وكان وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط قد أعلن، أواخر العام الماضي، أن قرية " أم الرشراش " ليست أرضا مصرية، وفقا لاتفاقيتي عامي 1906 و 1922، مشيرا إلى أنها كانت ضمن الأراضي المعطاة للدولة الفلسطينية، وفقا لقرار الأمم المتحدة 181 في نوفمبر عام 1947 .
وأضاف أبو الغيط : "إن حدود مصر في العصر الحديث هي الواردة في اتفاقيتي عامي 1906 و 1922، مؤكدا أن قرية أم الرشراش لا تدخل وفقا لهذين الاتفاقيتين ضمن الأراضي المصرية" .
وأوضح أبو الغيط أن إسرائيل دخلت إلى هذه القرية بالعدوان على حقوق الفلسطينيين في أراضي الدولة الفلسطينية بعد تطويق الجيش الإسرائيلي قطاع غزة واقترابه من العريش .
وأضاف أن معاهدة السلام مع إسرائيل تعتمد على خط الحدود وفقا لاتفاقيتي عام 1906 و 1922، مؤكدا أن ما يثار من مطالب بهذا الشأن إنما يسعى لاستثارة مشكلة لا يجب أن تكون .
وتُعد "مصرية" قرية أم الرشراش، والتي أطلق عليها الكيان الصهيوني مسمى "إيلات"، قضية قديمة، اثيرت منذ الثمانينيات، كما أنشئت منظمة مصرية خاصة للمطالبة بعودتها للوطن الأم مصر، مطلقة على نفسها اسم "الجبهة الشعبية المصرية لاستعادة أم الرشراش" .
تأسست هذه المنظمة قبل 15 عاما، وتضم مجموعة من الباحثين والحقوقيين وأساتذة قانون دولي وجغرافيين، جميعهم يؤكدون على أحقية مصر في قرية أم الرشراش المعروفة حاليا بميناء إيلات الشهير، والواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1949.
تصريحات سابقة
والغريب في الموضوع، أن هناك الكثير من المواقف والتصريحاتـ، التي تؤكد مصرية هذه القرية، منها مطالبة الرئيس المصري محمد حسني مبارك، الإسرائيليين عام 1985 بالتفاوض حول أم الرشراش، التي أكدت مسبقا جامعة الدول العربية بالوثائق أنها أرض مصرية، كما كتبت نشوى الديب في جريدة العربي المصرية.
كما أعلن الرئيس مبارك، كما ورد بجريدة العربي، في عام 1996 أن أم الرشراش مصرية. وفى مفاوضات تحرير طابا قفز أسامة الباز وصرخ في عزرا فايتسما وقال له إذا كنت تجادل في تحرير طابا فأعطنا أم الرشراش .
كما نسب بيان للباز أكد أنه أدلى بتصريحات أعلن فيها أن بلاده "سوف تلجأ إلى استخدام ذات الأساليب التي حررت بها طابا لاستعادة أم الرشراش، لأنها من بين القضايا المعلقة بين مصر وإسرائيل" .
|
|
|
|
ابو الغيط : أم الرشراش فلسطينية |
|
|
|
أدلة وبراهين
وبالعودة إلى مذكرات محمود رياض، أمين عام جامعة الدول العربية الأسبق، نجد أنها تؤكد أن احتلال إسرائيل لمنطقة أم الرشراش لم يكن مجرد حدث عادي، بل كان حدثا مهما ترتب عليه العديد من الأحداث الجسام .
وأشار رياض إلي أن احتلال إسرائيل لتلك المنطقة كان يهدف أساسا إلي فصل مصر عن المشرق العربي، وفقا لرواية رئيس الوزراء الأردني توفيق باشا أبو الهدي التي أقر بها في مؤتمر رؤساء الحكومات العربية الذي عقد في يناير 1955، عندما قال إنه عندما بدأت القوات اليهودية في تقدمها جنوبا باتجاه خليج العقبة في مارس 1949 لاحتلال أم الرشراش جاءه الوزير المفوض البريطاني في عمان ليقول له أن حكومته تري ضرورة استمرار المواصلات البرية بين مصر وباقي الدول العربية .
وتقترح لذلك إرسال كتيبة بريطانية إلي مدينة العقبة لمنع اليهود من الوصول إلي الخليج، حيث كانت الحكومة البريطانية ترغب في الاحتفاظ بخطوط مواصلاتها بين قواتها في قناة السويس وقواعدها في الأردن والعراق والخليج .
وقال أبو الهدي إن الكتيبة وصلت فعلا إلي ميناء العقبة الأردني علي أن تتحرك في الوقت المناسب لوقف التقدم اليهودي، إلا أنها ظلت في ميناء العقبة دون أن تتحرك لتنفيذ المهمة المكلفة بها، بينما استمرت القوات اليهودية في تقدمها لاحتلال أم الرشراش .
