الرجولة في أفضل أطروحة دكتوراة في العالم العربي لعام ٢٠١٨
،،
أعلنت مؤسسة الكويت للتقدم العلمي أسماء الفائزين بجوائزها لعام 2018 وهي «جائزة الكويت» المخصصة للباحثين الكويتيين والعرب في أربعة مجالات متنوعة و«جائزة الإنتاج العلمي» المخصصة للباحثين الكويتيين في أربعة مجالات علمية و«جائزة النوري» لأفضل أطروحة دكتوراه في التربية في العالم العربي،وفازت بها الدكتورة داليا أحمد مصطفى،من جمهورية مصر العربية،وهي باحثة ومترجمة مستقلة،جاءت أطروحتها لنيل درجة الدكتوراة بعنوان«مفهوم الرجولة كما تعكسه تنشئة الأم لأبنائها في المجتمع المصري. دراسة سوسيو - أنثروبولوجية»
أعربت "داليا"عن سعادتها "للعرب" بحصولها على الجائزة من دولة الكويت التي قضت فيها طفولتها ،وقالت إن دراسات مفهوم الرجولة تلقى اهتماماً عربياً كبيراً حيث نالت من قبل جائزة منظمة المرأة العربية فى مجال المنح البحثية التى تقدمها المنظمة سنوياً لأفضل موضوعات الماجستير والدكتوراه التى تدور حول المرأة العربية وقضاياها.
تنطلق هذه الدراسة من الحاجة إلى التعرف على مدلولات مفهوم ”الرجولة” ودور تنشئة الأم في إنتاج هذه المدلولات وفي ”صناعة” الرجال في المجتمع ،فهي تلعب الدور الأهم في ترسيخ الموروثات الثقافية والمعايير الاجتماعية والقيم الأخلاقية،لاسيما ما يتصل منها بمفهوم الرجولة والأنوثة أيضاً،وهي دراسات حديثة العهد نسبياً في عالمنا العربي.
تؤكد "داليا" أن المرأة لها دور كبير فى ترسيخ مفاهيم الرجولة في المجتمع كله،وخاصة فى أبنائها،وهي هنا تتحمل نتيجة زرع مفاهيم خاطئة عن الرجولة،في ظل غياب الأب ،ومع الأسف فالأب غالباً إما غائب بفعل الظروف الحتمية والجري وراء الرزق ،أو مغيب بإرادته،فيقع ضغط كبير على الأم التى تتحول إلى أم وأب فى نفس الوقت،فينشأ الطفل معتمداً بشكل كبير على أمه ويكتسب من صفاتها وقد يتطور الأمر للتوحد معها والتشبه بها،مما قد يؤثر بشكل سلبى على شخصيته فى المستقبل.
تؤكد داليا أن لدينا أزمة في إرساء مفاهيم الرجولة تتعلق بالتنشئة الاسرية والاجتماعية بشكل اساسي ،وهناك العديد من الاختلالات في بناء صورة الرجل عن نفسه. فهو بالأساس مُطالَب بتحقيق توقعات المجتمع من نجاح مهني أو مادي أو رياضي أو دراسي لأنه "رجل" ،وقد يواجه الرجل الإجهاد المفرط حين تتعاظم القيم المادية ،والتوقعات غير الملائمة له للقيام بالدور الذي ينتظره المجتمع منه.
إن المناخ الاجتماعي يرسخ للقيم المادية التي تنعكس على معنى الرجولة،فعندما تصبح قيمة الرجل هي ما يملكه من مال، فإنه يقع فريسة لاختزال هويته إلى ما يملك من سيارة أو قدرة على الإنفاق أو رصيد أو دخل،وبالتالي، فإنه لا يرى استحقاقه الشخصي لوصفه بالرجولة بدون هذه المظاهر،وينعكس هذا بالطبع على علاقته بالجنس الآخر،فقد يرى في الزواج "تملكا" للأنثى،
وفي ظل هذه القيم المادية، تقوم الأم أحيانا بتشجيع الابن على استدماج هذه القيم، وتحفزه ليكون منافسا شرسا على أرض الواقع لينال المكانة والمال الذي يعطيه معنى "الرجولة"من وجهة نظرها وفقاً للمعتقدات التقليدية التي تتبناها ويتبناها المجتمع.
وقد كشفت دراسة أسترالية حديثة شارك في إعدادها علماء اجتماع و باحثون متخصصون ،أن المفاهيم التقليدية للرجولة قد تشكل خطرا على الرجال وبالأخص في مرحلة الشباب المبكرة،ووجدت أن المشاركين فيها من الذين يتوافقون مع التعريفات التقليدية للرجولة،يزداد عندهم احتمال التفكير في الانتحار،وأوضحت كذلك أن هؤلاء الرجال لديهم القابلية لممارسة العنف تجاه الآخرين سبعة أضعاف أكثر من الذين لا يتوافقون مع المفاهيم التقليدية للرجولة.
حيث أن المفاهيم التقليدية عن الرجولة تضع ضغوطا على الرجال ليتوافقوا مع ما ينتظره المجتمع منهم ،فيصبحوا مثلا أكثر قسوة أو عنفاً لحل المشاكل أو أن يكون لديهم شركاء جنس متعددين، وألا يظهروا عواطفهم ،أو أن يكونوا المعيلين الوحيدين لأسرهم.
