حتى اراك
،،
الهندسة الاجتماعية والاعلام
،،
يسمح حجم ما بيننا من مشتركات ببداية قوية و مثالية للاختراق فجميعنا يفرح ويغضب ويحزن ويتألم ، و يحب ويكره ، ويتكلم ، ويكتب ، وهكذا يمكننا ايجاد الثغرة للوصول الى قلب وعقل الهدف او الضحية اذا جاز التعبير ، وعلى هذا يمكننا البداية في الحصول على ما نريد من معلومات ونخترق الاخرين او نرسل ما نريد من معلومات ، بل وقد يصل الامر الى السيطرة على ارادة الضحايا و توجيه عقولهم ،
كيف يحدث هذا؟؟! انها اسرار المهنة ، الاعلام ، احكيها لكم ،،
كانت طالبة في المحاضرة تخفي اسمها على صفحتها على الفيسبوك ، وكنت اقرأ تكليفا ممتعا لمقالات كتبها الطلبة ، و احببت ان أفاجئهم بنشر كتاباتهم على موقع يهدف لإثراء المحتوى العربي على الانترنت لما استشعرته من جودة في كتاباتهم ، كانت طالبتي التي احدثكم عنها هي الاولى على دفعتها ، وقد نشرت الموضوع الذي كلفتها به على المجموعة المغلقة التي أنشأناها لاهداف دراسية على الفيسبوك ، وحسابها يحمل اسما مستعارا ( يشبه الاسماء التي يستخدمها الكثير منا حين يطلق على نفسه امير القلوب ، او عبير الورد او نبضات حائرة او نسمات الجنة او ،او او ،) بحثت عن اسمها وعرفته من خلال محادثاتها مع المقربين على صفحتها وعلى منشوراتها ، ايمان ، نعم هي ايمان ، وبنفس الطريقة بحثت عن لقبها حتى وجدته في منشورات قديمة ، وهكذا عرفت اسمها كاملا ونشرت مقالها باسمها (الذي تفاجئت هي اني عرفته ) كنت وقتها أمارس علم الهندسة الاجتماعية ، !! واتبعت عددا من خطواتها حتى وصلت للمعلومات التي أريدها ، و تبادلت مع الطلاب الحوار فاكتشفت ان لديهم نفس القصص في الحصول على المعلومات وتتبعها عن أشخاص اخرين ،
وهكذا من ابسط الأمور حتى اعقدها يمارس الافراد والمنظمات العمل على استخدام الهندسة الاجتماعية للحصول على معلومات ذات خصوصية ،ودقيقة وتختلف الاهداف ،
في هذه اللعبة التي نمارسها يوميا ، لدينا دائما الهدف والمشتتات التي تأخذ العقل بعيدا عن هذا الهدف ، ولدى الاخرين كذلك الاهداف والمشتتات ، بعض هذه الاهداف هي نحن ، خاصة مع انتشار وسائل الاعلام الاجتماعي ، وقد اتضحت المسألة كثيرا ، فلم تعد اغلب المعلومات سرية ، بل فقدنا طواعية خصوصياتنا مهما حاولنا ذلك ،،
في البداية يقوم معظمنا بالفطرة باتباع مهارات تحليل الكلام والحصول على المعلومات بتقنيات تتنوع بين البحث والإقناع و الإيحاء بالقول المؤكد او الاسئلة الإيحائية ، والضغوط النفسية والعصبية ، وكسب ثقة واحترام الاخرين ، فكلنا نحاول ان نستخدم هذه المهارات افضل استخدام ، بعضنا ينجح تماماً ، بعضنا يحاول ، بل لقد تعلمها المحتالون بممارسات وبخبرات كبيرة حتى سرقوا شركات وأفرادا وهددوا ضحاياهم بما يمتلكونه من معلومات حساسة عنهم او عن أعمالهم الدقيقة ،