وأوضح رئيس الوزراء الأردني أنه طلب من القائد الإنجليزي تفسيرا لعدم تعرضه للقوات اليهودية إلا إذا اعتدت على الحدود الأردنية ليكتشف بعد ذلك أن أمريكا ضغطت على الحكومة البريطانية لتغيير سياستها في الحرب الصهيونية والسماح للعصابات الإسرائيلية باحتلال أم الرشراش، وهو ما يؤكد التواطؤ الأمريكي في عدوان إسرائيل واستيلائها علي قطعة من أرض مصر بهدف الوصول إلي خليج العقبة .
بينما يؤكد العديد من الخبراء الاستراتيجيين أن أم الرشراش قطعة من أرض مصر، ومنهم اللواء صلاح سليم أحد أبطال حرب أكتوبر ومدير أحد مراكز الأبحاث القومية الاستراتيجية في مصر، حيث قال في إحدى الندوات: "إن هناك أرضا مصرية ما زالت محتلة وهى منطقة او قرية تسمى "أم الرشراش" ، والتي أصبح اسمها فيما بعد - وفى غفلة منا أو من الزمان" إيلات "!! .
وذكر اللواء عددا من الأدلة التاريخية التي تؤكد على أن إيلات مصرية منها على سبيل المثال وجود استراحة للملك فاروق هناك .
وكانت لجنه العلاقات الخارجية في مجلس الشعب برئاسة الدكتور مصطفى الفقي قد عقدت اجتماعا، قال فيه الدبلوماسي المصري إن الخارجية لا تتقاعس عن البحث عن أي ذرة من تراب مصر وطابا خير دليل على ذلك، كان ذلك بعد أن شددت وزارة الخارجية المصرية، على لسان مساعد وزير الخارجية للشؤون القانونية عبد العزيز سيف النصر، على أن القرية هي أرض فلسطينية وليست مصرية، مشيراً إلى أن حدود مصر الدولية مع إسرائيل حددتها معاهدة كامب ديفيد الموقعة عام 1979.
|
|
|
|
هويتها المصرية نُزعت منها مؤخرا |
|
|
|
وأنبرى مجموعة من البرلمانيين المصريين لمطالبة الحكومة التحرك لإرجاع قرية أم الرشراش، منهم النائب المستقل في مجلس الشعب محمد العدلي، حيث تقدم ببيان عاجل إلى المجلس يؤكد أن مدينة "إيلات" أرض مصرية يجب استرجاعها.
كما شدد البرلماني الإخواني عباس عبد العزيز العام الماضي على ضرورة استعادة قرية أم الرشراش المصرية، وألا يتهاون المسئولون في هذه القضية الخطيرة، وخصوصاً أنها قرية مصرية مئة في المئة، وأن التاريخ لن يغفر لمن يتهاون في مصلحة البلاد.
ومن جهتها، أعلنت الجبهة الشعبية المصرية لاستعادة أم الرشراش، في بيان خاص بها أنها ستتخذ عدة تدابير لمواجهة تصريح مسئول الخارجية المصرية الذي ينفي ملكية مصر لقرية أم الرشراش وأنها تعد ملفا يضم وثائق وأدلة تؤكد هذه الملكية، مشيرا إلى أن استمرار هذه المنطقة الاستراتيجية في يد إسرائيل يهدد الأمن القومي العربي، مشيرة إلى أن هناك مشروع خطير "لحفر قناة تربط بين إيلات والبحر الميت للقضاء على قناة السويس لإحكام الطوق حول الدول العربية والإسلامية".
أم الرشراش في سطور
واستنادا إلى الحقائق التاريخية، التي أوردتها جريدة الكرامة، فإن أم الرشراش أرض مصرية، كما ورد في الوثائق الدولية والحدود السياسية المصرية الفلسطينية، طبقا للفرمان العثماني الصادر في عام 1906، يمسها خط أم الرشراش.
وتقدر مساحة القرية بـ1500 كليومتر مربع. وقد احتلتها (إسرائيل) بالكامل غدرا، في مارس 1949، عقب قرار وقف إطلاق النار، مستغلة انسحاب الحامية الأردنية التي كانت تحت إمرة قائد إنجليزي فانفتح الباب أمام العصابات الصهيونية لتنفيذ مخططها للحصول علي موطئ قدم، ومنفذ بحري علي البحر الأحمر.
وكان العقيد "إسحاق رابين"، الذي أصبح رئيسا لوزراء الكيان الصهيوني، هو قائد عصابات الصهاينة المهاجمة لأم الرشراش.
