رمضان و الاختيار
دكتورة نادية النشار
تستطيع وسائل الإعلام أن تؤدي دوراً هائلاً في إكساب الأفراد مهارات جديدة وتعليمهم سلوكاً جديداً، وترسخ قيماً أساسية بل و تكسب الناس قيما جديدة بشرط أن تكون خطة التنمية واضحة على كل الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية، وأن تجسد أجهزة الإعلام هذه الخطة ببرامج ثقافية وترفيهية وأغان وأحاديث .
نحن نعيش عالماً جديدا وأمام هذا العالم الجديد يبرز دور وسائل الإعلام في إحداث تغيير لدى الأفراد حتى يستطيعوا المشاركة في تنفيذ الخطط التنموية داخل مجتمعاتهم،
و على مدى عقود خلقت أجهزة الإعلام تطلعات استهلاكية تخدم الجهاز الإنتاجي الرأسمالي لإضافة زبائن جدد لسلعه المتجددة، و لم تقدم بالتوازي ما يخدم خطط التنمية و التصدي للشائعات و حروب الجيل الرابع و مساندة الوطن،
و هذا العام يأتينا شهر رمضان المعظم حافلا بتنوع كبير في المحتوى الاعلامي، ما يحمل المواطن مسىئوليات متوازية مع المؤسسات، فيستطيع الناس صناعة خريطة برامجية درامية فنية تناسب الذائقة الخاصة، مع هذه الاتاحة الكبيرة في المنتج المعروض، لم نعد محاصرين بين دراما العصابات و المجتمعات التي لا نعرف عنها شيئا فقط،. بل لدينا الاعمال التي تخدم الصالح العام و تقدم التنوع للذائقة الخاصة،
كما استطاعت الدراما الوثائقية ( الدكيودراما Docu drama ) ان تجسد حياتنا المعاصرة لتطلعنا على جوانب لم نرها في حينها بعمل التفت حوله الاسرة المصرية لنرى واقعنا و نفهم و نفسر الاحداث و هذه وظيفة مهمة للمحتوى الاعلامي،. فالدراما معلم شديد التأثير،
نستطيع ان نصنع خريطة اعلامية نتنقل بين القنوات و نمزج بين الدكيودراما و البرامج و الاعلانات و المسلسلات، و المسابقات و الاغاني، و يمكن للمتخصصين في علوم الاعلام ان يشرحوا للناس اساليب اختيار التعرض المتوازن للمحتوى الاعلامي المتاح، لنحقق اهداف هذا الشهر الكريم،
حيث يمكن للجمهور ان يتعلم صناعة خريطة اعلامية منوعة، تعمل على توزيع المحتوى من خلال المربعات الأربعة والتي نطلق عليها ،( الخريطة البرامجية الدرامية والغنائية) ، تحتوي على كل ما يناسبنا من افكار وموسيقى ، واخبار ، ودراما ، يمكننا ان نرسم الأسهم التي تسهل عملية التوزيع ، على ان نكون مسئولين في توزيع هذا المحتوى الكبير المتاح ، بين أ ، س ، خ ، ث ، كالتالي :_
أ، يرمز الى الأبيض ، المادة الإيجابية ، تعلمنا و تحفزنا،
س ، اسود ، المادة السلبية، حدد لها زمنا بسيطا للاطلاع و لا تغرق فيها،
خ ، مادة خفيفة، مسلية و مطلوبة لبعض الوقت،
ث ، مادة ثقيلة، اخبارية و معلوماتية،
وينبغي ان تتنوع الخريطة بين هذه العناصر ، فنحن نعيش في عالم متشابك نتعامل مع معطياته لكن بترتيب اولويات تخدمنا و لا تضيع اوقاتنا،
ان دور الاعلام كبير حيث لا يملك الناس حلولا جاهزة للمشكلات الجديدة او للتغييرات المنشودة في انماط الحياة
وينتج التغيير السريع في أي مجتمع اضطرابات بين الناس حول الأنماط المناسبة في الذوق والسلوك والاستهلاك، ولا يملك الشخص المتحرك اجتماعياً داخل المجتمع دليلا جاهزاً يوفر له المعلومات الكافية حول الكيفية التي يعيش بها بطريقة أفضل مما مضى. وهنا يقع على وسائل الإعلام عبء كبير في مساعدة الناس على فهم التغيرات والتعامل معها،
وتستطيع وسائل الإعلام أن تدفع المجتمع نحو التغيير، إذ أن أي تغيير في الاهتمام أو الشيء موضوع الاهتمام ينتج عنه تغير في القيمة ومعنى ذلك أننا نستطيع أن نغير من قيم الشخص إذا غيرنا موضوعات اهتمامه بل يمكن أن نذهب إلى أبعد من ذلك فنقول أنه يمكننا أن نخلق في الأفراد قيماً جديدة لم تكن موجودة من قبل إذا أدخلنا في حياتهم موضوعات يهتمون بها، وإذا كونا عندهم اهتمامات جديدة، وذلك بأن يبدأ الرواد الواعون والمثقفون في المجتمع نقد الممارسات والقيم التي أصبح التمسك بها غير مجد وغير ملائم لروح العصر. ويستطيع هؤلاء الرواد أن يقوموا بدور قادة الرأي في المجتمع لإحداث التغيير والتطوير وتبنى الأفكار المستحدثة،
إن الإعلام الذي يساهم في التنمية يقدم أعمالا متنوعة القوالب عن الخطط القومية، وعن أبطال العمل الوطني و التنموي ليكونوا قدوة للآخرين، وأن يساعد الدولة في ضبط آمال وتطلعات المواطنين، ومرافقتها لخطة التنمية، لا تسبقها ولا تتخلف عنها، كما ينبغي أن تغرس في نفوس الناس أن رغباتهم واحتياجاتهم لابد أن يفكروا فيها من خلال أوضاع المجتمع ككل وأن تقدم المجتمع وتطويره سيؤدي إلى تحقيق مطالب الناس مع تحمل المسئولية و الاختيار .