الدكتور: السيد عبد المنعم حجازي

Lecturer of commercial science in ministry of higher education, HICSC. Elaresh. Egypt

تصور مقترح لإدارة امتحانات الشهادة الثانوية العامة فى مصر

مقـــدمـــــة:

يشغل التعليم الثانوي بأنواعه المختلفة مكانا هاماً فى السلم التعليمي لأى نظام للتعليم، ذلك أنه من ناحية، يمثل التعليم الذى "يعد خريجيه لدخول الجامعات والمعاهد  العليا التى تزود المجتمع بقياداته والمختصين فيه فى مجالات النشاط المختلفة، وهو من ناحية أخرى ـ يعد فئة كبيرة من خريجيه للدخول مباشرة فى سوق العمل فى كثير من المهن الماهرة والمتوسطة مكونين بذلك القاعدة البشرية الكبرى للبناء الاقتصادي، وهو فوق ذلك نوع التعليم الذى يعكس حالة البلاد الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية فحجم هذا التعليم، مقيسا إلى حجم التعليم  كله أو حجم الشباب فى سنة، ومستوى هذا التعليم أو درجة كفايته، والفلسفة التربوية المعلنة التى تقوده أو تحركه، كلها مؤشرات أو دلالات لمدى النضج أو النمو أو التقدم الذى يحرزه بلد من البلاد أو مجتمع من المجتمعات"(<!--) ولذلك يسعى كل مجتمع " لأن يجعل تعليمه الثانوي قادراً على  قيادة الشباب، وتكوينهم من أجل القيادة والبناء "(<!--).

وإذا كان التعليم الثانوي يكشف عن حالة البلاد الاقتصادية، فذلك يرجع إلى أنه "يسهم بدرجة أكبر مما يسهم به التعليم الابتدائى والتعليم العالى فى تقريب التباينات فى توزيع الدخول بين السكان" (<!--).

أما من الناحية الاجتماعية فقد " غدت أوضاع التعليم فى مصر أمرا يؤرق قيادات الحكم فى مستوياته المختلفة، ويشغل أهل الرأى فى الأحزاب السياسية، وفى النقابات المهنية، وفى المؤسسات الصناعية والاقتصادية، كما أنها تستحوذ على اهتمام المواطنين بعامة آباءً، وأمهات، وتلاميذ" (<!--).

وفى الآونة الحاضرة يدور جدل تعليمى حول هذه المرحلة (أهدافها، تنظيمها، مناهجها، طرق التدريس فيها، امتحاناتها، طرق التقويم فيها)، حيث استقرت الأمور بالنسبة للتعليم الأساسى فلسفة، وتطبيقا- إلى حد كبير- فتوحدت، أو تشابهت نظمه فى أغلب البلاد، كما استقرت مناهجه، وأساليب التعليم فيه، ونظم امتحاناته، وطرق تقويمه، أما التعليم الثانوي فقد اختلفت نظمه، ومازالت، اختلافاً كبيرا، كما اختلفت فلسفاته، وأهدافه، ومناهجه، ونظم امتحاناته، وطرق تقويمه حتى داخل البلد الواحد.

ويعبر هذا الجدل عدم رضا المجتمع عن نظام التعليم قبل الجامعى، خاصة، التعليم الثانوي العام منه، لأنه قد جدت متغيرات أدت إلى إخفاق نظام التعليم فى مصر فى مواضع عديدة، منها:

<!--غياب الإستراتيجية التى تبلور سياسات التعليم، وغياب الطابع القومى فى نظام التعليم، مع عدم إسهام من يعنيهم الأمر فى تطويره، بما أدى إلى عجزه عن مواجهة التغيرات الاجتماعية، والاقتصادية، والعلمية، والتقنية، بسبب افتقاره إلى المبادأة،  واحتذائه نماذج أجنبية فى التنمية، وغضه الطرف عن ذاتية المجتمع المصرى، وهويته الثقافية، واحتياجاته الحقيقية، وغياب وعى الجماهير، وضعف الثقة فى التعليم، وعدم مساندته معنويا.

<!--عدم التناسق بين التعليم النظامى، والتعليم غير النظامى.

<!--التناقض بين ما تقدمه المدارس، وما تبثه وسائل الإعلام (<!--).

ويضاف إلى ذلك أمر غاية فى الأهمية، ويمس مباشرة - إلى حد بعيد - موضوع الدراسة الحالية يتمثل فى "إن المناهج لا تلبى مطالب التعليم، أو البيئة، ويغلب عليها الطابع النظرى، وأنها معينة على الحفظ والاستظهار والتلقين، وأنها تهمل ميول الأفراد ومواهبهم، وأن الامتحانات تدرب على التذكر، ولا تستثمر إمكانات العقل الإنساني"(<!--).

