كسوة الكعبة في عصر الرسول والخلفاء الراشدين
أ.د/السيد محمد الدقن
قبل أن نتحدث عن كسوة الكعبة في عصور الدولة الإسلامية يجدر بنا أن تشير إلى أن المسلمين لم تتح لهم فرصة القيام بهذا العمل الجليل إلا بعد فتح مكة، حيث كانت السيادة عليها قبل الفتح للمشركين ولم يرد في كتب المؤرخين أن المسلمين قد كسوها قبل الفتح فقد روي عن سعيد بن المسيب أنه قال: لما كان عام الفتح أتت امرآة تجمر الكعبة أي تبخرها فاحترقت ثيابها أي كسوة الكعبة، وكانت كسوة المشركين فكساها المسلمون بعد ذلك، كساها النبي صلى الله عليه وسلم الثياب اليمانية ثم كساها أبو بكر الصديق -رضي- الله عنه- القباطي(جمع قبطية بضم القاف، وهو ثوب أبيض رقيق يصنع في مصر، كان منسوبا غلى القبط)، ثم كساها عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أيضا القباطي من بيت المال، فكان يكتب إلى مصر لتحاك له فيها؛ وكذلك فعل عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، غير أن عثمان لم يقتصر في كسوته للكعبة على القباطي بل كساها أيضا البرود اليمانية في إحدى السنوات، حيث أمر عامله على اليمن (يعلى بن منبه) بصنعها؛ فكان عثمان بن عفان أول من وضع على الكعبة كسوتين إحداهما فوق الأخرى في الإسلام أما علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فلم يذكر أحد من المؤرخين أنه كسا الكعبة؛ وقد برر بعض المؤرخين ذلك بانشغاله بالحروب والفتن الداخلية التي ابتليت بها الدولة الإسلامية عقب مقتل عثمان -رضي الله عنه.
ويورد بعض الباحثين عدة روايات تؤكد كلها أن النبي عليه الصلاة والسلام هو أول من كسا الكعبة القباطي منها:« قال عبد الرزاق عن ابن جريج: أخبرت أن عمر -رضي الله عنه- كان يكسوها القباطي، وأخبرني غير واحد أن النبي عليه الصلاة والسلام كساها القباطي والحبرات».
وروى أبو عروبة عن الحسن قال: أول من ألبس الكعبة القباطي النبي عليه الصلاة والسلام، وأما عن الوقت الذي كانت تكسى فيه الكعبة في تلك الفترة فقد روى الأزرقي عن خالد ابن المهاجر أن النبي عليه الصلاة والسلام خطب الناس يوم عاشوراء فقال: « هذا يوم عاشوراء يوم تنقضي فيه السنة؛ وتستر فيه الكعبة؛ وترفع فيه الأعمال؛ ولم يكتب عليكم صيامه وأنا صائم فمن أحب منكم أن يصوم فليصم»، كما روي عن ابن جريج قال: كانت الكعبة فيما مضى إنما تكسى يوم عاشوراء إذا ذهب آخِر الحاج حتي كانت بنو هاشم، فكانوا يعلقون عليها القميص يوم التروية من الديباج لأن يرى الناس ذلك عليها بهاء وجمالا؛ فإذا كان يوم عاشوراء علقوا عليها الإزار».
وأيضا روي عن نافع قال: « كان ابن عمر يكسو بدنه إذا أراد أن يحرم القباطي والحبرة، فإذا كان يوم عرفة ألبسها إياها، فإذا كان يوم النحر نزعها ثم أرسل بها إلى شيبة بن عثمان فناطها على الكعبة»، كما روي أن الكعبة كانت تكسى في كل سنةٍ كسوتين كسوة ديباج وكسوة قباطي؛ فأما الديباج فتكساه يوم التروية؛ فيعلق القميص على نصف الكعبة ويدلى ولا يخاط، وكأنها محرمة كما هي العادة اليوم، فإذا أتم الناس حجهم وصدروا من منى خيط القميص وترك الإزار حتى يذهب الحاج لئلا يخرقوه، فإذا كان يوم عاشوراء علق عليها الإزار؛ فوصل بالقميص فلا تزال هذه الكسوة الديباج حتى يوم سبع وعشرين من رمضان فتكسى القباطي لاستقبال عيد الفطر.
ساحة النقاش