أقوال فلاسفة المتصوفة في شخصية الرسول(صلى الله عليه وسلم) أو الحقيقة المحمدية

1- إن الدارس لحديث هؤلاء الصوفية عن شخصية الرسول تحت مسمى الحقيقة المحمدية، أو الإنسان الكامل، أو القطب، يدرك بسهولة أن هذه الأوصاف بما تتضمنه من معتقدات، شيء مختلف تمام الاختلاف عن شخصية الرسول (صلى الله عليه وسلم)، كما جاءت في القرآن والسنة وأقوال الصحابة والتابعين.

2- الحقيقة المحمدية عندهم أظهرت بعض الأخطاء في فهم الحقائق الشرعية أهمها:

(أ) قولهم بخلق النبي (صلى الله عليه وسلم) من نور، مناقض للحقيقة التي تقرر أن البشر لم يخلق أحد منهم من نور.

(ب) قولهم بوجوده أزلاً بحقيقته وآدم بين الماء والطين بخلاف غيره من الأنبياء، وكذلك خاتم الأولياء، فهذا كذب واضح مخالف لإجماع أئمة الدين.

(ج) ذلك الربط بين ختم النبوة وختم الولاية من خلال الحقيقة المحمدية، قياس باطل ليس عليه دليل.

(د) لم يكن الحديث عن شخصية الرسول في التصوف الفلسفي مثمرًا من الناحية العملية التي هي صلب رسالته .

كانت هذه هي شخصية الرسول كما يراها متفلسفة الصوفية، وهي بعيدة كل البعد عن شخصية الرسول كما جاءت في الكتاب والسنة، ولعل هذا ما دفع بعض المستشرقين إلى القول بأن الصلة التي تربط بين متفلسفة الصوفية بمحمد أقوى وآكد من تلك التي تربط أهل السنة به، مهما كانت درجتهم في التقوى، ومهما عظمت محبتهم له؛ لأن هؤلاء الأخيرين لا ينظرون إليه إلا نظرتهم إلى المثل الأعلى في الدين والأخلاق، وهم من أجل هذا يعظمونه ويوقرونه، ولكن التعظيم والتوقير شيء، والمحبة شيء آخر.

في حين أن الصوفية الذين يعتقدون بأزلية النور المحمدي الذي ظهر في جميع الأنبياء من آدم إلى عيسى ، ثم ظهر أخيرًا في صورة الرسول محمد نفسه، فإن ظهوره لم ينته في نظرهم بموته، وأنهم يعتقدون أنه هو الذي لا يزال يظهر في صور الأولياء الذين يقتبسون من نوره ، ولهذا فإن علاقتهم به أقوى وآكد!

            ***** 

وهذا تفسير مرفوض وغير مقبول؛ فقد كانت علاقة متصوفة أهل السنة بالحبيب (صلى الله عليه وسلم) علاقة قائمة على المحبة الشرعية، والتعظيم والتوقير اللائق به، ومع ذلك نحن لا ننكر حب صوفية وحدة الوجود للرسول الكريم، وحرص بعضهم أن يكون وارثًا في قوله وفعله، لكن الحب الذي لا يضبط بضوابط الشرع يحدث من الضرر أكثر مما يحدث من النفع، ويدفع بالمستشرقين إلى القول بمثل هذه الأقوال!

- الآثار المترتبة على القول بالحقيقة المحمدية:

ترتب على القول بالحقيقة المحمدية عدد من الآثار مثل :

أ - القول بوحدة الأديان:

فالإنسان الكامل هو الذي يمد الأنبياء والرسل بجميع الشرائع، بل إن الرسل والأنبياء أنفسهم قد خلقوا من الإنسان الكامل.

وبالتالي فإن الإنسان الكامل هو وحده الذي يحقق وحدة الأديان، ويعبد الله في كل صورة، ويراه في كل مظهر، فهو الذي وسع قلبه لكل تنوعات الألوهية. وهو الذي كل الأنبياء والرسل نوابه وعنه يأخذون([1]).

ب - القول بخاتم الأولياء:

هذا الولي ظهر كنتيجة طبيعية للقول بالحقيقة المحمدية، وهو من اختراع الحكيم الترمذي، الذي جعله نظيرًا لخاتم الأنبياء، ثم جاء ابن عربي وجعل هذا الولي الخاتم: جميع الأولياء من لدن آدم إلى الولي الخاتم يأخذون من مشكاته؛ لأنه الولي الوحيد الذي كان وليًا وآدم بين الماء والطين؛ أي مع الحقيقة المحمدية([2]).

وابن عربي قد جعل من نفسه خاتمًا للولاية المحمدية، وذلك من خلال مكاشفة قلبية في حضرة غيبية تم فيها تنصيب ابن عربي خاتمًا للولاية المحمدية حيث يقول: " ...فنصب الختم المنير، في ذلك المشهد الأخطر، هذا هو المقام المحمدي الأطهر، من رقى فيه فقد ورثه، وأرسله الحق حافظًا لحرمة


<!--[endif]-->

(1) الفتوحات المكية، 2: 293 وما بعدها، الإنسان الكامل، 2: 46 وما بعدها، د/ الجزار: الفناء والحب الإلهي عند ابن عربي، ص261-262، د/ التفتازاني: مدخل إلى التصوف الإسلامي، 248 وما بعدها.

(2) الحكيم الترمذي: ختم الأولياء، ص 161-162، ص 344- 345، ص 367- 368. 

                                    ********

الشريعة وبعثه... ووهبت في ذلك الوقت مواهب الحكم، حتى كأني: "أوتيت جوامع الكلم" فشكرت الله عز وجل – وصعدت أعلاه وحصلت في موضع وقوفه –(صلى الله عليه وسلم) – ومستواه..."([1]).

وابن عربي وأمثاله يعتبرون أنفسهم خلفاء النبي، والممثلين الشخصيين له في خلافته عن الله، وهم يعتقدون أنه لولا هذه الخلافة الباطنة لخرب العالم وعمت الفوضى، ولولا وساطتهم لما وصلت رحمة الله إلى الخلق، ولذا كثيرًا ما وصفوا أنفسهم بأوصاف هي أليق بالجناب الإلهي، أو الحقيقة المحمدية منها بهم، وليست لغة هؤلاء القوم لغة إلحاد، ولكنها لغة أناس، أرادوا أن يصفوا الله فوصفوا أنفسهم لشعورهم بأنه هويتهم، أو أرادوا أن يصفوا الروح المحمدية فوصفوا أنفسهم لشعورهم بأنه حي فعال فيهم([2]).

وهذا الخلط بين النبي والولي، وجعل الولي أساس النبوة تكلف في التأويل لا تسيغه بساطة العقيدة الإسلامية ووضوحها، وقد جلب هذا الخلط على أصحاب هذه النظرية، بل على التصوف برمته هجوم السلفيين المحدثين ممن لم يفهم هذا التأويل المتعسف الذي يبعد بصاحبه عن وضوح العقيدة في الله ورسوله والعالم .

 

جـ - الغلــو :

غالى متفلسفة الصوفية في النبي (صلى الله عليه وسلم)، فخرجوا عن حدود الحقيقة في تصور الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فغيروا طبيعته من الطين إلى النور، وجعلوه أصل الوجود والسبب في كل موجود.

ولقد كان غلوهم من جنس غلو النصارى، فقد وصل الأمر بالنفري إلى القول بمن رآه فقد رأى الله. وقال آخر: وله يكون الركوع والسجود؛ أي الإنسان الكامل([3]).

وبشكل آخر ظهر هذا الغلو من الصوفية تجاه النبي (صلى الله عليه وسلم) في صورة الاتحاد به، أو الفناء فيه، ولم يكتفوا بتقليده في أفعاله وأخلاقه، بل تاقت نفوسهم إلى دوام حضوره معهم، ولذا يراه المريدون في شتى الصور في النوم واليقظة([4]).

<!--[if !supportFootnotes]-->

<!--[endif]-->

(3) ابن عربي: الفتوحات المكية، 1: 43-45، د/عفيفي: التعليقات على الفصوص ، 1: 62-64.

(1) نيكلسون: في التصوف الإسلامي وتاريخه، ص 161.

(2) الجيلي: الإنسان الكامل، 1: 48، نيكلسون: الصوفية في الإسلام، ص 82.

(3) نيكلسون: في التصوف الإسلامي وتاريخه، ص 163.

 

                           *************

وهذا كان له أثره الواضح فيما بعد في الغلو في المشايخ من جراء اعتقاد ختم الولاية، ووراثة الحال النبوي، وادعاء بعض المشايخ لنفسه ما ليس من حقه دون خلق الله، وهذا مخالف لقواعد وأصول التصوف الصحيح، فعن أنس بن مالك أن رجلاً قال: يا محمد يا سيدنا وابن سيدنا وخيرنا وابن خيرنا، فقال رسول الله: يا أيها الناس، عليكم بتقواكم، ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد بن عبد الله، عبد الله ورسوله، والله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي، التي أنزلني الله عزوجل"(1).

وقال (صلى الله عليه وسلم): " لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا عبد الله ورسوله"(2).

 

<!--[if !supportFootnotes]-->

<!--[endif]-->

 من حديث أنس بن مالك ، مسند الإمام أحمد، رقم (12573، 13553)

(2) متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب، صحيح البخاري بحاشية السندي،2: 458، رقم: (3445). 

 

المصدر: مصطفى فهمي: رسالة دكتوراه -كلية دار العلوم-جامعة القاهرة
Dr-mostafafahmy

د/ مصطفى فهمي ...[ 01023455752] [email protected]

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 108 مشاهدة
نشرت فى 2 يونيو 2011 بواسطة Dr-mostafafahmy

ساحة النقاش

مصطفى فهمي

Dr-mostafafahmy
فلسفة الموقع مهتمة بتحديد طريقة الحياة المثالية وليست محاولة لفهم الحياة فقط. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

507,377