واول ما ينبغي فعله هو جمع المعلومات ، فنحن بكل الطرق نحاول ان نعرف الكثير عن سمات الجمهور المستهدف لتحديد كيف نخاطبه ، و كيف نجذبه ونستميله لنا ، وكيف نقنعه برسالتنا ، ان معرفة السمات هي الدرس الاول في الوصول او الاختراق فكثير من الاعلام يخترق القلوب والعقول بلا هوادة ، نعم يحدث هذا كثيرا ، ويحدث غالبا بوعي من صانع الرسالة الاعلامية ، ويحدث احيانا بلا وعي كاف لما يحدثه الاعلام من اثار على القلوب والعقول معا ،
ثم نحدد مدخل الكلام المناسب للإقناع ، هل نتحدث بالحجة والمنطق ، والادلة والبراهين ، ام نتحدث بالعاطفة و المشاعر ، نسميها في دراسات الاعلام الاستمالات العاطفية والاستمالات المنطقية ، وتتحدد وفقا لنوعية الجمهور المستهدف فكل جمهور له طريقة تقنعه اكثر بناء على المستوى التعليمي ، والبيئي والثقافي ، والحضاري ، وهكذا )
كذلك نستطيع اخبار الناس بنفس الشيء بطرق متعددة ، فحين ننقل خبرا يمكننا ان تقول :
بقي القائد يصارع وحيدا بعد ان فقد كل جنوده،
او
مات كل الجنود وبقي القائد،
هل لاحظتم الفرق في الرسالة ؟
كذلك هناك فرق كبير بين هذين الخبرين
اكد الرئيس الامريكي ان ما يحدث في مصر هو كذا او كذا
ادعى الرئيس الامريكي ان ما يحدث في مصر هو كذا و هكذا ،،
ان اختيار استخدام الفعل اكد غير اختيار استخدام الفعل ادعى ،
يمكننا ايضا ان نعرض نفس العرض بأكثر من طريقة ،،
هل يمكننا ان نلتقي الليلة ؟
ماذا احضر لك على العشاء حين أزوركم الليلة ؟
وهكذا تستطيع ان تجبر محدثك على اتجاه التفكير ، وتستطيع ان تشتت انتباهه وتركز انت على هدفك ، تستطيع ان ترسل له ما تريد ، الاخطر انك تفعل ذلك حتى تستطيع ان تأخذ منه ما تريد !!!
انها الهندسة الاجتماعية ، التحليل ، المعلومات ، الاختراق ، الخصوصية ، الاعلام ،
للحديث بقية
،،،
حتى اراك
،،
الهندسة الاجتماعية والاعلام ( المعرفة والتنمية )
نحن لا نكتب الان ليقرأ الآخرون ، ، نحن نكتب لما هو اخطر من القراءة ، نكتب للاصدقاء ، وللأعداء ، ولشركات الإعلانات التي تبحث عن مهتمين وعملاء جدد لمنتجاتها او خدماتها ، نكتب ايضا لمحركات البحث التي تعمل على استعادة المعلومة وإعادة بثها حسب الطلب ،او استخلاص بعض المعلومات من كمية البيانات المتاحة ، ( اذكركم بما تمت كتابته عن طريقة عمل فيسبوك ، وخوارزمية الفيسبوك ، واعتذار الفيسبوك مؤخرا عن تجربة التحكم في الحالة النفسية للمستخدمين ، !!!! ، اذكركم ايضا بعمليات تحليل المحتوى ، و مفاهيم الذكاء الاصطناعي ، والبرمجة اللغوية العصبية ، كلها موضوعات ذات صلة بما نتحدث عنه الان )
لقد اتسع مفهوم محتوى الاغراء مع تعاظم الصراعات والدراما الواقعية ، فاغراء الحصول على المعلومات و الاخبار و البيانات يبدو مثيرا جدا هذه الايام ، بل ويعتبر مدخلا مهما في عمليات الهندسة الاجتماعية واختراق المعلومات والحسابات ، واصحابها ،،
وما لم يواكب هذا التطور الضخم في صناعة الاعلام و تجارة المعلومات التطور العقلي والنضج لدى المستخدمين فان الخطر المحتمل مرشح للتعاظم حد كابوس النهاية ،،
