عقوق أبناء، هجر زوج، طمع إخوة.. عكس كل التوقعات لم يكن دار المسنين بالنسبة للحاجة حورية مجرد مكان يخلصها من أحد هذه الكوارث التي يمكن أن تكون سببا متعارف عليه ليكون عنوان سكن أمهات وآباء أفنوا حياتهم في رعاية ذويهم.
التقينا في دار رسالة للمسنين بذلك الوجه الحنون، وتلك الدموع الحبيسة لكنها ليست بسبب الحزن على حجود زوج أو ابن، لكنها دموع أم حنون تتذكر بر ابنها ورعايته لها رغم إعاقته الجسدية.
- ماما حورية منذ متى وانتي في دار المسنين؟
كنت موظفة في الشئون القانونية في أكاديمية الفنون، وقد جاهدت في سبيل توفير حياة كريمة لإبني الوحيد محمد الذي ابتلاه الله بأن خلقه كفيفا ولا يسمع، فسهرت الليالي وأنا أرعاه وعملت بكل طاقتي حتى حصل على بكالريوس نظم ومعلومات كمبيوتر.
ومنذ عدة سنوات وأنا مصابة بجلطة جعلتني قعيدة الفراش، ومن ذلك الحين وابني محمد هو الذي يرعاني، فقد عوضني به الله عز وجل عن أي إنسان، رأيت فيه شبابي الذي أفنيته دون وجود رجل يتحمل مسئولية زوجته وابنه.
وبدموع الأم الحنون بادرتني قائلة: محمد تعب معايا كثير وربنا قواه من أجلي.. كان مش بيحب حد غيره يخدمني ويقول لي أنا سعيد كده وحاسس إن ربنا هيكرمني بدعوة منك يا أمي.
وماذا عن زوجك؟
عفوا لا أحبذ التحدث عنه حرصا على مشاعر ابني محمد.
إذن لم يكن انتقالك لدار المسنين بدافع عقوق الإبن؟
إطلاقا فقد كان ابني ،رزقه الله الصحة، خير مثال على الإبن البار، لكن بعد سنوات من مرضي وشعوري برغبته في الزواج بزميلته في الدراسة أردت أن أكمل الصورة الرائعة التي رسمت ملامحها منذ طفولة محمد.
وعندما زادت حالتي النفسية سوءا بسبب الشعور بأني صرت عبئا عليه نصحتني إحدى الصديقات بالاتصال بجمعية رسالة للأعمال الخيرية، وبالفعل جاءني أبنائي من رسالة وحضرت معهم منذ أكثر من سنة ونصف، والحمد لله مع الرعاية الطبية والعلاج الطبيعي بدأت أسير على قدمي.
وكيف تقضون يومكم هنا؟
الحمد لله محمد وزوجته يزوراني باستمرار وكذلك بعض أقاربي يزوروني كل فترة، وهنا في الدار نذهب كل أسبوع لصلاة الظهر في أحد المساجد القريبة ، كما نخرج في بعض النزهات القصيرة.
تركت هذا الوجه الحنون والدموع تنهمر من عينيها متذكرة ابنها البار الذي تركته حرصا منها على راحته هو وزوجته التي كانت سببا رئيسيا في اطمئنان قلبها على وحيدها.