وقد كشفت الدراسة التي أعدتها الباحثة عن مظاهر تأثير الأم بشكل سلبي على استمرار البناء التقليدي لمفهوم الرجولة لدى الأبناء من خلال بعض أساليب التنشئة،فالأم أهم من يقوم بترسيخ وتخليد التوقعات السائدة في المجتمع، كما يتأثر اختيار الرجل للزوجة بشكل ملموس بعلاقته بأمه وبأسلوب تنشئتها له.
وإذا ذهبنا إلى البديل من الواقع الاجتماعي، نجد أن الرجولة كما يقدمها الموروث الثقافي المختلط ببعض الأفكار الدينية الشائعة، يسلب من الرجل قيمته الإنسانية،ويحوله إلى أداة لقهر الذات تحت اسم "الالتزام"الديني الشكلي ،فيطالبه أن يكون وصيا على أهل بيته،ويشجعه على تعدد الزوجات إذا ما استطاع الإنفاق،ويصبح الدين مبررا له للتعبير عن إحباطاته الداخلية في ممارسة العنف ضد من يقعون تحت سيطرته،بل وربما التحكم في أمه نفسها،
إن عملية اختزال الدين في مظاهر شكلية تحول دون نجاح جهود تجديد الخطاب الديني طالما أن أسس التمييز بين الرجل والمرأة مستمرة في التستر وراء الفكر الديني،و الموروث التقليدي، والأمر يحتاج إلى إعادة نظر في البناء العقلي الذي يفرز هذا التمييز.
يذكر أنه في أواخر عام ٢٠١٧ قامت منظمة الأمم المتحدة للمرأة مع الوكالة السويدية للتعاون الإنمائي الدولي بدراسة عن «مفهوم الرجولة» في مصر وفلسطين والمغرب ولبنان،فهذه البلدان كثيراً ما يهيّمن فيها الرجال ويسيطرون على اتخاذ القرارات ،وقد أكدت استمرار السلوكيات التقليدية غير المنصفة لدى غالبية رجال هذه البلدان ،منها العنف ضد المرأة وحصر النساء في أدوار تقليدية،و أظهرت أن ثلثي إلى ثلاثة أرباع الرجال في بلدان الدراسة يدعمون فكرة حصر دور المرأة في العناية بالأسرة وأن حوالى نصف النساء أنفسهن يدعمن الفكرة ذاتها،ويرى غالبية الرجال أن دورهم هو مراقبة النساء ،والسيطرة عليهن، وهي أدوار تدربوا عليها في ممارسة الحياة اليومية منذ أن كانوا أطفالاً.
أقرت "داليا"في أطروحتها تعبير "تأنيث القهر" حيث يعد التمييز ضد المرأة أحد أهم مظاهر القهر الواقع عليها،فمفهوم "تأنيث القهر"يدل على أحد أوجه تكريس المرأة نفسها للنظام الأبوي الذكوري،وقد تُمارس هي القهر على من هم اضعف ،فالقهر ليس صنيعة الرجل فحسب،بل أن هناك ضرورة للانفتاح الواعي على ظاهرة "قهر الرجل"،وعدم اختزال القهر والاضطهاد ليصبحا حكراً على المرأة باعتبارها الضحية الحصرية.
والشق الثاني لمفهوم تأنيث القهر،مفاده أنه في بعض الأحيان وفي قطاعات مختلفة من المجتمع تكون الأم أحد من يقومون بترسيخ القهر،فتورثه للأجيال اللاحقة،بحكم كونها الراعي الأول للموروث الثقافي التقليدي،فنجدها تقهر ابنتها بالتمييز بينها وبين إخوانها الذكور أو تقهر زوجة ابنها بالوقوف فى صفه دائماً حتى وإن كان هو المخطىء بقولها (إنت ماحصلتش) و(إنت تستاهل ست ستها)،وهناك أمهات نتيجة حبهن الشديد لأبنائهن الذكور،ودون قصد منهن تنشئهن على الأنانية وحب الذات والاعتماد الكلى عليها فى معظم شؤون حياته، وبالتالى لن يستطيع اكتشاف ذاته والاستقلال بحياته بعيداً عن الأم.
إن مفهوم الرجولة المشوه هو نتاج لتنشئة أم مقهورة،ترضى بحالها، وترفض أن تناضل من أجل كرامتها الإنسانية،وتمارس القهر على نفسها وعلى غيرها من النساء الذين يقعون تحت رعايتها أو سلطتها في محيط الأسرة أو العمل على السواء.
تلقي الدراسة حجرا في مياه راكدة ،وواقع مستقر على اخطاء تتوارثها الأجيال ،وتضر الجميع إناثاً و ذكوراً،برعاية مجتمعية لابقاء الوضع على ماهو عليه،عن طريق الأم وهي القوة الناعمة في الاسرة ،فهي تؤسس لحاضرالأبناء وترسم طريق مستقبلهم،ومستقبل مجتمعاتنا ،وتدعو الدراسة أن تكون الأم مصدراً لدعم وتمكين أبنائها ذكوراً وإناثاً وتسعى للتحقق الذاتي،والترابط الأُسَري ولإرساء علاقة مع الزوج تتسم بالتفاهم والتوافق والتكافؤ والدعم المتبادَل.
فالرجولة مفهوم يعبر عن بناء اجتماعي ،ثقافي،نتيجة لديناميات تفاعل الفرد مع الأسرة وكافة مؤسسات وعوامل التنشئة الاجتماعية ،وعلى رأسها تنشئة الأم،التي عليها أن ترسخ لقيم جديدة ،وعلاقات ينبغي أن يسودها التكامل والتآزر لا الصراع والتضاد.