كيف جري إفساد مصر والمصريين؟ |
تعطيل الأجهزة الرقابية وحمايـــة الفـســاد والمفسـدين.. بالقانون |
40 مليار جنيه عمولات سمسرة المقاولات فقط
٤٩ عميلا يحصلون علي ٥٢١ مليار جنيه قروض من البنوك
اقتصاد سري لا تعرفه الحكومة يبلغ ٠٠٥ مليار جنيه
< < كيف جري إفساد مصر والمصريين خلال حكم الرئيس السابق حسني مبارك؟.. منذ تولي مبارك الحكم تجمعت حوله جماعات من رجال الاعمال خلقت لنفسها شبكة سرية للفساد والافساد فاختلط المال الحرام بالسلطة وقراراتها ولم يكتف مبارك بذلك بل اصدر قرارات هدفها إفساد الافراد والجماعات ومؤسسات الدولة.. ليتحول الامر كله خلال ٠٣ عاما إلي فساد مجتمع كله!.. بهذه الكلمات البسيطة بدأ الحوار والمناقشة بين نخبة من رجال الاقتصاد والمفكرين بمصر في منظمة تضامن الشعوب الافريقية الاسيوية حول كتاب »اقتصاديات الفساد في مصر« للخبير في الشئون الاقتصادية عبدالخالق فاروق.
»اخبار اليوم« حضرت الندوة، والتقت بالمؤلف، واستمعت إلي خبراء الاقتصاد في مصر للاجابة عن السؤال الصعب: كيف جري إفساد مصر والمصريين طوال عهد مبارك. < <
يقول عبدالخالق فاروق الخبير في الشئون الاقتصادية: الفساد في عصر مبارك تحول من مجرد انحرافات شخصية محدودة، إلي بنية مجتمع بأكمله من خلال قوانين وتشريعات اصدرها خلال فترة حكمه.. وظهر نوعان من الفساد هما فساد الكبار من رجال الحكم ورجال المال والاعمال والبوليس والادارة الحكومية وفساد الصغار ويتمثل في انتشار الدروس الخصوصية، وتقاضي الرشوة والاكراميات مقابل اداء الوظائف للجماهير، وامتدت شبكة الفساد لتشمل الخدمات الحكومية كافة من اقسام الشرطة مرورا بالمستشفيات العامة وخدمات الصحة.
اما كيف تم هذا؟.. فكان من خلال قوانين واضحة لإفساد المؤسسات الرئيسية للمجتمع كمجلسي الشعب والشوري والمؤسسات الصحفية والاجهزة الامنية والمؤسسة القضائية والنقابات.. كما تم تعطيل عمل الاجهزة الرقابية سواء كانت رقابة شعبية كالصحافة أو اجهزة رقابة رسمية مثل الرقابة الادارية ومباحث الاموال العامة بتورط بعض قياداتها في الفساد واختيار قياداتها واعضائها من خلال الوساطة والمحسوبية تم صياغة قوانين تحميهم.. فأعضاء مجلس الشعب لابد ان يكونوا من قيادات الحزب الحاكم ويغلب الطابع الشخصي في اختيارهم لا الكفاءة والموضوعية، وان يكونوا من المتبرعين للحزب أو من بعض قياداته المؤثرة.
اما القضاء فجري افساده بطريقتين الاولي السماح لضباط الشرطة بالالتحاق بسلك النيابة العامة وقد ادت هذه السياسة إلي انضمام ٣ آلاف ضابط شرطة إلي سلك القضاء والذي تميز طوال تاريخه الطويل بالعقل القانوني المدني، فاذا به يتحول إلي العقل القانوني ذي الطابع الأمني.. اما الثانية فإنه مع تزايد اعداد الخريجين من كليات الحقوق، ظهرت الوساطة والمحسوبية وتعيين ابناء القضاة واقاربهم في سلك النيابة العامة ثم حدث ما هو اخطر بندب القضاة والمستشارين للعمل في الوزارات والهيئات والمصالح الحكومية كمستشارين لها وهو ما جعلهم خبراء تحت طلب السلطة التنفيذية خاصة الوزراء مع إغداق مكافآت مالية شهرية علي القضاة المنتدبين.
حجم الفساد
ويضيف عبدالخالق فاروق :لقد قمت برصد حجم الفساد في عدة قطاعات ووجدت نفسي امام كوارث حقيقية بسبب نسب العمولة المحددة في القانون.. ففي قطاعات المقاولات والبناء والتشييد فان الدولة تكلفت ٠٠٤ مليار جنيه لاعمال البنية الاساسية، ولان هذا القطاع يعتمد علي نظام معين لإسناد المناقصات وفتح المظاريف، حيث يحدد القانون نسبة من ١ إلي ٠١٪ تذهب كعمولات إلي نسبة محددة وهكذا نكون امام ٠٤ مليار جنيه عمولات ذهبت إلي قلة من المتعاملين في هذا القطاع.
اما قطاع الاستيراد والتصدير، فإن حجم البضائع التي تعاقد عليها القطاع الخاص طوال حكم مبارك يصل إلي ٠٨ مليار دولار، فاذا قدرنا نسبة عمولة للوسطاء والسماسرة تتراوح ما بين ١٪ و٥.٢٪ وهي النسب المعروفة فبالتالي يكون لدينا ٢ مليار دولار، عمولات ذهبت لهؤلاء.. اما ديون مصر الخارجية شبه معدومة فقد حققت ارباحا لاصحابها تتراوح ما بين ٠٥١ إلي ٠٠٢ مليون دولار.
