الشيخ/ محمد عبد الله الخطيب

ذكريات لا تُنسى
  

 

 

 

 

 

ذكريات رمضان في الماضي والحاضر

الحمد لله الذي أنعم علينا بهذا الشهر العظيم، الذي كان بنزول القرآن فيصلاً واضحًا بين حياة الظلمات والتيه الذي ضلت فيه البشرية وتاهت، وبين النور الذي رَفَعَ من شأنها، وعَظَّمَ قدرها، وبه وحده كانت الأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس، وبهذا القرآن قال الله لها وهي في أشد الأوقات:(وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139))  (آل عمران)، وكأن الله عز وجل يقول لهذه الأمة: أنتم الأعلون منهجًا، وأنتم الأعلون طريقًا، وأنتم الأعلون فكرًا، وأنتم الأعلون حضارة، وأنتم الأعلون حياة، وصدق الله العظيم إذ يقول  مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) (النحل).

 

ولقد أدَّت الأمة الإسلامية دورها المرسوم لها، فصانت البشرية، وتهذبت الأخلاق، وأمن الناس في معاشهم ومعادهم، فعبدوا وأطاعوا ربًّا واحدًا، وصدقوا في طاعتهم وعبادتهم.

 

واليوم.. بعد نوم طويل في الماضي، وسكون، عَمَّ الجور والخسف والظلم والطغيان، ووصل التخريب والكذب ومتابعة الأخبار، وإنزال العنت المتعمَّد بهم، وإيداعهم السجون والمعتقلات، إلى آخر ما هو معلوم للجميع، كانت النتيجة أن استيقظ الإيمان بالله من جديد، وقال "لا" بأعلى صوت سمعه الجميع في شرق الوطن وغربه، فما من بلدٍ إسلاميٍ مقهور إلا وقام يواجه الحديد والنار والظلم والطغيان بعد أن يئس أهله من كُلِّ إصلاح، ومن أي تقدُّم.

 

لقد سرق الطغاة أمواله وحريته، وداسوا على كرامته، وقدَّم الشهداء، وما زال يقدمها إلى اليوم، وغدًا إن شاء الله، في سبيل الوصول إلى حريته، واسترداد كرامته.

 

إنَّ رمضان ليضحك لنا، ويشدُّ على أيدي الشعوب التي قالت "لا" بأعلى صوت، الشعوب التي دفعت الثمن الغالي من أبنائها في سبيل تحقيق آمالها، لقد شارك في المواجهة في جميع أجزاء الوطن العربي والإسلامي، الأميُّ والعالِم، والغني والفقير، وأستاذ الجامعة والفلاح، فكانت بحق ثورة على الاستبداد والظلم الذي أحاط بالأحرار في جميع الأوطان العربية والإسلاميَّة.

 

قذفوه بكل ما يملكون، لكن القذيفة الكبرى كانت الإصرار على ردعه، وتعريته من جميع الثياب التي تدثر بها ليستر نفسه، وإذا الأمر يكشف عن الحقيقة المحزنة والمخزية، إذا بالجميع-

 

ميع الحكام ومن مالأهم وسار في ركابهم-ٍ لصوص وأيديهم ملوثة بدماء الفقراء المعذبين في الأرض، والشرفاء والذين قالوا لهم "لا"، وإذا بهم هم أطفال دللهم الاستعمار وصَنَعَهُم ليكونوا القفاز في يده.

 

ويأتي لقاؤنا اليوم في ظلال ذكريات غالية عزيزة لا مثيل لها في تاريخ البشرية، ذكريات غزوة بدر الكبرى التي غيرت مسار تاريخ البشرية، وردت أعداء الإنسانية، عُبَّاد الأحجار والأصنام، ورفعت راية "لا إله إلا الله محمدٌ رسولُ الله".

 

ويأتي لقاؤنا مع ذكريات فتح مكة، وسيادة التوحيد، ودخول الناس في دين الله أفواجًا، ولقد كانت انتصارات الإسلام الكبرى كُلها في رمضان، ففيه تَمَّ النصر في حطين وعين جالوت وفتح الأندلس.

