يقول ابن القيم رحمه الله: لو أن رجلاً وقف أمام جبل وعزم على إزالته لأزاله. لقد توصلت بعد سنوات من الدراسة والبحث والتأمل إلى أنه لا مستحيل في الحياة سوى أمرين فقط: 1- ما كانت استحالته كونية: (فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) (البقرة: من الآية 185). 2- ما كانت استحالته شرعية مما هو قطعي الدلالة والثبوت: فلا يمكن أن تجعل صلاة المغرب ركعتين، ولا أن يؤخر شهر الحج عن موعده (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَات) (البقرة: من الآية 197)، ولا أن يباح زواج الرجل من امرأة أبيه (إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً) (النساء: من الآية 22) وما عدا هذين الأمرين وما يندرج تحتهما من فروع فليس بمستحيل، قد تكون هناك استحالة نسبية لا كلية، وهو ما يدخل تحت قاعدة عدم الاستطاعة فقد يعجز فرد عن أمرٍ، ولكن يستطيعه آخرون، وقد لا يتحقق هدف في زمن، ولكن يمكن تحقيقه في زمن آخر، وقد لا تتأتى إقامة مشروع في مكان، وتسهل في مكان ثان، وهكذا فالخطورة: تحويل الاستحالة الفردية والجزئية والنسبية إلى استحالة كلية شاملة عامة. إن عدم الاستطاعة هو تعبير عن قدرة الفرد ذاته، أما الاستحالة فهو وصف للأمر المراد تحقيقه، وقد حدث خلط كبير بينهما عند كثير من الناس، فأطلقوا الأول على الثاني، إن من الخطأ أن نحول عجزنا الفردي إلى استحالة عامة تكون سببًا في تثبيط الآخرين، ووأد قدراتهم، وإمكاناتهم في مهدها، إن أول عوامل النجاح وتحقيق الأهداف الكبرى هو: التخلص من وهم "لا أستطيع- مستحيل"، وهو بعبارة أخرى: التخلص من العجز الذهني، وقصور العقل الباطن، ووهن القوى العقلية. إن الأخذ بالأسباب الشرعية والمادية يجعل ما هو بعيد المنال حقيقة واقعة، إن كثيرًا من الذين يكررون عبارة: "لا أستطيع" لا يشخصون حقيقة واقعة، يعذرون بها شرعًا، وإنما هو انعكاس لهزيمة داخلية للتخلص من المسئولية. إن من الخطوات العملية لتحقيق الأهداف الكبرى: الإيمان بالله، وبما وهبك من إمكانات هائلة تستحق الشكر. ومن شكرها: استثمارها لتحقيق تلك الأهداف التي خلقت من أجلها. أي عذر لإنسان وهبه الله جميع القوى التي تؤهله للزواج، ثم هو يعرض عنه دون مبرر شرعي. إن هذا من كفر النعمة لا من شكرها، وهو تعطيل لضرورة من الضرورات الخمس التي أجمعت جميع الديانات السماوية على وجوب المحافظة عليها، ومنها النسل، وحري بمن فعل ذلك أن تسلب منه هذه النعمة الكبرى (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (إبراهيم: 7). وقل مثل ذلك في كل نعمة، وموهبة وهبها الله الإنسان، إنني لست بصدد بيان عوامل النجاح، ومرتكزات القيادة والريادة، ولكنني أحاول أن أزيل هذا الوهم الذي سيطر على عقول كثير من رجال الأمة، وشبابها؛ فأوصلنا إلى الحالة التي سرّت العدو، وأحزنت الصديق، إن الأمة تمر بحالة تاريخية ذهبية من العودة إلى الله، وتلمس طريق النجاة والنجاح والسعادة والرقي، وإذا لم تستثمر تلك الإمكانات والطاقات الهائلة والأمة في حال إقبالها فسيكون الأمر أشد وأعسر في حال فتورها، إن من الأخطاء التي تحول بين الكثيرين وبين تحقيق أعظم الأهداف وأعلاها ثمنًا تصور أنه لا يحقق ذلك إلا الأذكياء، إن الدراسات أثبتت أن عددًا من عظماء التاريخ كانوا أناسًا عاديين، بل إن بعضهم قد يكون فشل في كثير من المجالات كالدراسة مثلاً، لا شك أن الأغبياء لا يصنعون التاريخ، ولكن الذكاء أمر نسبي يختلف فيه الناس ويتفاوتون، وحكم الناس غالبًا على الذكاء الظاهر، بينما هناك قدرات خفية خارقة لا يراها الناس، بل قد لا يدركها صاحبها إلا صدفة، أو عندما يصر على تحقيق هدف ما، فسرعان ما تتفجر تلك المواهب مخلفة وراءها أعظم الانتصارات والأمجاد. إن كل الناس يعيشون أحلام اليقظة، ولكن الفرق بين العظماء وغيرهم أن أولئك العظماء لديهم القدرة وقوة الإرادة والتصميم على تحويل تلك الأحلام إلى واقع ملموس، وحقيقة قائمة، وإبراز ما في العقل الباطن إلى شيء يراه الناس، ويتفيئون ظلاله. إن من أهم معوقات صناعة الحياة: الخوف من الفشل، وهذا بلاء يجب التخلص منه، حيث إن الفشل أمر طبيعي في حياة الأمم والقادة، فهل رأيت دولة خاضت حروبها دون أية هزيمة تذكر؟ وهل رأيت قائدًا لم يهزم في معركة قط؟ والشذوذ يؤكد القاعدة، ويؤصلها ولا ينقضها. إن من أعظم قادة الجيوش في تاريخ أمتنا – خالد بن الوليد – سيف الله المسلول، وقد خاض معارك هزم فيها في الجاهلية والإسلام، ولم يمنعه ذلك من المضي قدمًا في تحقيق أعظم الانتصارات وأروعها. ومن أعظم المخترعين في التاريخ الحديث؛ مخترع الكهرباء ( أديسون ) وقد فشل في قرابة ألف محاولة، حتى توصل إلى اختراعه العظيم، الذي أكتب لكم هذه الكلمات في ضوء اختراعه الخالد. وقد ذكر أحد الكتاب الغربيين أنه لا يمكن أن يحقق المرء نجاحًٍا باهرًا حتى يتخطى عقبات كبرى في حياته. إن الذين يخافون من الفشل النسبي، قد وقعوا في الفشل الكلي الذريع (أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) (التوبة: من الآية 49). ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر إن البيئة شديدة التأثير على أفرادها؛ حيث تصوغهم ولا يصوغونها (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) (الزخرف: من الآية 23)، ولذلك فهي من أهم الركائز في التقدم أو التخلف، والرجال الذين ملكوا ناصية القيادة والريادة؛ لم يستسلموا للبيئة الفاسدة ولم تمنعهم من نقل تلك البيئة إلى مجتمع يتسم بالمجد والرقي والتقدم؛ ولذلك أصبح المجدد مجددًا؛ لأنه جدد لأمته ما اندرس من دينها وتاريخها، وقد ختمت النبوة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فلم يبق إلا المجددون والمصلحون، يخرجونها من الظلمات إلى النور فحري بك أن تكون أحد هؤلاء. 1- ذلك الكم الهائل من عمرك والذي يعد بعشرات السنين، قد تحقق من أنفاس متعاقبة وثوان متلاحقة، وآلاف الكيلو مترات التي قطعتها في حياتك ليست إلا خطوات تراكمت فأصبحت شيئًا مذكورًا. وكذلك الأهداف الكبرى تتحقق رويدًا رويدًا، وخطوة خطوة، فعشرات المجلدات التي يكتبها عالم من العلماء، ليست إلا مجموعة من الحروف ضم بعضها إلى بعض، حرفًا حرفًا، فأصبحت تراثًا خالدًا على مر الدهور والأجيال. 2- علو الهدف يحقق العجائب، فمن كافح ليكون ترتيبه الأول يحزن إذا كان الثاني، ومن كان همه دخول الدور الثاني يفرح إذا لم يرسب إلا في نصف المقررات والمواد. 3- الإبداع لا يستجلب بالقوة وتوتر الأعصاب، وإنما بالهدوء والسكينة وقوة الإيمان, والثقة بما وهبك الله من إمكانات ، مع الصبر والتصميم, وقوة الإرادة والعزيمة؛ ولذلك فأكثر الطلاب تفوقًا أكثرهم هدوءًا, وأقلهم اضطرابًا عند الامتحان، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أشجع الناس، وأربطهم جأشًا، وأثبتهم جنانًا، وأقواهم بأسًا؛ يتقون به عند الفزع لا يعرف الخوف إلى قلبه سبيلاً. 4- التفكير السليم المنطقي يقود إلى النجاح، والتخطيط العلمي العملي طريق لا يضل سالكه، وفشل كثير من المشروعات منشؤه الخطأ في طريقة التفكير، والمقدمات الخطأ تقود إلى نتائج خطأ. 5- الواقعية لا تتعارض مع تحقيق أعظم الانتصارات, والريادة في صناعة الحياة، بل هي ركن أساس من أركانها، وركيزة يبنى عليها ما بعده، وعاصم من الفشل والإخفاق بإذن الله. 6- كثير من المشكلات الأسرية والشخصية والاجتماعية منشؤها توهم صعوبة حلها, أو استحالته. بينما قد يكون الحل قاب قوسين أو أدنى، ولكن الأمر يحتاج إلى عزيمة وتفكير، يبدأ من تحديد المشكلة ثم تفكيكها إلى أجزاء، ومن ثم المباشرة في علاج كل جزء بما يناسبه. 7- (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (الفاتحة:5) جماع الأمر، ومدار العمل، والقاعدة الصلبة التي بدونها تكون الحياة هباء منثورًا. أخيرًا.. اسأل نفسك هذا السؤال: (ماذا قدمت للبشرية؟ وماذا سيخسر العالم بموتك؟)

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 89 مشاهدة
نشرت فى 7 نوفمبر 2011 بواسطة BADRFOUDA

ساحة النقاش

ابو استشهاد

BADRFOUDA
ندعوا الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والى تكوين الفرد المسلم والاسرة المسلمة والمجتمع المسلم والى الحكومة المسلمة والى الدولة المسلمة والخلافة الاسلامية والى استاذية العالم »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

121,031