صدمتني تصريحات الدكتور السيد البدوي رئيس حزب الوفد في الأسبوع الماضي، والتي يدعو فيها القوات المسلحة إلى الاستمرار في الحكم لمدة عامين، لأنه يرى في ذلك مصلحة البلد، وسبب الصدمة أن الدكتور البدوي هو رئيس أعرق وأكبر حزب ليبرالي في مصر، صنع أمجاده وتاريخه بالانحياز إلى مبادئ الحرية وقيم الديمقراطية، وحق الشعب في الاختيار الحر النزيه.
والسبب الثاني أن هذه التصريحات جاءت بعد انتخابات الهيئة العليا للحزب، والتي قيل إن قائمة البدوي حققت فيها أغلبية تفوق الثلثين، بمعنى أن هذا الرأي الذي أعلنه ربما يلقى قبولا وتأييدا داخل الحزب، وخصوصا أننا لم نقرأ أن أحدا من الوفديين رفضه أو اعترض عليه، وهذا يعني أن الحزب الليبرالي ضحى بالمبادئ والتاريخ العريض، في سبيل ما يتوهم أنه مصلحة سياسية وقتية.
والسبب الثالث أن الدكتور البدوي يدرك بالتأكيد أن الشعب المصري شارك في استفتاء حر ونزيه، وقرر بالأغلبية المطلقة تأييد التعديلات الدستورية، التي ترتب ضرورة إجراء الانتخابات البرلمانية أولا، ثم يعقبها إعداد الدستور واختيار رئيس الجمهورية، ويدرك أيضا أن الجيش أعلن مرارا ـ ولا يزال ـ التزامه بتسليم السلطة للمدنيين في أقرب وقت، وبالتالي فهذا الرأي يقفز على اختيار الأغلبية، ويصدم جماهير الأمة.
وأعتقد أن تصريح البدوي يشكل سابقة فريدة في تاريخ حزب الوفد، ونقطة سوداء في سجلاته ومواقفه السياسية، لا يمكن تبريرها أو الدفاع عنها بأي حال، وأعتقد كذلك أن الحزب سيدفع ثمنها في الانتخابات المقبلة، لأن هذا الشعب الواعي، الذي كان ينتظر من الوفد أن ينحاز لاختياره، أدرك بوضوح من يقف مع الديمقراطية ويحترم إرادة الأغلبية، ومن يسعى لإجهاضها والالتفاف عليها.
وبالطبع لم يكن رأي الدكتور البدوي وحده نشاذا في هذا الميدان، بل شاركه الليبراليون الجدد، الذين يملأون أنهار الصحف وبرامج الفضائيات ليل نهار، بالحديث عن الديمقراطية واحترام الرأي الآخر، وفي نفس الوقت يضربون بها عرض الحائط إن لم توافق هواهم، وهو التساؤل الذي طرحه الدكتور وحيد عبد المجيد في مقاله الرائع بجريدة المصري اليوم (27/5): لماذا يخشون الانتخابات البرلمانية؟!
هل يمكن أن يجادل أحد في أن هذه الحالة الغريبة، التي يضغط فيها العلمانيون واليساريون، ودعاة الليبرالية الجدد، والخائفون من الديمقراطية، لتأجيل الانتخابات البرلمانية وتغييب إرادة الأغلبية، هي دليل على الفشل الذريع في التواجد الحقيقي بين الجماهير، وبالتالي لم يجدوا أمامهم سوى العصف بالمسار الديمقراطي، الذي انتظره الشعب المصري وضحى من أجله طويلا؟
إنني اعتقد أن احترام إرادة جماهير الأمة، والنزول على رأي الأغلبية، وترسيخ العملية الديمقراطية، والقبول بالآخر في الواقع السياسي المصري، هو من أوجب الواجبات وأعظم الضرورات الآن، وهو فرض عين على كل من يشتغل بالعمل السياسي والثقافي والفكري، خصوصا في هذه المرحلة الحرجة، التي تؤسس لمصر المستقبل، وتبني مجتمعا قويا وأمة طموحة.
كنت أتمنى أن يثبت الليبراليون الجدد، وفي القلب منهم حزب الوفد، في هذه المرحلة أكثر من أي وقت مضى، إيمانهم العميق بقيم الديمقراطية واحترام الرأي الآخر، ووفاءهم الصادق لمبادئ الحرية وحق الجميع في الاختيار، وأن يكون دورهم إيجابيا في ترسيخ الديمقراطية والقبول بالآخر في المجتمع المصري، والضغط من أجل سرعة استكمال انتقال السلطة للمدنيين.
إن مصر العظيمة في حاجة إلى رجال كبار، يقودون مسيرتها إلى الأمام، ويسطرون صفحات مستقبلها المشرق، ويضعون المبادئ النبيلة قبل المصالح الحزبية أو الشخصية، وهؤلاء سوف يكتبون أسماءهم بمداد من نور، في سجلات صناعة تاريخ مصر الحديث.
نشرت فى 11 يونيو 2011
بواسطة BADRFOUDA
ابو استشهاد
ندعوا الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والى تكوين الفرد المسلم والاسرة المسلمة والمجتمع المسلم والى الحكومة المسلمة والى الدولة المسلمة والخلافة الاسلامية والى استاذية العالم »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
121,337
ساحة النقاش