وقامت هذه العصابات بقتل جميع أفراد وضباط الشرطة المصرية في المدينة، وعددهم 350 شهيدا روت دماؤهم رمال أم الرشراش بالرغم من أن "عصابات رابين"، دخلت المدينة دون طلقة رصاص واحدة، لالتزام قوة الشرطة المصرية بأوامر القيادة بوقف إطلاق النار. ويستعرض الدكتور صفي الدين أبو العز، رئيس الجمعية الجغرافية المصرية، وصف هذه المنطقة جغرافيا وتاريخيا بقوله : تقع منطقة أم الرشراش في الموقع القديم الذي يقع في الطرف الشمالي الغربي لخليج العقبة وكانت في العصر الإسلامي ملتقى الحجاج المصريين وحجاج بلاد الشام في طريقهم للأراضي المقدسة وقد انتعشت التجارة فيها كميناء رئيسي لمرور الحجاج .
وكانت تحت الحكم المصري في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي وأثناء حكم الطولونيين وازدهر العمران بها غير أنها سقطت في يد الصليبيين أثناء الحروب الصليبية حتى حررها صلاح الدين الأيوبي بعد معركة بحرية طاحنة وطرد الفرنجة منها، لكنهم عادوا من جديد ليتمكن السلطان الظاهر بيبرس من طردهم منها نهائيا عام 1267 ميلادية واستردها فاستعادت مكانتها الدينية للحجاج وأقام الغوري عليها قلعة لحمايتها كميناء مهم لمصر .
|
|
|
|
أسحاق رابين (يمين) محتل أم الرشراش مع موشيه ديان |
|
|
|
وتعود تسمية تلك المنطقة بـ " أم الرشراش " إلي إحدى القبائل العربية التي أطلقت عليها ذلك الاسم، وظلت تحت الانتداب البريطاني إلي أن سيطر عليها الإسرائيليون واحتلوها وطمسوا معالمها وقاموا بتحريف اسمها إلي " إيلات " وأصبحت تمثل لهم موقعا استراتيجيا مهما حيث أن أكثر من 40 % من صادرات وواردات إسرائيل تأتي عبر ميناء إيلات الذي احتلته إسرائيل من مصر .
لماذا أم الرشراش ؟
ويبين خالد يوسف، الكاتب في شبكة المسلم، أسباب احتلال أم الرشراش من قبل الصهاينة قائلا: " تتعدد الأسباب والنتائج التي تقف خلف استهداف واحتلال وتغيير اسم وهوية أم الرشراش, فهي بين جيوسياسية, وعسكرية, واقتصادية:
- فباحتلال أم الرشراش انقطع التواصل البري بين الدول العربية في شرق البحر الأحمر وغربه, وأصبح تحت السيطرة الصهيونية, ولا يحتاج الأمر إلي جهد كبير لمعرفة الآثار الاقتصادية والعسكرية والسياسية لوجود هذا العائق.
- القضاء علي فرضية أن البحر الأحمر "بحيرة عربية", بكل ما لهذا من تداعيات علي الاستراتيجيات العسكرية لحماية الحدود البحرية شديدة الامتداد لمصر والعربية السعودية والسودان واليمن.
- طرح بديل لقناة السويس بمشروع قناة أم الرشراش "إيلات" إلي البحر الميت.
- ابتداع حق للكيان الصهيوني في مياه خليج العقبة, الذي كان خليجا مصريا سعوديا أردنيا خالصا, الأمر الذي يعطي الفرصة للكيان الصهيوني لخلق الأزمات مع أي من الدول المطلة علي الخليج, في أي وقت يريد.
- لتمتع بمنفذ علي البحر الأحمر, لخدمة الأهداف الاستراتيجية للكيان الصهيوني في شرق ووسط القارة الأفريقية من ناحية, وللوصول بقواته البحرية, بما فيها غواصاته النووية, إلي العمق الجغرافي لمصر والعربية السعودية والسودان واليمن."
يذكر أن مشكلة أم الرشراش ليست هذه المشكلة الوحيدة التي لم يُحسم أمرها خلال محادثات السلام بين الجانب المصري والإسرائيلي، بل هناك مشكلات، وهي:
- مسألة محاكمة مجرمي الحرب من الجيش الإسرائيلي المتهمين بقضية قتل أسرى من الجيش المصري في حرب أكتوبر والتي جددت مصر مطالبتها بالنظر في القضية عام 2003.
- امتناع إسرائيل التوقيع على معاهدة منع الانتشار النووي .
- قضية الأموال التي تعتبرها مصر "أموالا منهوبة" نتيجة استخراج إسرائيل للنفط في سيناء لمدة 6 سنوات.
|
ساحة النقاش