وبذلك تكون الامتحانات هى إحدى قضايا التعليم الثانوي المختلف عليها خاصة الامتحانات المؤهلة للجامعات، والتى تمثل ركنا أساسياً من أركان العملية التربوية، لا تستقيم إلا به فلا تستطيع العملية التربوية - أو القائمون عليها - أن تضبط مسارها أو تصحح اتجاهها أو تشخص أوضاعها، وتتعرف على نقاط القوة والضعف فيها، إلا عن طريق نظام التقويم السليم الذى لا تحكمه العادة بقدر ما تحكمه المفاهيم الجديدة للتقويم(<!--) ورغم ذلك، فنظام التقويم فى التعليم  الثانوي - فى مصر- قائم على الامتحانات بصورتها التقليدية، ويقع على قمتها امتحان الشهادة الثانوية العامة، الذى يعقد على مستوى الدولة، وتشرف عليه وزارة التربية والتعليم إشرافا كاملاً من خلال إدارة التقويم والامتحانات(<!--).

ومنذ أمد بعيد والمهتمون بقضايا التعليم الثانوي ينادون  بضرورة إصلاح نظم الامتحانات وفى التراث التربوى الحديث فى مصر، أعطى محمد على اهتماماً كبيراً للتعليم الثانوي الحديث، الذى يعد الطلاب للمدارس العليا التى تمد الجيش والإدارة الحكومية بالضباط والأطباء والمهندسين والموظفين والمترجمين (<!--).

وقد ورث التعليم الثانوي فى مصر مجموعة من المفاهيم التى تقيده، ولعل أخطرها ما يذهب إليه بعض الخبراء والمفكرون من أن " نظام التعليم فى مصر يتميز بقسمته الجائرة بين تعليم ثانوى عام أكاديمى فى أهدافه ومحتواه يؤدى إلي تعليم جامعى عالى، وتعليم فنى يكاد يكون مغلقا لخريجيه، وأن هذا التنظيم يرجع إلي أوضاع قديمة، وأفكار ضيقة، ولا يسمح بتكافؤ فرص التعليم لجميع المواطنين، بل إنه يرسّخ مفاهيم التمايز الاجتماعى كما أنه لا يحقق المطالب الاجتماعية للتعليم " (<!--).

وطوال العشرين سنة الماضية ظلت الرابطة الدولية لتقييم الإنجاز (International Association for Achievement Evaluation) فى مقدمة الهيئات الساعية إلى تطوير مقاييس للإنجاز التعلمى قابلة للمقارنة بين البلدان الصناعية والبلدان النامية، وكانت تلك الرابطة تركز فى بواكير أنشطتها على أهمية اشتمال الاختبارات على معالجة للنصوص النثرية المتصلة، سردية كانت أم عرضية، ومعالجة وثائق مثل الجداول والأدلة، والإشارات، والوصفات(<!--).

مشكلة الدراسة:

تشهد السياسة التعليمية فى مصر حركة تغيير تتناول مختلف جوانب العملية التعليمية، باعتبارها منظومة متكاملة، ويعتبر تطوير التقويم التربوى من أهم المداخل الفعالة لإحداث التطوير المنشود فى مختلف جوانب العملية التعليمية فى مصر، وتحظى امتحانات الثانوية العامة فى مصر بأهمية خاصة لدى المسئولين التربويين فى مختلف قطاعات المجتمع باعتبارها نقطة تحول فى حياة الأبناء سيتحدد على أساسها مستقبلهم العملى والمهنى(<!--)، ولذلك تتركز الاهتمامات حالياً على ضرورة الإسراع بالتطوير الجذرى لأسلوب  تقويم تحصيل الطلاب فى الثانوية العامة، وتخليصها مما لحق بها من سلبيات خلال السنوات الماضية، بحيث يكون معبرا بدقة، وموضوعية عن مستوى تحصيل الطالب، وقدراته، ومهاراته.

أسئلة الدراسة:

تحاول الدراسة الحالية الإجابة على السؤال التالى:

كيف يمكن الاستفادة من الاتجاهات، العالمية المعاصرة فى وضع تصور مقترح لإدارة امتحانات الشهادة الثانوية العامة فى مصر، فى ضوء فلسفة هذا النظام ؟.

أهداف الدراســـة:

تسعى الدراسة الحالية إلى وضع تصور مقترح لتطوير إدارة امتحانات الشهادة الثانوية العامة فى مصر فى ضوء الاستفادة من بعض الدول المتقدمة فى هذا المجال بما يتفق وظروف المجتمع المصرى ويساير الاتجاهات العالمية المعاصرة.

