د. عصام العريان

مضى رمضان سريعاً كعادته كل عام

وهكذا العمر دون ان نشعر بانقضاء الأيام، ولرمضان دروس عظيمة، تترسخ فى حياة المسلم والمسلمة يوماً بعد يوم، وعام بعد عام.

والهدف الأسمى للصيام كما قال الله تعالى هو "التقوى" {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿١٨٣﴾} [البقرة]

وهذه الوقفة مع دروس رمضان فى يوم العيد، يوم الفرح والسرور يوم الجائزة، يوم فرح الصائم بفطره، وفرح المسكين بصدقة الفطر، وفرح الصائمين بصلاة العيد فى أول لقاء لهم فى الساحات عقب ثورة مصر العظيمة وتونس الخضراء، وليبيا المجاهدة.

يوم العيد هذا العام يأتينا مع إحساس كبير بالمسئولية عن تحقيق أهداف ثوراتنا العربية، ويمكن لنا تلخيص هذه الثورات فى كلمة واحدة هى "التغيير" كما هتفنا جميعاً ملايين عربية فى الميادين العربية "الشعب يريد إسقاط النظام" أى الشعب يريد تغيير النظام.الشعب يريد تغيير النظام فى كل شيئ، على المستوى المحلى، على المستوى الوطنى، على المستوى القومى، على المستوى العالمى.

التغيير لا يقف عند حدود ، والله تعالى وضع قانوناً نتلوه فى رمضان وغير رمضان فى قوله تعالى {نَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ‌ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُ‌وا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد 11]

وقوله تعالى { ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرً‌ا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُ‌وا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ وَأَنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿٥٣﴾ } [الانفال]

وضرب الله لنا مثلاً فى التغيير الفعلى فى سورة النحل {وَضَرَ‌بَ اللَّـهُ مَثَلًا قَرْ‌يَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِ‌زْقُهَا رَ‌غَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَ‌تْ بِأَنْعُمِ اللَّـهِ فَأَذَاقَهَا اللَّـهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴿١١٢﴾ } [النحل]

وأول دروس رمضان هو " التغيير" والإقلاع عن العادات والمألوفات وهذا تغيير انقلابى فى حياة الفرد، يمنعه الطعام والشراب الحلال ليتعود على ترك الحرام، يمنعه من النوم الطويل ليقوم متضرعاً إلى الله فى جوف الليل البهيم، يمنعه من الشهوة الحلال ليحذر الاقتراب من الفواحش المحرمة.

رمضان يغيّر سلوك الإنسان، من عبدٍ شهوانّى إلى عبدٍ ربّانى ، من أسير عادات التدخين وغيرها، إلى إنسان حرّ يتسامى فوق المألوفات والمكروهات.

ودرس رمضان الثانى هو " المساواة" ، فهو شهر يتساوى فيه كل المؤمنين، يصومون فى ميقات واحد، ويتضرعون إلى رب واحد، ويتسامحون فيما بينهم، الكل جوعى، ولا فضل لغنىٍ على فقير، فهنا يشعر الغنى بحرمان الفقير طول العام عندما يشعر بالجوع والعطش فى شهر رمضان.

ومن دروس رمضان " وحدة الأمة الإسلامية"، فلا أعلم فى تاريخ الأديان ولا فى عاصر الأزمان، ملايين تزيد عن نصف مليار من الرجال والنساء والشباب وبعض الأطفال يصومون جميعاً، فى عبادة واحدة مشتركين فى قدر كبير من النهار من أندونسيا والفلبين إلى العراق البيضاء والرباط، بل يشاركهم أيضاً بعض النهار أو جل النهار ممن يصومون فى أوربا وأمريكا وأفريقيا وجنوب الصحراء، فزمن الصيام فى هذه البلاد الشاسعة يشترك على الأقل فى عشر ساعات، وجميعهم استجابوا لنداء رب واحد، وإله قدير عظيم، أمر فيطاع، ولذلك يوحّد الصيام الأمة كلها على معنى واحد ، قال الله لنا {نَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَ‌بُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴿٩٢﴾ }[الأنبياء]

وكررها تعالى {وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَ‌بُّكُمْ فَاتَّقُونِ ﴿٥٢﴾} [المؤمنون]

والهدف من إخراج هذه الأمة للوجود كان فى قول الله تعالى فى سورة البقرة {كَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّ‌سُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ } [البقرة 143]

ومن دروس رمضان "امتلاك الإرادة "، فالصوم حرمان إرادى ينبع من داخل الإنسان لا يقهره أحد، ولا يراقبه إلا الله، الذى قال فى الحديث القدسى (( كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به )) .

