هل ما حدث ليلة أمس عند ماسبيرو شيء معقول؟ وبين أناس كانوا يتعاقبون في الصلاة كل جمعة في ميدان التحرير، وكان المسيحيون يصبون الماء على إخوانهم المسلمين للوضوء، وممن ينتمون إلى دينين يأمران بالمحبة والسلام والبر والقسط؟ وبسبب حادثة صغيرة في أقصى جنوب البلاد، كان حلها أيسر ما يكون إذا لم يمكن حلها وديًّا فقد كان من الممكن أن ينظر القضاء في الوثائق والمستندات، فإن وجد ترخيصًا ببناء كنيسة أمر ببنائها كأحسن ما يكون البناء، وإن لم يجد فعلى الجميع أن يحترم النظام والقضاء؟.
إن عدد القتلى والجرحى وحجم التخريب كل ذلك يقطع بأن هذه الأحداث ليست وليدة مشكلة كنيسة أسوان بقدر ما هي رغبة من جهات داخلية وخارجية تبغي إجهاض الثورة وتعويق مسيرتها نحو الحرية والعدل والديمقراطية، ولو أدى الأمر إلى حرب أهلية بين إخوة الوطن والدم والتاريخ، كما صرح البعض بغير مواربة.
إن المطالب المشروعة لها قنواتها ولها طريقتها ولها وقتها الذي يناسبها، والشعب المصري كله له مطالبه المشروعة وليس الإخوة الأقباط فقط، ويقينا ليس هذا هو الوقت المناسب للمطالبة بها؛ فالحكومة الحالية حكومة مؤقتة والظروف العامة غير طبيعية، وحتى لو صدرت مراسيم بقوانين فسوف يعاد النظر فيها فور تشكيل البرلمان المنتخب، فالحكمة تقتضى الصبر والتأني، وانتظار الحكومة المنتخبة من الشعب، التي تستمد شرعيتها منه وتدين بالولاء له وتلبى مطالبه العادلة والمشروعة، لا سيما ونحن على أعتاب الانتخابات الحرة التي طالما تطلعنا إليها، فينبغي التعجيل بإجرائها؛ للوصول بالبلاد إلى حالة الاستقرار والشرعية الشعبية والدستورية وإقامة حياة ديمقراطية سليمة.
إننا نعلم أن هناك احتقانًا لدى إخواننا الأقباط؛ نتيجة ما يدعونه من ظلم وتهميش، وأن هذا الظلم الذي يدعونه قام به نظام فاسد مستبد لم يحترم الدين ولا الأمانة، وطال هذا الظلم المصريين جميعًا، ولا يخفى على أحد أن الإخوان المسلمين تعرضوا لأضعاف أضعاف ما تعرض له الآخرون، ومن ثم لا يجوز أن تكون هذه الفترة الحرجة من تاريخ البلاد ظرفًا لتنفيس الاحتقان أو تصفية الحسابات، ومن نظام حالي مؤقت لم يكن هو السبب فيما جرى في الماضي.
إننا نرفض وندين ما نسب إلى السيدة كلينتون من عرضها المساعدة بقوات أمريكية لحماية الكنائس والمناطق الحيوية في مصر، ونعتبر هذا العرض المشبوه محاولة صريحة لاحتلال مصر احتلالاً مباشرًا، فلا زلنا نذكر أن الاحتلال البريطاني لمصر سنة 1882م تم تحت دعوى حماية الأقليات العرقية على إثر مشاجرة حدثت بين أحد المصريين ومواطن مالطي في الإسكندرية، واستمر هذا الاحتلال أكثر من ثمانين عامًا، ونخشى أن تكون هذه الرغبة العدوانية الأمريكية وراء الأحداث المؤسفة التي وقعت بالأمس، وإذا فكرت أمريكا في تنفيذ ذلك فلتعلم أن الشعب المصري كله سيقاوم هذا العدوان بكل ما أوتي من قوة، وإن كانت تريد مصلحة الإخوة الأقباط فلتعلم أنهم إخواننا وهم أقرب إلينا منهم، ونحن مأمورون بحمايتهم وحماية كنائسهم بنص القرآن الكريم.
إننا نطالب بما يأتي:
- نطالب العقلاء بالتدخل لإطفاء نيران الغضب وإحياء روح الأخوة التي صاحبت ثورة 25 يناير وعودة اللحمة للنسيج الوطني الواحد الذي يبرز عظمة الشعب المصري عبر التاريخ.
- نطالب بسرعة التحقيق فيما جرى وإعلان النتائج بمنتهى الشفافية، وإعلاء سيادة القانون فوق كل الأشخاص وكل الاعتبارات؛ حتى ينال كل مخطئ جزاءه العادل.
- ونطالب الإخوة الأقباط بعدم إعطاء الفرصة لأعداء الوطن في الداخل والخارج لإثارة الفتن والقلاقل.
- نطالب بالذهاب إلى الانتخابات وإجرائها وفق جدول زمني مناسب تتفق عليه القوى الوطنية؛ للتعجيل بنقل السلطة وتحمل المسئولية وعودة الاستقرار بإيجابياته العديدة.
- نطالب الإعلام أن يتقي الله في الشعب والوطن، وأن يتحلى بالمصداقية والأمانة والشفافية والدقة.
- نطالب بسرعة إصدار قانون العزل السياسي لكل من أفسد الحياة السياسية؛ حتى نجنب البلاد البلطجة والفوضى؛ خصوصًا إبان إجراء الانتخابات.
- نطالب ببذل كل الجهود من القوات المسلحة والأمن لحماية العملية الانتخابية، والإخوان المسلمون على استعداد كامل لتشكيل لجان شعبية أو المشاركة في لجان شعبية للمساعدة في تحقيق هذا الهدف الوطني النبيل.
وأخيرًا نذكر الناسين بما قاله الجنرال عاموس يادين، الرئيس السابق للاستخبارات الحربية الإسرائيلية، «أمان» ونشرته الصحف في 2/11/2010م أي قبل قيام الثورة، قال : «مصر هي الملعب الأكبر لنشاطات جهاز المخابرات الحربية الإسرائيلي، وإن العمل في مصر تطور حسب الخطط المرسومة منذ عام 1979م، لقد أحدثنا الاختراقات السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية في أكثر من موقع، ونجحنا في تصعيد التوتر والاحتقان الطائفي والاجتماعي؛ لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائمًا ومنقسمة إلى أكثر من شطر في سبيل تعميق حالة الاهتراء داخل البنية والمجتمع والدولة المصرية، لكي يعجز أي نظام يأتي بعد حسنى مبارك في معالجة الانقسام والتخلف والوهن المتفشي في مصر» فهل يفيق العقلاء؟
حفظ الله مصر ووحَّد كلمتها وهدى شعبها وقادتها لما فيه خير البلاد والعباد
الإخوان المسلمون
القاهرة في : 12 من ذي القعدة 1432هـ الموافق 10 من أكتوبر 2011م.
ساحة النقاش