اننا نعرف عن بعضنا البعض الان اكثر من اي وقت مضى ، مع فرط الرغبة في التعبير ونشر الخصوصيات من اراء وافكار وصور و فيديوهات ،، ولا يمكن مقاومة مخاطر زيادة المهارات التقنية واساليب الهندسة الاجتماعية الا بالوعي و معرفة المخاطر ، والمهددات ، وطرق الحماية ،
وتنتشر قصص الهاكرز او محترفي الحصول على المعلومات السرية والقيام بجرائم الكترونية ، بل تطورت الى التشابك مع جرائم على ارض الواقع ، مستغلين حسن نوايا او مصالح الناس عبر الانترنت ، او قلة الوعي و الثقافة الالكترونية لاستخدام آمن للتكنولوجيا ، فيمكن الحصول على الأموال ،و السرقة بدخول الحسابات البنكية ، كما انتشرت في امريكا اللاتينية العديد من القصص حول الاختطاف الافتراضي حيث ينجح الهاكر ، هذا المهندس الاجتماعي الماهر في جمع البيانات عن الضحية و يصل للتحكم في حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي او التليفون المحمول ، يستطيع ان يعطل الاتصال به لفترة من الوقت ويرتب معلوماته لاقناع احد افراد أسرته بانه مختطف ويحدد الفدية المطلوبة ، هذا الشخص المختطف افتراضيا انقطعت عنه كل وسائل الاتصال لحين إتمام التفاوض والحصول على الفدية بعدها يعود كل شيء للعمل !!!
لم يعد مفهوم الحماية القانونية التقليدي ، ولا مفهوم الحماية الأمنية كما ورثناها تكفي الان ، بل الوعي والمعرفة ونشر المفاهيم الجديدة والتطور ضرورة ، والاعلام وسيلة ورسالة تزداد الحاجة له مع الوقت ، فكما يتطور كل شيء حولنا لابد ان نتطور ،
والمستخدمون الشغوفون بالتحدث ، او قليلو الخبرة في تأمين حساباتهم ، او حسنو النوايا تجاه الإدلاء بمعلومات خاصة ، وكذلك الشركات والمنظمات ، كلهم يقعون صيدا سهلا لمخترقي البيانات الالكترونية ، و تتكرر هذه الاحداث يوميا في أنحاء العالم ،
المهندس الاجتماعي الناجح ، يوظف المهارات التقنية ، والبرمجيات ، و علم النفس ، وتحليل البيانات ، ليجمع المعلومات التي تبدو بسيطة ليكمل بها صورا اكبر ، ( تماماً كما كنا نلعب لعبة البازل ، لإكمال اللوحات والاشكال ) ، و في الاعلام قد نفعل ذلك تماماً ، ولأغراض متنوعة ، نستطيع ان نعرف الكثير عن جمهورنا من خلال الهيئة العامة والشكل الخارجي ، ( الان يبدو هذا ممكنا جدا في وسائل الاعلام الجماهيرية ، من خلال مواقعها وصفحاتها عبر شبكات التواصل الاجتماعي ، فمعرفة اغلب المتابعين لم تعد أمرا صعبا ، او مجرد تخمينات ، والمؤشر الذي يشير اليه شكل الانسان وطريقة كلامه ، وألفاظه ، وصوته ، وملبسه ، و لغة جسده كلها تعطي معلومات مفصلة عنه ، وهي الان متاحة عبر حسابات الشخص على شبكات التواصل الاجتماعي ،
ثم تأتي مهارات التأثير في الجمهور عن طريق الاقناع والايحاء ، وزراعة الافكار وهناك نظريات الغرس الثقافي والرصاصة والحقنة ، وغيرها من النظريات التي تحدثت عن الاثار المترتبة على التعرض لوسائل الاعلام ،
