما كان بتوفيق الله له حتى فرج الله عنه وختم له حياته بهذا العمل الصالح والإحسان الذي يُذكر به إلى اليوم .
الوقفة الثانية
مع وصف النبى صلى الله عليه وسلم للإمارة
لقد وصف النبى صلى الله عليه وسلم الإمارة بعدة أوصاف ؛فقال : (إنها أمانة) صدق صلى الله عليه وسلم ولا شك أن الإنسان مرهون بهذه الأمانة مكلف بها ليس مخيرا فى أدائها .. هذا فى الدنيا .
أما فى الآخرة فقد وصفها بقوله (وإنها يوم القيامة خزى وندامة) ؛لأن من تحملها سيوقف ويسأل عنها ...؟!
وقد قال صلى الله عليه وسلم عن هذا السؤال : ما من أمير يلى أمر عشرة من المسلمين ثم لم يجهد لهم ولم ينصح إلا لم يدخل معهم الجنة (رواه مسلم)
كما وصفها صلى الله عليه وسلم بأنها (نعمت المرضعة وبئست الفاطمة ) ! إنها إذا أرضعت أحسنت الر اع فإذا فطمت بالعزل أو الموت أساءت الفطام فصاحبها ينال من جانبها الكثير السهل كأنه يرضع ، ولكنه حين يعزل عنها يعيش محنة الفطام قبل موعده والحرمان الأليم من حلوها وعسلها . أما فى الاخرة فصاحبها موقوف ومسؤل
الوقفة الثالثة
مع الاستثناءات من الخزى والندامة
فى الوقت نفسه استثنى النبى صلى الله عليه وسلم من الخزى والندامة يوم القيامة من أخذ الولاية بحقها وأدى الذى عليه فيها ولذا أجاز العلماء أن يتعرض للإمارة من يجد فى نفسه قوة وقدرة على أداء حق الله فيها على نحو يفصله العلماء .....
قال النووى فى شرح صحيح مسلم : ( باب كراهة الإمارة بغير ضرورة ) :
قوله صلى الله عليه وسلم : ( يا أبا ذر إنك ضعيف ، وإنها أمانة ، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها وفي الرواية الأخرى : يا أبا ذر إني أراك ضعيفا ، وإني أحب لك ما أحب لنفسي ، لا تأمرن على اثنين ، ولا تولين مال يتيم .( هذا الحديث أصل عظيم في اجتناب الولايات ، لا سيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائف تلك الولاية ، وأما الخزي والندامة فهو حق من لم يكن أهلا لها ، أو كان أهلا ولم يعدل فيها فيخزيه الله تعالى يوم القيامة ويفضحه ، ويندم على ما فرط ، وأما من كان أهلا للولاية ، وعدل فيها ، فله فضل عظيم ، تظاهرت به الأحاديث الصحيحة كحديث : " سبعة يظلهم الله " ، والحديث المذكور هنا عقب هذا أن المقسطين على منابر من نور وغير ذلك ، وإجماع المسلمين منعقد عليه ، ومع هذا فلكثرة الخطر فيها حذره صلى الله عليه وسلم منها ، وكذا حذر العلماء ، وامتنع منها خلائق من السلف ، وصبروا على الأذى حين امتنعوا .
الوقفة الرابعة
مع فتاوى العلماء الأفاضل
فتاوى العلماء فى هذا الشأن كثيرة ومشهورة لكننا سنقتصر على فتوى جامعة لها كلها تقريبا :
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في فوائد قوله تعالى عن سليمان – عليه السلام - ( وهب لي ملكا ) :اختلف أهل العلم في جواز سؤال الإمارة، هل يجوز للإنسان أن يسأل الإمارة أو القضاء أو ما أشبهها من الولايات؟!
منهم من قال: إن ذلك جائز،
ومنهم من قال: إنه محرم،
ومنهم من فصَّل.
أما من قال إنه جائز، فاستدلوا بقصة يوسف، حيث قال لملك مصر: ( اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم ) [يوسف] فسأل الولاية، وشرعُ من قبلنا شرعٌ لنا، ما لم يرد في شرعنا ما يخالفه.
ـ كما استدلوا بحديث عثمان بن أبي العاص حين قال للنبي صلى الله عليه وسلم : اجلعني إمام قومي، قال: "أنت إمامهم".
