جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
أ.د/السيد محمد الدقن
انقسم المؤرخون حيال نكبة المماليك مارس 1811 إلى فريقين:
أحدهما- ينعي باللائمة على محمد علي ويجلل تاريخه بالعار لارتكابه هذا الغدر الشنيع بضيوف أمنهم على حياتهم وبسط لهم موائد كرمه الظاهري، ثم أخذهم على غرة ولم يعطهم فرصة للدفاع عن أنفسهم، وكان الأجدر به أن يقضي عليهم في ميدان الحرب والبطولة أو يجردهم من قوتهم ويطاردهم في كل ميدان إن استطاع إلى ذلك سبيلا، وخلاصة رأي هذا الفريق أن هذا عمل شائن يجافي مقاييس العدالة.
وأما الفريق الثاني فإنه ينتحل المعاذير لمحمد علي ويقدر ظروفه الدقيقة التي أحيط بها وقتئذ، إلى جانب ما عرفت به هذه الطائفة من إثارة الفتن والحروب لمصلحتها الشخصية دون أن ترقب في الأمة عهدا ولا حرمة، ولقد فشلت شتى الوسائل التي اتخذت لإنهاء خصومتهم من حرب وسلم ومنح وامتيازات، وماذا كان يفعل محمد علي وهو على أبواب الحرب الوهابية؟ أيضع نفسه بين نار الوهابيين في الحجاز ونار المماليك في مصر؟ إنه لو فعل ذلك لوصمه التاريخ بأنه قصير النظر لم يعد للأمر عدته، وماذا كان ينتظر منه أزاء هولاء الإنتهازيين الذين صمموا على القضاء عليه وتصفية حسابهم معه وجيشه لا يزال بمصر، فكيف بهم لو بعث بقواته خارج البلاد؟ وهل لو بتر الطبيب عضوا من جسم رأى في بقائه القضاء على سائر الأعضاء أيكون عليه تبعة ولوم رضي المريض أو كره؟؟ إن هلاك البعض في سبيل بقاء الكل شريعة ودين، والغاية تبرر الوسيلة كما يقول الميكافيليون .
على أننا نرى أن القضاء على المماليك كان ضرورة يحتمها الحفاظ على كيان البلاد والسير بها في ركب الحضارة لتحتل مكانها بين سائر الأمم، ولا شك أن المماليك كانوا عقبة في سبيل ذلك، ولكن محمد علي أخطأه التوفيق في اختيار الوسيلة لأن القضية في النهاية قضية أخلاق.
المصدر: أ.د.السيد محمد الدقن، دراسات في تاريخ مصر الحديث والمعاصر(القاهرة: المؤلف)
ربي اغفر وارحم عبدك السيد محمد الدقن وزوجته - نسألكم الفاتحة والدعاء وجزاكم الله خيرا ولكم بمثل ما دعوتم
ساحة النقاش