موقع العبد الفقير إلى الله تعالى المؤرخ أ.د/السيد محمد الدقن رحمه الله

غفر الله ورحم د/السيد محمد الدقن وزوجته وأدخلهما فسيح جناته

المحاكم المختلطة في تاريخ مصر 
أ. د.السيد محمد الدقن
     فكر الخديوي اسماعيل في إصلاح فساد المحاكم القنصلية في مصر،  ولكن بدلا من أن يلغي هذه المحاكم، ويجعل المحاكم الأهلية صاحبة الاختصاص في المنازعات المدنية والتجارية وكذا القضايا الجنائية، كما هو متبع في تركيا، طبقا لما تنص عليه معاهدات الامتيازات الأجنبية، بدلا من ذلك نهج اسماعيل منهجا خاطئا إذ تجمس لتنفيذ المشروع الذي وضعه وزيره نوبار، وهو يقضي بنقل سلطة المحاكم المتعددة-التي أشرنا إليها- إلى محاكم مختلطةأغلب قضائها من الأوربيين.
     ولم تكن المحاكم المختلطة سوى امتيازا جديدا مهد لتغلغل نفوذ الأجانب في سلطة القضاء والتشريع، وفيكيان البلاد المالي والاقتصادي، وقد بدأت هذه المحاكم عملهافي فبراير سنة 1876 بمقتضى اتفاق عقد بين مصر والدول الأوربية في عام 1875م.
    وقد جاء نظام المحاكم المختلطة قلبا للأوضاع المألوفة، فعلى الرغم من أنه حقق عدة مبادئ جديدة في تاريخ القضاء المصري كالفصل بين القضاء والسلطة التنفيذية ووضعه حدا للاغتصاب المالي عن طريق التعويضات الباهظة، وكفالته الاستقلال الذاتي التام للخديوية- على الرغم منذلك كان هذا القضاء المختلط وبالا على مصر والمصريين، فقد أصبح المصريون خاضعين لهذا النظام وغدوا غرباء في بلادهم، وعرضة لضياع حقوقهم لأن هذه المحاكم سارت على سنة رعاية المصالح الأجنبية وإهدار حقوق الأهليين، كما أصبح الخديوي والحكومة خاضعا لهذا النظام، وملزمون بتنفذ أحكام هذه المحاكم التي وقفت دائما في صف الدائنين الأجانب في نزاعهم مع الخديوي والحكومة، مما نتج عنه تفاقم الأزمة المالية ثم التدخل المالي فالسياسي الذي أفضى إلى خلع الخديوي اسماعيل.
   ولم يقتصر خطر المحاكم المختلطة على الناحية القضائية، بل امتد إلى السلطة التشريعية كذلك؛ لأن إنشاء هذه المحاكم ترتب عليه حقا جديدا مؤداه، أن تشارك المحاكم المختلطة في سلطة التشريع بالنسبة للأجانب، وهو اعتداء سافر على سيادة مصر، وبذلك يكون نظام القضاء المختلط قد انتقص من سيادة مصر واستقلالها في ولاية القضاء والتشريع، كما ساعد على تغلغل النفوذ الأجنبي في مصر، ولا سيما بعد تفاقم الأزمة المالة في مصر.
   ثم إن إنشاء المحاكم المختلطة  فرض على البلاد من الوجهة القانونية قيدا جديدا، لم يكن بوسع مصر أن تتحلل منه إلا بعقد معاهدة جديدة مع الدول التي اتفقت معها على إنشاء هذه المحاكم، ولم يتيسر ذلك لمصر إلا بعد معاهدة مونترو في 8 مايو 1937، التي نصت على إلغاء الامتيازات الأجنبية وعلى بقاء المحاكم المختلطة لغاية 1949، حين انتقل الاختصاص كله للقضاء الوطني. 

المصدر: أ.د. السيد محمد الدقن، دراسات في تاريخ مصر الحديث والمعاصر(القاهرة: المؤلف، د.ت)
DRDEQENSAYED

ربي اغفر وارحم عبدك السيد محمد الدقن وزوجته - نسألكم الفاتحة والدعاء وجزاكم الله خيرا ولكم بمثل ما دعوتم

  • Currently 5/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
1 تصويتات / 2193 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

149,704

ابحث

موقع العبد الفقير إلى الله تعالى المؤرخ أ.د/السيد محمد الدقن رحمه الله

DRDEQENSAYED
يهدف هذا الموقع إلى نشر أجزاء من علم العبد الفقير إلى الله سبحانه وتعالى المؤرخ المصري الدكتور السيد محمد الدقن غفر الله له ورحمه، أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر، وكذلك نشر كل ما قد يكون في ميزان حسناته وحسنات زوجته رحمهما الله، نسألكم الدعاء والفاتحة للفقيد والفقيدة ولكم بمثل ما دعوتم »