أما من منع ذلك، فاستدل بحديث عبدالرحمن بن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها عن مسألة وُكلت إليها، وإن أُعطيتها من غير مسألة، أُعنت عليها".
فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل الإمارة، وبين له السبب، أن من أعطيها عن مسألة، وُكل إليها، ولم يعنه الله، ومن أتته من دون مسألة، أعانه الله عليها.
واستدلوا أيضاً بأن رجلاً طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون عاملاً، فقال: "إنا لا نولي هذا الأمر أحداً سأله"، وهذا يدل على أنه لا يُسأل، وأن من سأل، فليس أهلاً لأن يولى.
وفصَّل آخرون، فقالوا: إن سألها لإصلاح ما فسد منها، فإن ذلك جائز، إذا علم من نفسه القدرة، وإلا فلا يجوز، لأن السلامة للإنسان أسلم.
وهذا القول التفصيلي هو الصحيح، لأن به تجتمع الأدلة، فإن الإنسان مثلاً، إذا رأى ولاية قام عليها شخص ليس أهلاً لها، إما في دينه، أو أمانته، وتصرفه، وهو يعلم من نفسه القدرة على القيام بها على أحسن حال، أو على الأقل بوجه أحسن مما كانت عليه، فلا بأس أن يسألها، لأن غرضه بذلك غرضٌ عملي وإصلاحي ، وليس غرضه شخصياً.أما إذا لم يكن هنالك سبب، أو يعرف الإنسان من نفسه أنه ضعيف لا يستطيع القيام به، فلا يسأل، ولا يجوز أن يسأل ) أ.هـ تفسير سورة ص ، ص 175-
الوقفة الخامسة
كلٌ ميسرٌ لما خُلق له
إن عدم أهلية إنسان ما لولاية ما أو عمل ما لايقدح فى شخصه ولايعنى انتقاصا منه فكلٌ ميسرٌ لما خُلق له ، والرسول صلى الله عليه وسلم منع من الولاية أحد أصحابه وهو المشهور بالتقوى والزهد والورع والإعراض عن الدنيا !
إنه أبو ذررضى الله عنه من أوائل من أسلموا ثم ابتلوا وأوذوا فى سبيل الله وصبروا ثم هاجروا ثم جاهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن الله تعالى استعمله لدينه فى باب آخر غير باب الولاية على الناس
ولو أن إنسانا مثل هذا الصحابى الجليل قد تولى رغم ضعفه الذى رآه النبى صلى الله عليه وسلم لما أسعفه ضعفه فى القيام بمهام الولاية رغم حرصه على أداء الأمانة ! ولأساء فى حقها ! ولربما كان تاريخه اليوم مختلفا عن ما نقرأه عن أبى ذر القدوة ! ولربما فقدنا هذه القدوة النادرة التى نتأثر بها ونتعظ كلما طالعنا سيرته المباركة .
الوقفة الأخيرة بين المرء وقلبه
بهذه المقابلة بين الأحاديث يوجب الشرع الحنيف على الإنسان المؤمن أن يقف متجردا لله محايداً بين شهوته وهواه وبين مالله تعالى من أمر يحبه فى هذا الموقع من الإحسان فيه والعمل فيه بما يحب الله عز وجل ويرضى.
فإذاكان البعض يُقبل عليها بل يطلبها ويحرص عليها شهوةً ورعونةً مع عدم تقدير جيد للمسؤولية !
وآخرون يفرون منها ليس ورعاً وإنما طلباً للراحة وتهرباً من مسؤولية فى وقت قد تكون واجبة عليهم!
فإن الشرع الحنيف يرفض هذا ؛ كما يرفض ذاك .
بل يجب أن يكون الأمر لله وحده
قال السلف : رحم الله عبدا وقف قبل هَمّه .. فإن كان لله مضى ، وإن كان لغيرالله توقف .
وكل إنسان أدرى بقلبه وبمايقوم فيه من نية وعمل قلبى .
وقد قال ابن القيم : البصير من أبصر داءه ودواءه فابتعد عن دائه ولزم دواءه .
