قد شق على نفسى أن أرى خيره شبابنا يضربون و يهانون و يموتون لمجرد مطالبتهم برفع الظلم و العدل و الكرامه . هذه المطالب نص عليها ديننا الحنيف و لم يخرج عن حدودها شبابنا الذى أعاد الأمل فى غد مشرق بإذن الله. هذه المقاله توضح ذلك و أتمنى أن يعيها الجميع, لأننى لا أنتمى لأى تيار سياسى و لكننى أتمنى لشبابنا غد أفضل و حياه كريمه.
مقاومه الظلم و الظالمين عباده
بقلم الشيخ / عبد الفتاح فرج موسى
الحمد لله رب العالمين، وصلاةً وسلاماً على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه والتابعين......... وبعد :
إن الله عز وجل تعبدنا بعبادات كثيرة ، غير الصلاة والصيام والزكاة والحج ، منها عبادة مقاومة الظلم والظالمين ، وهذه العبادة ليس لها ركوع أو سجود ، وليست لها أوقات مُحددة ، ولا طهارة مُلزمة ، ويقوم بها المسلم على كل حاله ، بنفسه ، أو مع أسرته ، أو مع إخوانه ومجتمعه ، في محل إقامته ، أو في جزء من وطنه وأمته ، بالقدر الذي يسعه ، على هدى من كتاب الله وسنة نبيه ، لايدخر في نفسه جهداً ، ويبذل من نفسه وماله وطاقته ما يقاوم به الظلم والظالمين ، عبادةً لله ، وسيراً على هدى رسول الله ، نٌصرةً للدعوة ، ورفعةً للدولة ، وسيادةً للأمة وذلك حتى لا يتكرر الظلمُ بيننا فينتشر ، ولا يكثر عدد الظالمين فينا فينزل العذاب .
إن الله عز وجل أمرنا بالعدل ... قال تعالى: (إِنّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وإيتاء ذِي الْقُرْبَىَ وَيَنْهَىَ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ) [سورة: النحل - الآية: 90] ونهانا الله عز وجل عن الظلم وحرمه سبحانه تعالى على نفسه .... قال تعالى: (قُلْ إِنّمَا حَرّمَ رَبّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقّ ) [سورة: لأعراف - الآية: 33]، وقال تعالى: ( وَمَا رَبّكَ بِظَلاّمٍ لّلْعَبِيدِ) [سورة: فصلت - الآية: 46] وقال تعالى: (إِنّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرّةٍ ً) [سورة: النساء - الآية: 40].
وروى مسلمٌ عن أبى ذر الغفاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما ، فلا تظالموا ..... ) وهذا لأن الظلم سببٌ لهلاك الأمم، والله يقول:(وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمّا ظَلَمُواْ وجاءتهُم رُسُلُهُم بِالْبَيّنَاتِ ) [سورة: يونس - الآية: 13] , والظلم سببٌ للحرمان من الهداية والفلاح ..... يقول تعالى : (ِ إِنّهُ لاَ يُفْلِحُ الظّالِمُونَ) [سورة: الأنعام - الآية: 21] ,والظلم ظلمات يوم القيامة .... عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ) رواه مسلم .
ونهانا الله عز وجل عن ترويع المسلمين ، وجعله الشرع جنايةً تستوجب العقاب, والنفس تحمل في جنباتها دواعي للظلم والتعدي على الغير بغير حق ، حقداً وحسداً ، أو تكبُراً واستعلاءً ، أو اقتداءً منها بالظالمين ، أو اتباعاً لوساوس الشياطين ... قال تعالى: (وَلاَ تَرْكَنُوَاْ إِلَى الّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسّكُمُ النّارُ.................َ) [سورة: هود - الأية: 113] , وينتقم الله ممن ساند الظالم , حتى من قدم له قلما ليكتب به , ولله عز وجل بشأن الظالمين سنن .... منها سنة الإمهال قال تعالى: ( سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ ، وَأُمْلِي لَهُمْ إِنّ كَيْدِي مَتِينٌ) [سورة: القلم - الأية:44 / 45] .
إن الذى يظلم يتجرد من إنسانيته ، ويخضع لشيطانه ، ويركع لهواه ونفسه الأمارة ، والله يمهله ولا يهمله ويتركه لاستنفاذ كل ما لديه من ظلم ،و لن يفعل شيئا لم يأذن به الله , والله تعالى أعطى المظلوم ضمانات ، وأقسم له عليها ، وفى الحديث ( ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويقول وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين ), وفى حديث ابن عباس رضي الله عنهما في وصية رسول الله لمعاذ بن جبل حيث بعثه إلى اليمن قال له ( واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ) رواه البخاري , والله تعالى أباح للمظلوم أن يدعو على ظالمه ............. قال تعالى: (لاّ يُحِبّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعاً عَلِيماً) [سورة: النساء - الأية: 148] , ويؤخر الله عز وجل الانتصار للمظلوم ليستنفذ كل ماعنده من مقاومة الظالم حتى يصل إلى درجة (ِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) [سورة: النساء - الأية: 98] فيظل المظلوم يقاوم ظالمه ، ويثبت على ذلك ، ولا يستسلم ، ولا يخضع ولا يركع ، ويعطى القدوة من نفسه لغيره وله على غيره حق النُصرة ، ويعلن مظلمته بين الناس ويُنفر من الظلم ، ويدعو لرفضه ، ومقاومته ، وحصاره ، وانكساره .