ان ذكاء المرسل او صانع الاعلام هو ان يزرع افكارا تبدو غير متناقضة مع معتقداتنا الاساسية ، حتى يكسب الثقة بل انه يعمل على المشتركات بيننا ونقاط الضعف التي استطاع ان يقرأها في الجمهور والثغرات التي يستطيع ان ينفذ منها لعقولهم حتى تتم عملية الاختراق ،
هل تصبح جهود نشر التنمية ، بالمعرفة وزيادة الوعي عن طريق الاعلام أمرا ممكنا الان ؟ نعم يمكن جدا ، اذا قدم الاعلام حقائق ومعلومات وبنى نموذجا جيدا لمجتمع المعرفة ، تحققت خطوات مهمة في طريق التنمية ،،
حينها يمكن تحفيز الناس لمساعدة انفسهم ، ومجتمعاتهم ، وفقا لمباديء التخطيط الإعلامي نحو التنمية ،
و لن تنجح خطط التنمية لدولة دون تخطيط اعلامي يسعى لذلك ، و لن تنجح دون تحفيز الافراد على استخدام التكنولوجيا اختصارا للوقت ، وليس تضييعا له ، وفي هذه الصراعات والمخاطر ، لم تعد جهود محو الامية وتطوير المهارات التقنية ، وثقافة التعامل مع التكنولوجيا أمورا ثانوية ، فالإعلام التنموي ليس اختيارا بل ضرورة ، وكذلك الثقافة التكنولوجية والاستخدام الآمن قدر المستطاع لها ، و استثمار نمو شبكات الاتصال في بلادنا يزيد من تقديم حلول مبتكرة للتخطيط للتنمية ،
،، و حتى لو قابل المجتمع هذا الاعلام التنموي الان بقدر من الاهمال او التجاهل ، فلا مشكلة ، وعلينا الإصرار والاستمرار ، فغالبا يتصرف الناس هكذا تجاه الموضوعات المهمة ، فيتدرجون من الاهمال ، ثم المبالغة ، حتى نصل الى التوازن في الإرسال والاستقبال ، و هكذا يمكن ان نبدأ مواصلين جهود السابقين بطرق عصرية واعية ،،
في الخمسينيات من القرن الماضي ومع ازدياد نشاط المعسكر الشرقي ، وزيادة الفجوة في الولايات المتحدة الامريكية بين الأغنياء والفقراء ، ظهرت مبادرات المسئولية الاجتماعية للشركات لتقديم مشروعات تفيد الممتع وتنميه ، وأعمال تطوعية بالتعاون مع كبرى شركات العلاقات العامة ، في عهد الرئيس الامريكي جون كنيدي ، لسد الفجوة وتقليل الغضب المجتمعي من سيادة الأغنياء ، وتحسين الصورة الذهنية لاصحاب الرأسمال الضخم ، ورسم صورة جديدة لدورهم المهم تجاه المجتمع وتقليل الفجوة بين الفقراء والاغنياء ، وبين العاملين والعاطلين ، وقد نجحوا الى حد كبير في تقنين هذه الاعمال التي تندرج تحت بند المسئولية الاجتماعية للشركات في اعمال مجتمعية تنموية ومشروعات مؤثرة ، وتم تصدير هذا المفهوم للعالم ، مستخدمين الامكانات المتاحة والمتطورة ، وكافة العلوم التطبيقية و مفاهيم الهندسة الاجتماعية للتحكم في استقبال الناس للمبادرات ، و رسم الصور الذهنية المرغوبة عن اصحاب رأس المال ، يمكننا هنا كاعلام ان نشجع و نتابع هذه المبادرات لتصل لتحقيق أهدافها المجتمعية ، ولا تقف عند تحسين صورة الشركات ورجال الاعمال فقط ، يمكننا ايضا تشجيع وابراز اهمية مجتمع المعلومات والمعرفة لمواجهة هذا الهجوم الشرس على عقول وقلوب الناس ، و احتلال نقاشات الجمهور بموضوعات مخاطرها لا تقف عند حد الكلام ، والاعلام ،