أهمية الدراسة:

تتزامن هذه الدراسة مع دعوة السياسيين والمفكرين والتربويين إلى تطوير التعليم بوجه عام ونظام امتحانات الشهادة الثانوية بوجه خاص فى ضوء الاتجاهات العالمية المعاصرة وخبرات بعض الدول المتقدمة فى هذا المجال، بما يتفق وظروف المجتمع المصرى ويساير الاتجاهات العالمية المعاصرة.

منهج الدراســـــة:

تستخدم الدراسة الحالية المنهج المقارن بمدخله الوصفى التحليلى ولا تقف الدراسة الوصفية لنظم التعليم عند حد فهم النظام التعليمي والقوى المؤثرة فيه، وإنما تعطى بالإضافة إلى ذلك فرص الاستفادة من الاتجاهات العالمية وخبرات بعض الدول لتطوير نظام امتحانات الشهادة الثانوية العامة فى مصر بما يتفق وظروف المجتمع المصرى ويساير الاتجاهات العالمية المعاصرة(1).

ومن ثم يقوم الباحث بوصف دقيق لنظام امتحانات الشهادة الثانوية العامة من خلال بعض الاتجاهات العالمية المعاصرة، وخبرات بعض الدول (فرنسا، السويد، الصين) ومصر،  ثم بيان أوجه التشابه والاختلاف بين مصر وخبرات هذه الدول، وأسباب ذلك فى ضوء القوى والعوامل الثقافية، ثم بيان إمكانية الاستفادة من الاتجاهات العالمية وخبرات هذه الدول فى وضع تصور مقترح بما يتناسب وظروف المجتمع المصرى ويساير الاتجاهات العالمية.

حدود الدراسة:

تقتصر الدراسة الحالية فى دراستها لإدارة امتحانات الشهادة الثانوية العامة على مجموعة من الدول المتقدمة فى ذات المجال فى امتحانات الشهادة الثانوية العامة، والتى تمثل تنوعا فى الأيديولوجيات، والفلسفات، والنظام الإداري المعمول به فيها، وهذه الدول هى (فرنسا، والسويد، وجمهورية الصين الشعبية)، ويرجع سبب اختيار هذه الدول إلى مجموعة من الأسباب لعل فى مقدمتها:

<!--أنها تمثل مجموعة مختلفة من الأيديولوجيات (الرأسمالية، والاشتراكية)، ومصر كيان عربى يختلف ثقافيا عن هذين الاتجاهين مع أنها قد اتجهت نحو الاشتراكية فترة، وهى الآن - بداية القرن الحادى والعشرين - فى فترة التحول إلى نمط آخر، مما يعكس أهمية النظر إلى هذين النوعين معا.

<!--أنها تشارك مصر فى أكثر عامل من العوامل الثقافية المؤثرة فى النظم التعليمية. 

<!--أنها تمثل أكثر من أسلوب من أساليب الإدارة (المركزية، اللامركزية، الجمع بينهما)، ودراسة وعرض مثل هذه الألوان من الإدارة يكشف -إلى حد كبير- عن مميزات كل، نمط مما يساعد على تبنى فكرة معينة تفيد فى تطوير امتحانات الشهادة الثانوية العامة فى مصر، وذلك انطلاقا من مشاركة مصر لهذه الدول فى النمط المركزى مع  تفويض بعض السلطات المحلية.

<!--تشابه النمط المركزى فى هذه الدول مع مصر يجعل الدراسة أكثر صدقا، وأكثر واقعية، وموضوعية.

<!--أن هذه الدول حققت درجة كبيرة من التقدم فى مجالات الحياة المختلفة (التعليمية، والاقتصادية، والسياسية، والتقنية)، بما يصح أن نصفه بأنه طفرة، وقد وصلت إليه بعد فترة طويلة واجهتها فيها مصاعب ومشاكل متنوعة.

<!--أنه على الرغم من الدراسات العربية التى أجريت حول هذا الموضوع، إلا أنها لا تتفق مع الدراسة الحالية فى مجموعة دول الخبرات، ومحاور الدراسة، فما أقل ما كتب عن فرنسا، والسويد، والصين الشعبية، فيما يتصل بمجال امتحانات الشهادة الثانوية العامة.

وتعمد الدراسة الحالية لدراسة إدارة امتحانات الشهادة الثانوية العامة وذلك من حيث:

<!--فلسفة الامتحانات وأهدافها وسياساتها وآلياتها.

<!--نظام امتحانات الشهادة الثانوية العامة.

<!--إدارة امتحانات الشهادة الثانوية العامة.

<!--التناسق والتفاوت فى امتحانات الشهادة الثانوية العامة.