وفي قطاع الخصخصة قدرت اصول شركات القطاع العام بمبلغ ٠٠٣ مليار جنيه وتشير تقارير الجهاز المركزي إلي ان ٤٩١ شركة جري بيعها بنحو ٠٥ مليار جنيه اي ان نصف شركات القطاع العام بيعت بنصف القيمة المقدرة، وذهب إلي دهاليز الفساد مائة مليار جنيه وزعت عمولات علي رؤساء وزراء ووكلاء وزارة وكبار مسئولين.
اما قطاع البنوك فإن احدث تقرير للجهاز المركزي يقول ان ٤٩ عميلا للبنوك الاربعة قد حصلوا علي نصف حجم القروض المصرفية والتي تبلغ ٥٢١ مليار جنيه، وان ٥٢ عميلا قد حصلوا من البنك الاهلي علي ٠٤٪ من القروض الممنوحة لكل قطاعات الاعمال العامة. .
وقد حصل هؤلاء علي ٥٤ مليار جنيه ومن بين هؤلاء رجل اعمال حصل علي قرض قيمته ٢ مليار جنيه بضمان قطعة ارض حصل عليها من الحكومة لاقامة مدينة سكنية لم يسدد من ثمنها اي مليم.
فساد الصغار
اما فساد صغار الموظفين فإن السياسة الاقتصادية والاجتماعية التي انتهجها مبارك ادت إلي ادخال الفقراء إلي دائرة الإفساد علي نطاق واسع فعلي سبيل المثال فان تدهور الاجور ادي بالمدرسين إلي السفر للخارج أو لاعطاء الدروس الخصوصية والتي يقدر حجم انفاق الاسرة المصرية عليها ٠١ مليارات جنيه سنويا.
اما في قطاع الامن فإن هناك ٥١ مليون محضر شرطة سنويا وتنظر المحاكم ٣ ملايين قضية ومجمل القضايا امام القضاء المصري ٠٣ مليون قضية وتكون محصلة هذه القضايا ثلاثة مليارات جنيه تنفق في دهاليز المحاكم سنويا في دوائر خفية وعمليات فساد واسعة النطاق.. اما المستشفيات فيتردد عليها سنويا ٧٤ مليون مواطن تتنوع امراضهم ومشكلاتهم الصحية والمصابون بالامراض الخطيرة مثل السرطان والفشل الكلوي والكبد الوبائي فان عددهم ٥.٦١ مليون انسان.
اما حجم الاقتصاد الخفي فان الارقام تشير إلي ان الاحجام الكلية وتدفقات الاقتصاد الخفي والاموال السوداء تتراوح بين ٧٥ إلي ٠٧ مليار جنيه سنويا وهو ما يعادل ٠٢٪ من حجم الناتج المحلي الرسمي وان حجم الاقتصاد الخفي يصل إلي ٠٠٥ مليار جنيه وفي المحليات فإن هناك ٥٢ مليار جنيه يتم توزيعها في صور شتي علي اعضاء هذا القطاع الحيوي في مصر.
ويعلق د.عمار علي حسن استاذ الاجتماع السياسي علي حديث الفساد بقوله: هناك تلازم بين الفساد والاستبداد وأن هناك علاقة تبادلية بينهما فالفساد يؤدي إلي الاستبداد، والاستبداد يؤدي إلي الفساد فالذي يجمع ثروة طائلة يحتاج إلي صاحب المنصب الذي لايجد من يحاسبه وبالطبيعة يتحول هذا المنصب إلي الفساد.. لقد حدث تلاق وبالتالي كنا امام عصابة أو مافيا.
ويضيف: وخبراء الاقتصاد يقولون انه احيانا يكون هناك فساد ويحدث انتعاش اقتصادي وهناك ٦٧ دولة عرفت اشكالا من الفساد الاسود أو الاقتصاد الخفي، ولكن الاموال كانت تستخدم في نفس البلد وفي مشروعات ذات عائد عليها، ولكن الظاهرة المصرية ان الاموال هربوها إلي الخارج، أو انفقت علي مشروعات ترفيهية استهلاكية.. وقد عرفت مصر ظاهرة السرقة بالقانون اي سن القوانين لحماية الفساد، وللاسف الشديد الاجهزة الرقابية تم تعطيلها وبدلا من ان تراقب فإنها رسمت خريطة السرقة مقابل عمولات محددة.
انحراف سياسي
اما المهندس يحيي حسين وكيل اول وزارة الاستثمار والذي فجر قضية بيع عمر افندي فيقول: ان مشكلة الفساد في مصر انه ممنهج.. وانه وصل إلي الجذور اي لكل طبقات المجتمع وبالتالي يحتاج إلي عملية جراحية لاستئصال هذا الفساد، لانه لا يوجد قطاع في مصر الان إلا ونخر فيه سوس الفساد.
فساد سياسي
ويضيف د.نادر فرجاني استاذ التنمية الاقتصادية ان اخطر ما عرفته مصر ليس هو الفساد المالي الذي تتحدث عنه.. انما الفساد السياسي والذي نجح في افساد البنية القانونية بوضع قوانين لحماية الفساد مما حدث ايام حكم مبارك من تزاوج خبيث بين السلطة السياسية والثروة.
ساحة النقاش