 

ويأتي لقاؤنا مواكبًا لعبور جنودنا الأبطال للقنال، ليسحقوا العدوان الصهيوني شرق القناة في رمضان 1393هـ، وليقدموا ويؤكدوا حقيقة يجب أن تظلَّ واضحةً جليَّة في الأذهان، وفي أن الأمة حين تتحدُ كلمتها على رفض الضيم والعدوان، وضرورة مواجهة العدو بقلوب يعمرها الإيمان، فإنها بإذن الله وعونه قادرة على التصدي للغطرسة الأمريكية، وتحطيم أنف الصهيونية، وتحرير الأرض كاملة دون تنازلات أو تفريط، لأنها عرفت طريقها الصحيح الذي سلكه الأولون، وهم يتجهون للقدس ذودًا عنها، وتحريرًا لها، ولنشر الأمن والاستقرار، وإزالة الدنس والعار من الأرض الطاهرة، وكان شعارهم في كل هذا "الله أكبر.. الله أكبر".

 

نشعر بالسعادة وقد أتاح لنا رمضان فرصة هذا اللقاء الكريم لتبادل الرأي حول قضايانا وهمومنا، ولتأكيد الحوار كأسلوب حضاري يمهدُ ويؤدي إلى الالتقاء على ما فيه الصواب والخير لمصر ولشعبها العريق، ولكل العرب والمسلمين، والإنسانية جمعاء.

 

لقد عرف سلفنا الصالح حقائق الصيام، كجهاد للنفس، وتربية للجسد، وتنمية للروح، والتزموها وعرفوا قدر رمضان ومفهومه الصحيح للصيام، وكانوا يستعدون للقائه قبل حلوله بشهور، وكانوا يرون فيه المناسبة الصحيحة لتدريب النفس على مضاعفة الجهد والعطاء، ومضاعفة العمل والإنتاج، وشحذ الهمم والعزائم للذود عن الحياض، والنهوض بدور القيادة والريادة، فكانت أشهر المعارك، وأشهر الانتصارات في رمضان.

 

ويحزُّ في النفس، ويدمي القلوب ما وصلت إليه القضية الفلسطينية على موائد التفاوض، وعبر اتفاقات ومعاهدات صاغتها العقلية اليهودية في لف ودوران لتفريغ النصوص من مضامينها، فلا يجني المفاوض الفلسطيني غير السراب، أما الأرض والديار فيتواصل فوقها الاستيطان، ويتواصل فيها القضم والضم والتفريغ من السكان، لإحلال القادمين المحتلين، في سعي للإجهاز على كل فلسطيني، مع صمت عربي- نرجو أن ينتهي إلى الأبد- يواكبه سعي لتحقيق الشطر الآخر من الحلم، وهو الوطن القومي من النيل للفرات.

 

إن ثمة حقيقتين تفرضان نفسيهما على مدى تاريخ مصر، وتاريخ العرب والمسلمين:

الأولى: أن العرب والمسلمين لن يستطيعوا أن ينهضوا بدورهم الحضاري المنوط بهم إلا من خلال وحدة الصف والكلمة، تنهضُ على الإيمان والعدل والحريَّة، وروابط وعلاقات الأخوة، تستلهم وتتمثل قول الحق تبارك وتعالى:  (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)  (الأنفال: من الآية 46).

 

الثانية: وتتمثل في الدور المصري المطلوب والمنشود عربيًّا وإسلاميًّا، فمن خلال موقع مصر القيادي والريادي تستطيع مصر أن تنهض بدور بارز أو فاعل في توحيد كلمة العرب والمسلمين، إلا أنَّ مصر لا تستطيع أن تنهض بهذا الدور إلا إذا كانت على مستوى متطلباته والتزاماته، ويأتي في مقدمتها تأكيد وحدة الصف المصري وكلمته، والطريق إليها معروف، يبدأ بإحساس جميع المواطنين بالأمن والعدالة، وتمتعهم بالحرية، وممارسة حقهم في المشاركة كشركاء في الوطن والمصير، ومواجهة التحديَّات، وتحمل المسئوليات.

 

أحداث في شهر رمضان

-  نزول الوحي على رسول الله: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)) (القدر).

-  في السنة العاشرة من البعثة، وفاة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها في عام الحزن.

