المحمل- أ.د.السيد محمد الدقن
كان يطلق على الجَمَل الذي يحمل الهدايا العينية والنقدية إلى الكعبة المشرفة، والذي كان يُغَطَّى بقطعةٍ من الجُوخ. والجدير بالذكر أن خروج المحمل كل عام إلى مكة المكرمة لم يقتصر على مصر وحدها، بل تبارى ملوك المسلمين وأمراؤهم في إرسال المحامل التي تحمل هداياهم وصررهم كل عام إلى الحرمين الشريفين ، ومن ذلك ما رواه التاريخ عن خروج المحمل العراقي المحمل اليمنى، ومحمل النظام ملك حيدر آباد بالهند في العصور الإسلامية السابقة، ومحمل ابن الرشيد ومحمل ابن سعود ومحمل ابن دينار الذي كان يأتي إلى مصر ومعه الريش والصمغ وغيرها من خيرات بلاد السودان ، حيث تباع هذه الأشياء ويتم بثمنها نقود الصُّرَّة، ثم يستأنف رحلته إلى الأراضي المقدسة صُحبة الرَّكْب المصري.
وقد اختلف المؤرخون حول بداية ظهور المحمل، فذهب البعض إلى أن المحمل يبتدئ تاريخه من سنة 645هـ، وقالوا إنه الهودج الذي ركبته فيه شجرة الدر ملكة مصر عندما قامت بأداء فريضة الحج في تلك السنة، وصار بعدها يسير سنويًّا أمام قافلة الحج وليس فيه من أحد؛ لأن مكان الملوك لا يجلس فيه غيرهم، بينما يرى البعضُ الآخر أن المحمل قديمٌ جدًّا، بل ربما يرجع إلى ما قبل الإسلام، إذْ كان يُطلق على الجمل الذي يحمل الهدايا إلى بيت الله الحرام.
والواقع أنه من الصعب تحديد بداية ظهور المحمل، ذلك أن المحمل بهذه الصورة المبسطة التي تقتصر على إرسال جمل يحمل الهدايا إلى البيت العتيق أمر عادي، من الممكن حدوثه حتى قبل ظهور الإسلام؛ لأن تقديس العرب للكعبة المشرفة وإرسال الهدايا إليها كان أمرًا مألوفًا لدى العرب منذ الجاهلية، أما خروج المحمل في موكب رسمي تُحيط به مظاهر الأبهة والزينة والطبول والزمور، فهذه أمور ليست من الإسلام في شيء، وقد حدثتْ في وقت لاحق بعد ظهور الإسلام بقرونٍ عديدة في عصر الدولة الأيوبية، ولعل خروج موكب شجرة الدر في هودج مُزيَّن بأبهى زينة يُحيط به الخدم والجنود هو الذي جعل بعض المؤرخين يؤرخون بداية ظهور المحمل بالسَّنة التي خرجت فيها شجرة الدر للحج سنة 645هـ ومعها محملها بهذه الصورة، ومن ثم فقد صار خروج المحمل على تلك الصورة عادة يقوم بها ملوك مصر كل سنة، وما زالوا يبالغون في زينته من سنة إلى أخرى حتى صارت كسوته بحيث لا يستطيع الجمل حمل شيء معها، ولا غرو فقد بلغت كسوة المحمل مع هيكله الخشبي لا تقل في الوزن عن 14 قنطارًا، وصار ما كان يحمل على الجمل من الهدايا يحمل في صناديق على جمال أخرى تسير مع قافلة الحج.
ساحة النقاش