وعلى ذلك فإن المؤمن لايتهافت على الإمارة ولايحرص عليها ؛ فإنماهى حمل وأمانة ومسؤولية وابتلاء .
فإن رأى أنه باب من أبواب التقرب إلى الله تعالى وهوقادرعليه ولو تركه لغيره سيفسد فيه استعان بالله استعانة المبتلى على المكروه والبلاء
وإن صرفها الله عنه حمد الله تعالى حمد عبدٍ صُرف عنه البلاء وابتلى به غيره خصوصا إذاكان من سيتولى هذا المكان لن يفسد فيه .
عن عامر بن سعد بن أبى وقاص أن أباه سعدا كان فى غنم له فجاء ابنه عمر فلما رآه قال :أعوذ بالله من شر هذا الراكب . فلما انتهى إليه قال : يا أبت أرضيت أن تكون أعرابيا فى غنمك والناس يتنازعون الملك بالمدينة ؟ فضرب صدر ابنه عمر وقال :
أسكت فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله يحب العبد التقى الغنى الخفى ) رواه مسلم
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
الغني: الذي استغنى بنفسه عن الناس، غني الله عزّ وجلّ عمن سواه،
الخفي : هو الذي لا يظهر نفسه، ولا يهتم أن يظهر عند الناس، أو يشار إليه بالبنان، أو يتحدث الناس عنه،
ولكن لا يعني ذلك أن الإنسان إذا أعطاه الله علماً أن يتقوقع في بيته ولا يُعلم الناس، هذا يعارض التقى، فتعليمه الناس خيرٌ من كونه يقبع في بيته ولا ينفع الناس بعلمه، أو يقعد في بيته ولا ينفع الناس بماله ) أ.هـ
ولعل الله قد ادخر جهدعبده المؤمن لميدان آخر يُرضى الله فيه أويعلم الله أن ماهوفيه خيرله مماتقدم إليه (وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لاتعلمون) ..صدق الله العظيم
إن الله تعالى قد يصرف عن عبده عملا هو يريده ؛ ولكن الله يعلم أنه إن عمله أبعده عن الله مسافات ، فليست العبرة بالعمل وإنما بالقلب الذى ينبع منه العمل أولاً ، والقصد الذى قصده ، والنية التى عقدها ، والثواب الذى أمله ورجاءه ، وبنتيجة هذا العمل هل يقربه إلى الله أم يباعده عنه ؟ ثم بقبول العمل فى النهاية . وكل هذه أمور الله أعلم بها من عبده .
قال السلف : إن الله تعالى يغار على قلب عبده أن يسكنه غيره وقالوا : إن الله ليحمى عبده من الدنيا أكثر مما يحمى أحدنا وجهه عن الزنابير .
وإن العمل الواحد ليختلف من قلب إلى آخر حسب ما فى كل منهما من نية وصدق وإخلاص ومحبة لله وتوكل على الله تعالى هذافى العبادات فمابالك بغيرها ؟
لقد تولى كثيرون ولايات فأحسنوا فيها أعظم إحسان وكتب الله لهم فيهاكل نية ،وكل نَفَس ، وكل خطوة ، وعمل وكلمة ؛ وقد جعل الله على كل كلمة من كلماتهم نوراً ،وعلى كل عمل نوراً وأثرا مباركاً فى كل مكان حتى رحلوا من الدنيا وبقى نورهم فى آثارهم .
والعكس صحيح ؛ فكثيرون كانوا فى عافية وستر لكنهم فتنوا بالإمارة ، وملكتهم شهوة السلطة فلما تولوا كان هوى النفس ، ونفخ الشيطان معهم فى كل نية وفى كل خطوة وعمل فخذلهم الله تعالى (نسوا الله فأنساهم أنفسهم ) الحشر
فكانوا هم الصنف الذين قال الله عنه (فإذاتولى سعى فى الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لايحب الفساد) البقرة
إن من توفيق الله تعالى أن يرزق العبد البصيرة فى الإقدام والإحجام فيقدم حيث يحب الله الإقدام ويحجم فى غيره
نسأل الله تعالى أن يوفقنا ويسددنا ويستعملنا لدينه ولا يستبدلنا ونسأله تعالى أن يرزقنا وإخواننا البصيرة عند ورود الشبهات والقوة عند ورود الشهوات . آمين
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم