جمهورية الصعيد العربية الإفريقية 

قبل اندلاع أزمة تعيين اللواء شرطة عماد شحاتة ميخائيل محافظا لقنا بيومين، اتصل بى طيار مدنى متسائلا بنبرة حادة: «إذا لم تهتم بنا الدولة بصورة حقيقية فقد نخرج لنطالب بالحكم الذاتى أو حتى بالانفصال».

للحظات ظننت هذا الرجل يمزح، لكنه كان جادا للغاية وظل يحاول استمالتى لفكرته ــ باعتبارى صعيديا ــ كى ألفت النظر إلى ضرورة الاهتمام بالصعيد والتوقف عن الطريقة القديمة المتمثلة فى التعامل معه باعتباره شيئا أقرب إلى الفولكلور لا تهتم به السلطة المركزية الا مواسم الانتخابات.

حاولت أن أهدئ من غضب الطيار وسألته مازحا: هل هناك صعيدى يستطيع أن يقود طائرة فعلا، فأجاب ضاحكا بأنه مازال فى الخدمة، ثم عاد للجدية مؤكدا أن الكيل فاض و«لم يبق فى قوس الصبر منزع».

الطيار أحصى عشرات المشاكل التى تعانى منها قنا وسائر مدن الصعيد، وهى مشاكل يعرفها الدانى والقاصى،... ثم يضيف إنه حتى عندما قررت الحكومات السابقة أن تستثمر قليلا فى الصعيد، فإن معظم هذه الاستثمارات ذهب عائدها إلى مجموعة من اللصوص، والأرض التى كان يفترض أن تذهب إلى شباب الخريجين، فوجئنا بها تذهب إلى الحيتان الكبار.

وحتى الخدمات البسيطة التى شهدها الصعيد فى السنوات الأخيرة فقد حدثت للأسف الشديد بفضل «رصاصات الإرهاب» على حد وصف الشاعر القناوى الكبير عبدالرحمن الأبنودى، فقد اضطرت الحكومة إلى ذلك حتى تسحب البساط من تحت أقدام المتطرفين.

الأزمة فى الصعيد معقدة وأكبر كثيرا من اختزالها فى تعيين محافظ مسيحى للمرة الثانية، كما أنها أكبر من الاحتقان الطائفى.

هناك تراكم سياسات فاشلة منذ سنوات طويلة جعل الصعيد يتحول إلى بيئة فقيرة طاردة، لا أمل للشباب فيها سوى انتظار إما «عدم ممانعة» للذهاب إلى الكويت، أو هجرة غير شرعية تقذف بالشاب إلى مدينة ميلانو الإيطالية أو أى مدينة أوروبية أو الفرار إلى القاهرة بحثا عن فرصة عمل، وهذا أضعف الإيمان.

هناك خطأ بالتأكيد حدث فى عملية اختيار محافظ قنا، وجاء الاعتراض من بعض السكان ليزيد الطين بلة وبسبب تأخر الحل تعقدت المشكلة أكثر وأصبح أى حل مكلفًا.

مرة أخرى الكارثة إن جزءا كبيرا من عقلية الإدارة التى تحكمنا هى نفس عقلية الحكومات السابقة، لكن المناخ تغير كثيرا الآن.

معظم أهالى قرى ومدن الصعيد الواقعة على طريق القاهرة أسوان الزراعى يخرجون منذ سنوات فى مظاهرات دائمة لقطع هذا الطريق الحيوى فى كل مرة يموت فيها شخص فى حادث سيارة.

هؤلاء اكتشفوا بعد 25 يناير أن المظاهرات السلمية يمكن أن تقود إلى معجزات، فهى لم تسقط رئيس دولة وحكوماته فقط بل وضعتهم جميعا فى طرة.

ولذلك وعندما لم يعجبهم قرار تعيين عماد ميخائيل شحاتة محافظا، قرروا أن يمارسوا حقهم ويرفضوا القرار.

إن آجلا أو عاجلا سيتم حل مشكلة محافظة قنا، حتى لو كان الثمن مكلفا، لكن ترك الصعيد مهملا وبلا خطة حقيقية للتنمية الشاملة، سوف تحوله فعلا إلى مخزن للبارود قد ينفجر فى أى لحظة فى وجه كل مصر.

الوقت يداهمنا، والإصلاح وإعادة البناء ينبغى أن يبدأ من الآن.. المشاكل كثيرة والتحديات أكثر وتأجيل الحلول سوف يفاقمها.

إذا كان الصعايدة قد شلوا حركة القطارات والطرق البرية.. هل ننتظر حتى يقطعوا مياه النيل، ويطلبوا الوحدة مع أوغندا أو إثيوبيا؟!

Dr-mostafafahmy

د/ مصطفى فهمي ...[ 01023455752] [email protected]

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 191 مشاهدة
نشرت فى 21 إبريل 2011 بواسطة Dr-mostafafahmy

ساحة النقاش

مصطفى فهمي

Dr-mostafafahmy
فلسفة الموقع مهتمة بتحديد طريقة الحياة المثالية وليست محاولة لفهم الحياة فقط. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

500,262