رمضان 2011م، رمضان مختلف وله طعم آخر نستنشق فيه عبير الحرية مع لذة الطاعة، فبعد الثورة تُفتح المساجد للعباد والمعتكفين، والتي من المتوقع أن تشهد تضاعف أعدادها هذا العام بشكل غير مسبوق.. فهل للنساء نصيب من هذا الفتح؟ وما شروط اعتكاف النساء وضوابطه؟ وماذا عن اعتكاف المرأة في بيتها؟ وما العائد الروحي من الاعتكاف؟ وما الطريقة الصحيحة لاعتكاف النساء؟
(إخوان أون لاين) طرح تلك التساؤلات على نخبة من العلماء والمربين.
بدايةً يطوف بنا الشيخ عبد الخالق شريف، من علماء الأزهر الشريف وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في روحانيات الاعتكاف وعَبَقه المنعش لكل روح مشتاقة لطاعة الله- عز وجل-.
ويوضح أنه يجوز اعتكاف النساء في المسجد؛ فقد كانت أمهات المؤمنين يعتكفن بعد وفاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولكن لا بد من موافقة الزوج إذا كان حاضرًا، فإن كان النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله"، فهذا لا يعني أن الأمر على إطلاقه، فقضاء المرأة عدة أيام في المسجد يؤثر بالطبع على بيتها وحاجة زوجها إليها ومتطلبات أولادها، وهي تختلف من واحدة لأخرى.
ولكن بشروط
ويضيف أن من شروط اعتكاف النساء في المسجد أنه لا بد أن يكون مكانًا منعزلاً وآمنًا، بعيدًا عن الرجال، كأن يكون في دور ثان من المسجد، أو يكون مكانًا منفصلاً؛ حتى نأمن الفتن، بالإضافة إلى عدم جواز إتيان الحائض إلى المسجد، إلا في الضرورة، كأن تكون محفظة في مسجد أو تعطي درسًا، أما المكوث في المسجد للتعبد وهي حائض فلا يجوز، وأن هناك شرطًا لاعتكاف الرجال والنساء، وهو عدم الإنشعال بالأحاديث الجانبية والضحك والكلام؛ لأن هذا لا يحقق معنى الاعتكاف.
ويشير إلى أنه ورد عن السلف الصالح في الأثر، أن النساء كان لديهن مساجد في البيوت يتعبدن فيها، كما ورد في حديث مسلم أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أتته امرأة تدعوه ليصلي في مصلى لها جعلته في بيتها، فلبَّى النبي الدعوة وصلى فيه"، ويستنبط من هذا الحديث جواز أن يكون في البيت أو في مكان العمل حجرة مخصصة للصلاة والتعبد؛ ولكن للأسف انشغلنا بتقسيم حجرات البيت إلى أغراض عديدة ليس من بينها الصلاة.
ويوضح أن اعتكاف المرأة في بيتها بشكل مفتوح، أي: ليس في مصلى خاص بها لا يحقق المقصد من الاعتكاف؛ لأنها ستضطر إلى تلبية طلبات الأولاد أو الرد على الباب وانشغلات أخرى عديدة لن تستطيع التحكم فيها طالما هي في البيت ترعاه.
ويبين أن لهذا يشترط الاعتكاف في المسجد الجامع الذي تقام فيه صلاة الجمعة؛ حتى لا يضطر المعتكف أن يخرج لأداء صلاة الجمعة، فلا يجوز للمعتكف قطع اعتكافه إلا في حالات الضرورة القصوى، وهذا يصعب تطبيقه للمعتكف في البيت، ولكن قد تكون للمرأة فترات اعتزال وتعبد في بيتها، وخلوة ومناجاة في وقت نوم الأطفال مثلاً، أو في وقت تفرغها من متطلباتها.
الاعتكاف الحقيقي
ويؤكد على الآثار التربوية والروحية للاعتكاف الحقيقي، فهو مغسلة للروح، ورياضة للقلب وصلة بالله- سبحانه وتعالى- بشرط أن يتحقق معنى الاعتكاف الحقيقي، وهو الانقطاع التام للعبادة، لا يكون فيه حديث دنيا، أو "دردشة" بين المعتكفين؛ لتسلية صيامهم، أو الحديث في "الموبايلات" أو فضول الكلام، مشيرًا إلى أن كل هذا يزيد شعث قلوبنا ويبعدها عن الله، وقد يكون الاعتكاف جماعيًّا ولكن يعيش العبد مع الله موصولاً به حتى وهو بين الناس.
وينصح الشيخ سيد عسكر بالاعتكاف؛ لتأثيره على القلوب وتصفيته للنفوس، التي حينما تكون في خلوة مع الله تتغير وتنصلح وتتطمئن، موضحًا أنه من أروع العبادات التي حرص عليها الأنبياء والصحابة والتابعون؛ حيث يتم به تجميع للقلوب على الله؛ فقد ورد في الأثر وسير الصالحين، أن النساء كن يعتكفن في المساجد، فليس في ذلك من حرج إذا توفر المكان الآمن وبعد إذن الزوج، وبالطبع ألا يكون هناك أطفال ورُضَّع؛ حتى لا يؤثر على بقية المعتكفين وحتى يصح اعتكافها هي شخصيًّا.
وبيَّن الشيخ عسكر أنه لا يوجد مدة معينة للاعتكاف؛ فقد تكون المدة دقائق تنوي فيها المرأة الاعتكاف عند دخولها المسجد فترة مكوثها فيه، ولكن لا تنشغل بشيء من أمور الدنيا حتى تشعر بالخلوة.
لا للتعارض
وتؤكد د.سعاد صالح، عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بجامعة الأزهر، أن الاعتكاف سنة، وليس فرضًا، وإذا تعارض اعتكاف المرأة مع مهامها كأم وزوجة وراعية في بيتها فلا اعتكاف لها؛ حيث إن نساء النبي- صلى الله عليه وسلم- كن يعتكفن، فالمرأة التي كبر أولادها، أو الفتاة التي لا التزامات عليها يجوز لها الاعتكاف بإذن وليها.
وتشدد على أنه لا يجوز الخروج من الاعتكاف إلا في الضرورة القصوى، كإنقاذ شخص مثلاً، فإذا تمكنت المرأة من تهيئة ذلك في بيتها فلا بأس عليها من الاعتكاف في بيتها.
وتوضح أن الاعتكاف ليس له وقت محدد أو مدة معينة، فإذا أتيحت الفرصة للمرأة لمدة ساعات معينة فيجوز لها أن تعتكف في المسجد ليلاً أو نهارًا، ولكن تنوي الاعتكاف والانقطاع للطاعة في هذه المدة.
ساحة النقاش