إن الظالم لا يقدر على فعل شيء إلا بإذن الله ، وإن الله ينصر المظلوم ولو بعد حين ، وفترة الإمهال بين المظلوم والظالم هي فترة اختبار لهما , إن القرآن الكريم عرض نماذج قاومت الظلم والظالمين ، ورفضت الباطل والمبطلين :
رجل مؤمن من آل فرعون وقف لهم يقاومهم بالحجة والبرهان لما أقدم فرعون على قتل موسى عليه السلام قال تعالى: (وَقَالَ رَجُلٌ مّؤْمِنٌ مّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبّيَ اللّهُ......................) [سورة: غافر - الأية: 28].
ووقف مؤمن آل ياسين يعلن إيمانه ويقومهم بالحجة والبرهان قال تعالى: (وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىَ قَالَ يَقَوْمِ اتّبِعُواْ الْمُرْسَلِينَ) [سورة: يس - الأية: 20] .
وقارون وقد ادعى ظُلماً أن ماعنده من علمه ، وقف أهل العلم يقاومونه في ذلك قال تعالى: (..... إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ الْفَرِحِينَ) [سورة: القصص - الأية: 76] .
وفى السيرة النبوية نماذجٌ لمقاومة الظالمين:
جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو جاره قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اطرح متاعك على الطريق فطرحه ، فجعل الناس يمرون علي جاره ويلعنونه ، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله لقيت من الناس ، قال وما لقيت منهم ؟ قال يلعنوننى ، قال قد لعنك الله قبل الناس ، فقال إني لا أعود ، فجاء الذي شكاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ارفع متاعك فقد كفيت ) رواه الطبراني والبزار بإسناد حسن عن أبى جحيفة .
وأبوبكر رضى الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاوم أهل الشرك ويدفعهم عنه ، والنبى محمد صلى الله عليه وسلم وقد أحاط به أهل الشرك - يقولون - أنت الذى تقول كذا وكذا -لما كان يعيب آلهتهم ودينهم فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم - نعم أنا الذى أقول ذلك - فقام رجل منهم وقد أخذ بمجمع رداء النبى صلى الله عليه وسلم - فقام أبوبكر رضى الله عنه وهو يبكى ويقول ( أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله .........) ثم انصرفوا عنه ( ابن هشام ص173 طبعة دار التراث العربي .
إن منهج الإسلام يربى أتباعه على التمسك بحقوقهم دون التفريط فيها ، ومقاومة من يتعدى عليها بغير حق ، والإسلام يحمى الحريات بأنواعها وجعل الحرية فريضة ، وحرر الفرد من أي قيود تعوقه ، وأكرم الإنسان ، وسن لحقوقه تشريعات وعقوبات على من ظلم وبغى بغير حق ، وجعل الحرية أساس استقرار الفرد والأسرة ، والمجتمع والأمة ، وسبيل التفوق والنماء ، ومنع الإكراه في الدين قال تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدّينِ قَد تّبَيّنَ الرّشْدُ مِنَ الْغَيّ ........) [سورة: البقرة - الآية: 256].
إن تزييف إرادة الأمة في أي أمر من أمورها ، وتزييف أصواتها ، وإسناد الأمر لغير أهله فيها ، واعتقال خيار شبابها ، ومطاردة الدعاة والمصلحين فيها ، ومصادرة أموالها بغير حق ، وسن القوانين الجائرة لها ، واستعباد أهلها - وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً - لهو الظلم الواضح ، الذي يجب مقاومته بالوسائل المشروعة ، والمنابر المفتوحة ، وطرق القضاء الشامخ ، مع تذكير الظالمين بأيام الله ، وما أعده الله لهم إذا لم يتوبوا ويردوا الحقوق لأهلها ، ويصلحوا ما أفسدوه بين الناس ، وما نشروه من مظالم , والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ( من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء فليتحلل منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم ..........) عن أبى هريرة رضي الله عنه أخرجه أحمد والبخاري .
إن الله عز وجل لا يرضى لعباده أن يستسلموا أمام ظلم الظالمين ، واللذين يرضون بالذل والاستضعاف بغير عذر هم من الظالمين لأنفسهم ويقول تعالى: (إِنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِيَ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً) [سورة: النساء - الأية: 97] .
ساحة النقاش