بدت إخلاص جبارة واثقة بنفسها بعد حصولها على شهادة الثانوية العامة والتحاقها بجامعة النجاح الوطنية رغم إعاقتها البصرية وفقدان الأب الحاني الذي طالما تمنى رؤيتها طالبة جامعية.
بعد إنهاء الدراسة في مدرسة القبس الأساسية الخاصة بالإعاقة البصرية في مدينة البيرة/ رام الله. لم يكن أمام اخلاص إلا أن تلتحق بمدرسة بنات سالم الثانوية، وقد واجهت صعوبة في الحصول على آلة (بريل) الخاصة بكتابة الكفيفين، لتحصل عليها بعد شهر كامل، ولم يتوقف الأمر إلى هذا الحد بل عانت من نقص شديد في أوراق الطباعة التي لم تتوفر بشكل دائم.
وتتذكر إخلاص والدموع تنهمر من عينيها اللحظة التي تمناها والدها حين عرفت بنجاحها في التوجيهي بمعدل (73%) وتمنت لو أن والدها كان موجودا ليشاركها الفرحة وخصوصا بعد التحاقها بكلية الآداب في جامعة النجاح الوطنية. لدراسة الأدب الإنجليزي.
تعلم اخلاص انها تشق طريق النجاح بصعوبة من أجل التغلب على اعاقتها لتتحدث بلسان حال من هم مثلها يعانون ولتفتح ملف ذوي الحاجات الخاصة، وكانت أولى الصعوبات التي واجهتها، أن طلب منها طباعة الكتب المقررة في بداية كل فصل دراسي نظرا لعدم وجود عناية خاصة بالكفيفين داخل الجامعات الفلسطينية وخصوصا بعد استرداد وزارة التربية والتعليم (آلة برايل) التي استخدمتها في دراسة التوجيهي.
ترى التصميم والنجاح في عينيها وكأنهما يبصران غدا مشرقا، يمكنها من التغلب على اعاقتها، لتبرق رسالة إلى كل مبصر، رغم أن طريقها صعبة وخصوصا عند دراسة الأدب الانجليزي الذي لا يرغب الطلبة المصبرين دراسته ولذلك أخذت على عاتقها طباعة الكتب المقررة للدراسة في جامعة النجاح الوطنية وتبدو اخلاص شامخة تتمتع بشخصية قوية مكنتها من الانتصار على اعاقتها حينما اجتازت امتحان الثانوية العامة وتتمنى اخلاص أن تصبح بعد انهاء الجامعة مُدرِّسة للغة الانجليزية وخصوصا لتعليم الكفيفين.
تعود الذاكرة باخلاص إلى اليوم الأخير لتوصيل والدها لها إلى مدرسة القرية مؤكدة انها استمدت العزيمة والقوة من صبر والدها وتحمله حينما كان يلاطفها ويتعامل معها بحنان بحيث لم تشعر باعاقتها البصرية.
وكان الحكم عليهم جميعا بالإعدام حينما علمت بنبأ استشهاد والدها الذي قتل بدم بارد على مدخل قرية سالم وتؤكد إن والدها لم يتذمر يوما من العناية الخاصة بها بل أن معاملتها كان فيها نوع من التمييز الإيجابي.
وتمتعت إخلاص بعلاقة وثيقة مع والدها منذ صغرها بعد تحمله عناء السفر كل اسبوع ليجاهد من أجل دراستها في المدارس الخاصة بالإعاقة البصرية في رام الله متمنيا رؤيتها في الجامعة واخيرا تحقق حلم والدها.
يبدو أن المستوطن (يشوع ايتسار) من مستوطنة ايتامار القريبة من قرية سالم كان له رأي آخر باختطاف البسمة من وجه اخلاص واخوتها عندما قتل بدم بارد الوالد صايل جبارة الذي عمل سائق تكسي على الخط الإلتفافي الواصل بين القرية ومدينة نابلس، ليتركها وأخواتها وهم أكثر حاجة له، فمحمد، الأخ الثاني (15 عاما) لإخلاص يعاني من إعاقة بصرية ايضا.
السيدة منى والدة اخلاص تحملت مسؤولية العائلة منذ استشهاد زوجها وهي مصممة على تحقيق حلم زوجها من خلال تدريس اخلاص في الجامعة واكمال ابنها محمد تعليمه المدرسي وتقول: عشنا عائلة مستورة الحال ورضينا بأمر الله عندما ولد محمد واخلاص كفيفين، ومع هذا صمم والدها على تعليمهما في المدارس الخاصة، ولم ألحظ يوما أن صايل ملَّ من رعايتهما، والحمد لله اتحمل مسؤولية تربية أطفال من ذوي حاجات خاصة بعد استشهاد والدهم.
وتفكر منى في ابنتها اخلاص التي تجد صعوبة بالاندماج والتكيف مع الوضع الجديد في مجتمع الجامعة الواسع، الذي سيدفعها إلى ايصالها يوميا إلى جامعتها وتتساءل عن من سيساعدها للتنقل بين محاضراتها، وتعلم أن في الأمر صعوبة ولكن طريق الألم طويلة امام والدة اخلاص لن تتوقف إلا عندما تؤدي امانتها تجاه ولديها.
والد إخلاص صايل جبارة استشهد على الشارع الالتفافي القريب من قرية سالم قبل عام يوم الإثنين 27-9-2004، وقد عاش الوالد وذاق مرارة اليتم وهو ابن خمسة اعوام، ليتحمل مسؤولية اخوته ثم ليقتل ظلما ويترك أطفاله بلا معيل.
واخوة إخلاص هم سهاد وأصالة وشريف ومحمد ويحيى وتمتلك العائلة بيتا متواضعا في القرية.
ومن المعروف أن قرية سالم الواقعة شرق مدينة نابلس قدمت العديد من الشهداء واشتهرت القرية بحادثة دفن جنود الاحتلال لشباب منها وهم أحياء في الانتفاضة الأولى، وتتعرض يوميا لمضايقات مستوطني (ايتامار) وألون موريه.
الطبيعة سلبتها الإبصار فصبرت لكنها لم تدر أن الاحتلال سيسلبها والدها إلى الأبد وهي اليوم تستخدم لغة نظام بريل بديلة للتواصل قراءة وكتابة، ولكن في الموت ليس هناك بديل، لانها رصاصة واحدة اطلقت صوب والدها لتستقر في قلبه إلى الأبد وتقتلهم جميعاً.