واختزلت رأيى فى خلاصة مفادها بأن المقارنة فى هذه الحالة تصبح بين ممارسة ديمقراطية حقيقية، وبين نموذج للديمقراطية المغشوشة. أو بين الديمقراطية الحقيقية والفيلم الديمقراطى.
ولأنه لم يكن هناك الكثير الذى يمكن إضافته إلى هذا المعنى. فإننى آثرت نقل المناقشة إلى مستوى آخر، بمقتضاه حاولت رصد أوجه التشابه والاختلاف بين التجربتين التركية والمصرية.
فالبلدان كبيران يتشابهان فى الثقل السكانى (85 مليونا فى مصر و75 مليونا فى تركيا)، ولكل منهما أهميته الإستراتيجية الخاصة المستمدة من موقعه الحاكم، كما أن لكل منهما دوره الذى لا ينكر فى التاريخ الإسلامى، ثم إن كلا منهما ينتمى إلى عالم أهل السنة والجماعة، حيث المسلمون 99٪ فى تركيا و94٪ فى مصر. وللأسف فإن البلدين متحالفان مع واشنطون ومتصالحان مع إسرائيل.
من ناحية أخرى، فثمة تمايزات واختلافات بين البلدين. فتأثير تركيا محكوم بحدودها الجغرافية وربما بهمَّتها السياسية، أما تأثير مصر فهو ممتد إلى أرجاء العالم العربى من أقصاه إلى أقصاه. وتراكم الخبرة السياسية والنهضة الاقتصادية مشهود فى تركيا بأكثر منه فى مصر، التى مازالت تتعثر فى مسيرتها السياسية وفى نهوضها الاقتصادى.
والمجتمع المدنى فى تركيا حاضر بقوة، ممثلا فى أحزابها السياسية والمنظمات الأهلية، فى حين أن المجتمع المدنى فى مصر يعانى الهشاشة والضعف.
وتركيا حسمت خيارها فى تبنيها للنموذج الغربى والتحامها بمنظومة قيمه، وبالتالى فمشروعها الحضارى واضح المعالم. على العكس تماما من الحاصل فى مصر. والعلمانية فى تركيا أقرب إلى الدين أو المقدس الذى لا يجوز التراجع عنه وهى فى مصر عنوان يتعلق به بعض المثقفين والسياسيين، فى حين أنه يعد مصطلحا سيئ السمعة بين العامة.
فى تركيا الحركة الإسلامية ناضجة ومتطورة ولديها خبرة طويلة بالعمل الاجتماعى والسياسى. وهى فى مصر مربكة ومتعثرة ولاتزال تحبو خصوصا فى مدارج السياسة. وهو تفاوت ناشىء عن ثراء التجربة الديمقراطية فى تركيا. وضعفها الشديد فى مصر.
فى الخبرة التركية ظل الجيش لاعبا أساسيا فى الساحة السياسية، بل كان صانعا للسياسة منذ عشرينيات القرن الماضى وحتى أوائل القرن الحالى. وقد بدأ نفوذ الجيش يتراجع بعد تولى حزب العدالة والتنمية للسلطة فى عام 2002، أما فى مصر، فباستثناء ثورة ضباط القوات المسلحة فى يوليو عام 1952، فإن الجيش ظل خارج السياسة، إلى أن انحاز إلى مطالب الشعب فى ثورة 25 يناير الأخيرة. والمقارنة فى هذه النقطة لا تخلو من مفارقة، لأنه فى الوقت الذى يتراجع فيه دور الجيش فى السياسة التركية، فإن بعض المثقفين والسياسيين الجدد فى مصر أصبحوا ينادون بالإبقاء على دور الجيش فى السياسة، خوفا من أن تأتى نتائج الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها فى سبتمبر المقبل بما لا يحبون!
التنوع السكانى فى تركيا مختلف تماما عنه فى مصر، فهم هناك يتوزعون بين الأتراك والأكراد، والعلويين وأهل السنة والشيعة. أما فى مصر فالتجانس المجتمعى أشد وضوحا، ربما بسبب تلاحم الجميع حول مجرى النيل الضيق، والتنوع فى حدود الاختلاف العقائدى بين المسلمين والأقباط.
هناك فرق آخر ناشئ عن موقع كل من البلدين. فتركيا بلد بعيد عن إسرائيل وبالتالى فإن سياساتها الخارجية لا تتأثر كثيرا بمجريات السياسة الإسرائيلية. أما مصر فوضعها أكثر حساسية بحكم جيرتها لإسرائيل وارتهان الأخيرة لسيناء، فضلا عن احتلالها لفلسطين، الأمر الذى يشكل تهديدا مستمرا للأمن القومى المصرى. بالتالى فربما لا تلام تركيا إن هى حاولت أن تكون طرفا محايدا أو وسيطا بين العرب وإسرائيل، لكن مثل هذا الدور يشين السياسة المصرية ويعد وصمة عار فى جبينها إن هى انطلقت منه.
لم أنس الانتخابات وما جرى فيها، لكن لها كلام آخر فى موقع آخر بإذن الله.
ساحة النقاش