 

- سنة 2 هـ: في 17 رمضان كانت غزوة بدر الكبرى، وأيضًا في نفس العام فُرضت زكاة الفطر، وأيضًا فُرِضَ الصيام.

 

- سنة 5 هـ: كان الاستعداد للأحزاب، وحفر الخندق لمواجهة العدوان.

 

- سنة 8 هـ: في 21 رمضان، الفتح الأعظم، فتح مكة الذي نكست فيه الأصنام إلى الأبد (سرايا هدم الأصنام- خالد مهدم العزى- عمرو مهدم سواع- سعد بن زيد مهدم مناة)، وهكذا ذهبت معالم الشرك من الجزيرة العربية، واستقرت دعائم التوحيد.

 

- سنة 9 هـ: غزوة تبوك.

- سنة 10 هـ: إرسال سيدنا عليّ إلى اليمن للدعوة للإسلام.

 

- سنة 11 هـ: وفاة السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها.

 

- سنة 40 هـ: طعن أبو ملجم- لعنه الله- الإمام علي بن أبي طالب ووفاته.

 

- سنة 53 هـ: فتح جزيرة رودس جنوب صقلية.

 

- سنة 58 هـ: وفاة السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها.

 

  - سنة 91 هـ: نزول المسلمين على شواطئ الأندلس.

 

-  سنة 92 هـ: انتصار طارق بن زياد على الصليبيين.

 

- سنة 132 هـ: سقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية.

 

- سنة 361 هـ: فتح الجامع الأزهر الشريف.

 

- سنة 584 هـ: أشار الناس على صلاح الدين الأيوبي أن يستريح من قتال الصليبيين بعد انتصاره عليهم خلال رمضان: فقال: (إن العمر قصير، والأجل غير مأمون)، وواصل زحفه مجاهدًا في سبيل الله حتى استولى على قلعة صفو في 15 رمضان.

 

- سنة 685 هـ: معركة عين جالوت، وانتهاء أسطورة التتار على يد قطز.

 

- سنة 1393 هـ: معركة العاشر من رمضان، والانتصار على اليهود في سيناء، وشعار الجنود (الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر).

 

هذه عناوين من أحداث تمَّت في شهر رمضان، حتى إنه ليُسمى شهر الانتصارات، وشهر الفتوح، وشهر العزة، وشهر الكرامة، والمطلوب من كل مسلم أن يضع هذه التواريخ، وهذه الحقائق أمامه، ويذكرها لأبنائه ولبناته ولزوجته ولأهله ولأقاربه ولجيرانه، يعرفهم بماضي الإسلام العظيم، بالذين حملوه سعيًا لهدف عظيم، وهو كسر شوكة المعتدين والظالمين السفاحين، الذين ظلموا وأضلوا العباد، وتحقيقًا للسلام وللأمن والاطمئنان.

 

وهكذا كانت الغزوات والمعارك في الإسلام، لا بهدف التوسع أو السيطرة أو الغنائم أو ظلم الآخرين، بل كانت لهدف عظيم وهو تحرير الإنسان أيًّا كان هذا الإنسان، وأيًّا كانت ملته، وما أجمل ما قاله عمر العظيم: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا).

 

اجعل في برنامجك في رمضان دراسة حادثة من هذه الحوادث مع أولادك. إنه التذكير بأيَّام النصر والفلاح، والتمكين على ظهر الأرض، وهو أمر مشروع ومأمور به، اقتداءَ الخلف بالسلف، والعمل على السعي المحمود في طريق الله، قال تعالى:  (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5)) (إبراهيم: من الآية 5).

 

تقبل الله منَّا ومنكم الصلاة والقيام وصالح الأعمال، وجعلنا من هؤلاء الأبرار الذين: (صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (الأحزاب: من الآية 23).

 


  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 55 مشاهدة
نشرت فى 19 أغسطس 2011 بواسطة BADRFOUDA

ساحة النقاش

ابو استشهاد

BADRFOUDA
ندعوا الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والى تكوين الفرد المسلم والاسرة المسلمة والمجتمع المسلم والى الحكومة المسلمة والى الدولة المسلمة والخلافة الاسلامية والى استاذية العالم »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

121,537