إرادة الصيام وإرادة القيام، عندما تذهب إلى فراشك لتهنأ بسويعات قد تقل فى هذا الصيف عن ثلاث ساعات، لتقوم منتعشاً مستبشراً واقفاً بين يدى مولاك، فى جوف الليل وثلثه الأخير، حيث ينزل ربنا بجلاله، نزولاً يليق بكماله يسأل : هل من داعٍ فأستجيب له ؟ هل من سائل فأعطيه ؟

هذه الملاين التى وقفت متضرعة هذا العام أن يعم على مصر والعرب والمسلمين الأمن والأمان، هذه الملايين عليها أن تدرك أن الله تعالى قال وسط آيات الصيام { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِ‌يبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْ‌شُدُونَ ﴿١٨٦﴾}[البقرة]

وقد وضع الله قاعدة أنه يستجيب دعاء المتضرعين فى الوقت الذى يريد، وبالأسلوب الذى يختار، وليس وفق مشيئة الإنسان، لأن الله أعلم به وحده، وبما يصلحه، لذلك علينا مع الدعاء والإلحاح فى الدعاء أن نعمل عملاً سريعاً لتحقيق ما نريد، متوكلين على الله تعالى الذى ييسر الأمور كلها، ويسهل الصحاب.

ومن أهم دروس رمضان "انقضاء العمر" وقرب نهايته، فمع انقضاء شهر رمضان تشعر أيها المسلم أن عمرك ينقضى ، وأنك لست إلا تكرار الليل والنهار، كلما مضى يوم وأظلم ليل مضى من عمرك ساعات وأيام، وأنك تقترب من لقاء الله جل فى علاه، فهل استعددت لذلك.

قال أحد السلف الصالحين : " ما من يوم ينشق فجره إلا وينادى منادى: يا ابن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فاغتنمى فإنى لا أعود إلى يوم القيامة"

وها أنت اليوم تودع رمضان، ومع تودّع جزءاً من العمر، لعلك بفضل الله قضيته فى طاعة وإقبال، فهل تتخلى عن تلك الطاعات وهذه الفرائض، وهذه النوافل فى غير رمضان؟

هل تترك صلاة الجماعات فى المساجد العامرة ؟

هل تترك صوم النوافل فى غير رمضان ؟ أم أنك تستعد بعد قليل لصيام الستة من شوال؟

هل تترك تلاوة القرآن وقد أدركت وذقت حلاوة حديث الله إليك ؟

أم أنك تودع القيام والتهجد إلى رمضان القادم ؟ وهل تدرى أنك إذا جاء رمضان من قابل تكون من أهل الدنيا؟ وفى صحة وعافية ، وفى ستر وإقبال على الله ؟ أم تغيّرك الأيام وتقلباتها؟

دروس رمضان عديدة وكثيرة، ولسنا فى صدد تعدادها، الأهم هو أن تشعر أيها المسلم أنك خرجت من رمضان أكثر قرباً من الله، وأكثر قدرة على التغيير فى داخل نفسك، وفى المحيط حولك، وأكثر إصراراً على المضى فى الطريق الطويل، الطريق إلى الله.

كل عام وأنتم بخير ، وتقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام واستجاب لنا الدعاء، وأعتق رقابنا من النار.


  • Currently 16/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
6 تصويتات / 54 مشاهدة
نشرت فى 29 أغسطس 2011 بواسطة BADRFOUDA

ساحة النقاش

ابو استشهاد

BADRFOUDA
ندعوا الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والى تكوين الفرد المسلم والاسرة المسلمة والمجتمع المسلم والى الحكومة المسلمة والى الدولة المسلمة والخلافة الاسلامية والى استاذية العالم »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

121,086