<!--زمن الامتحانات ومدته وشكله ووظيفته للثانوية العامة.

خطة الدراســـــة:

فى ضوء مشكلة الدراسة وأسئلتها وأهدافها وأهميتها ومنهجها فإنها تسير وفقا للخطوات التالية:

<!--المحور الأول: إدارة امتحانات الشهادة الثانوية العامة رؤية أكاديمية تطبيقية.

<!--المحور الثانى: الدراسة التحليلية المقارنة لإدارة امتحانات الشهادة الثانوية العامة.

<!--المحور الثالث: التصور المقترح لإدارة امتحانات الشهادة الثانوية العامة فى مصر.

 

<!--[if !supportFootnotes]-->

<!--[endif]-->

(<!--) محمد سيف الدين  فهمى: المنهج فى التربية المقارنة ، ط 3، الأنجلو المصرية، القاهرة، 1995، ص 111 .

(<!--) راجع:

= أحمد يوسف سعد: تطوير التعليم الثانوى فى مصر فى ضوء اعتباره تعليما أساسيا، تصور مقترح، المركز القومى للبحوث التربوية والتنمية، القاهرة، 2001 ، ص 28.

= جيمس كونانت: نظرات فى التعليم الثانوى، ترجمة: محمد على العريان، المطبعة العالمية، القاهرة، ص ص، م ـ ق.

 (<!--)أحمد المهدى عبد الحليم: " نحو استراتيجية قومية لتطوير التعليم قبل الجامعى"، مؤتمر التعليم قبل الجامعى،28 ـ30. إبريل ، 1992، جامعة القاهرة ، 1992 ، ص 6.

 (<!--)المرجع السابق: ص 7.

 (<!--)راجع:

=  سلامة عبد العظيم حسين: " مشكلات المدرسة الثانوية العامة فى مصر ومواجهتها باستخدام بعض الأساليب الإدارية الحديثة" ، رسالة دكتوراه غير منشورة ، كلية التربية ببنها، جامعة الزقازيق، 1998.

=  أحمد إبراهيم أحمد السيد: "الأبعاد السياسية والاجتماعية وانعكاسها على تطوير التعليم الثانوى العام فى مصر دراسة تحليلية نقدية"، المؤتمر العلمى السادس لرابطة التربية الحديثة، "التعليم الثانوى، الحاضر والمستقبل"، 6ـ8 يولية، ج 1، جامعة عين شمس، القاهرة، 1991.  

 (<!--)أحمد المهدى عبد الحليم ، مرجع سابق ، ص 13 .

 (<!--)محمد سيف الدين فهمى: المرجع فى التربية المقارنة، مرجع سابق ، ص 129 .

(<!--) ج.م.ع ، وزارة التربية والتعليم: قانون التعليم رقم (139) لسنة 1981 المعدل بالقانون  رقم (233 ) لسنة 1988 والقانون رقم (2) لسنة 1994، ص 25.

(<!--) عبد الفتاح أحمد جـلال: " مفكرون من أعـلام التربـية، "طـه حسين"، مستقبليات، المجلد 23 ، الجزء الأول، القاهرة، مركز مطبوعات اليونسكو، 1988 ، ص 322.

(<!--) المجالس القومية المتخصصة ، المجلس القومى للتعليم والبحث العلمى والتكنولوجيا: " مشروع المدرسة الثانوية الشاملة المتكاملة"، تقرير مقدم إلى السيد رئيس الجمهورية عن أعمال المجلس فى دورته الرابعة والعشرون ، سبتمبر،1996ـ يوليه 1997 ، ص 41.

(<!--) الإعلان العالمى حول التربية للجميع: " هيكلية العمل لتأمين حاجات التعلم الأساسية " ، من وثائق المؤتمر العالمى حول التربية للجميع ، جومتيان تايلاند ، 5 ـ 9 مارس، 1990. ، ص 38.

(<!--) أمينة محمد كاظم وآخرون: تحليل نتائج امتحان الثانوية العامة فى جمهورية مصر العربية فى الفترة من 1986 – 1990. ، ط 2، المركز القومى للامتحانات والتقويم التربوى ، القاهرة ، 1996 ، ص 11.

(1)  محمد سيف الدين فهمى:المرجع فى التربية المقارنة،  مرجع سابق ، ص ص 587 – 601.

المصدر: المجلة العلمية للإدارة والعلوم المتخصصة، ديسمبر 2013، ص ص 1 - 48.
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 187 مشاهدة
نشرت فى 22 نوفمبر 2016 بواسطة Drelsayedhegazy

د. السيد عبد المنعم علي متولي حجازي

Drelsayedhegazy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

38,130