لا يمكن ان يحل مفهوم اعرض نفسك ، بديلا عن اعرف نفسك، بل انك لن تستطيع أن تعرض نفسك بما يفيدك، و يخدم اهدافك و تطورك الا اذا عرفت نفسك.
اعرف نفسك ثم اعرض نفسك، و هذا احتياج انساني و حق ايضا، ان تكون مرئيا، ان تطمئن ان من حولك يراك، و انك تستطيع التعبير و التأثير بل و التغيير أيضا، مستخدما كل الوسائل المتاحة و المدركة و المفهومة،
لكن هل اصبح عالم التواصل عن بعد عالما أصليا و أصيلا ، و وحيدا منفردا، ام متشابكا مع واقعنا الفعلي؟ ، و هل اصبح هو المقهى و النادي و المصطبة ، و جلسات الاصدقاء ، فيما يسمى بالمكان الثالث الذي تجد فيه نفسك بعيدا عن ضغوط العمل و المنزل ، ام اصبح هو المكان الثاني الذي من خلاله تدرس و تحصل على الشهادات و التدريبات او تعمل و تجني أرباحك ، ام اصبح هو بيتك الاول و عائلتك ، و دايرة القرب ، في بداية انتشار التواصل عن بعد اشار باحثو علوم الاجتماع و الاتصال الى غياب ما يسمى "المكان الثالث" في حياتنا المعاصرة ، أي المكان الاجتماعي البعيد عن ضغوط المنزل او ضغوط الدراسة والعمل ( الذي كان في السابق يتمثل في المقهى والنادي و مصطبة المناطق الشعبية و جلسات السمر امام الدور في الريف و غيرها ) و في ظلّ هذا الغياب حدث الفراغ الذي ملأته مع الوقت التجمّعات الافتراضيّة التي اتاحت التواصل و التعارف ثم ما لبثت ان اصبحت تتشابك مع الواق ثم تنافسه ،
هذا العالم المليء بروابط تنافس الروابط الطبيعية اللاإرادية كالابوة و الأمومة و الإخوة و الأرحام الى روابط إرادية تقوم على العرض و الطلب و تبادل المصالح سواء النفسية او المادية
التخفي و امان البوح سمتان أساسيتان لهذا العالم جعلت تصدير المعلومة كتصدير الغضب و الكراهية و الشائعات
كانت الثقافة ترسخ مباديء تقوم على مخرجات حضارات سابقة فكان مبدأ اعرف نفسك يتردد عبر عصور حتى حل محله اعرض نفسك مع رواج عصر التواصل ، و انت تختار ان تعرض نفسك كما يحلو لك ، قد تعرض مهاراتك ، إنجازاتك ، دراساتك قد تعرضالسلع و الخدمات و المواهب و الافكار حتى ان البعض يختار عرض الجسد سواء على سبيل الاغراء او القوة و الفتوة و الجمال ، و كل عرض له غاية لكن اكبر الاهداف إشباع رغبات تتعلق بحب الذات النجومية و الثناء ، لا رسوم جمركية على ذلك و لا ضرائب ،
ظهرت العديد الدراسات في المجتمعات الغربية و سبقت دراساتنا العربية اشارت لمخاطر البقاء طويلا على الاجهزة الالكترونية من مخاطر صحية كمشاكل العمود الفقري و النظر و الرقبة و غيرها ، و ايضا نشر الشائعات الصحية و الفتي عن الأمراض و العلاجات و الروشتات المقترحة ، مشاكل نفسية خاصة لدى صغار الشباب من التعرض للبلطجة و تخويف و ازدراء و اكتئاب اذا لم يحققوا تواصلا ناجحا عبر العالم الطاغي ، او العزلة و الهروب الاجتماعي و الانطواء
لم يقف الامر عند التفكك الاسري و انهيار علاقات الازواج الى التفكك و الهروب للابناء من علاقات طبيعية الى علاقات صناعية اختيارية تبدو السلطة فيها اضعف ، و القواعد و التقاليد تكاد تنعدم ، لكن امتد التفكيك الى الهوية و الانتماء لصالح انتماءات جديدة لقيم مغايرة ، و مصائد غير مأمونة العواقب ،
لقد غاب التخصص و لم يتم استثمار عصر المعلومات و المعرفة ، بل انزلق الكثيرون الى شهوة الكلام ، و الفتي الالكتروني في كل المجالات ، ، عصر اختلاط الحابل بالنابل ، و قد يصمت بعض اهل التخصص و يبقى الصامدون يدافعون عن مجتمعات حقيقية و اوطان لا تباع و لا تشترى ، الرهان على المعرفة هو الملاذ الأخير فلنبحث عن اهل التخصص قبل ان نحصل على معلومات و اخبار و اراء فكثير من الصفحات الوهمية تحظى بملايين الإعجابات و اعادة النشر