استبقت هذه الجمعة أحداث فتنة طائفية شهدتها منطقة إمبابة– إحدى ضواحي العاصمة القاهرة-، أوقعت 12 قتيلاً ومئات الجرحى بين الجانبين، بعدما تسرَّب خبر عن وجود فتاة أشهرت إسلامها محتجزة لدى كنيسة مارمينا بالمنطقة، وتدخل عددٌ من المسلمين لتحريرها، وهو ما أدّى لنشوب اشتباكات دموية، تلك الاشتباكات التي حملت خلفية القضية الأشهر "كاميليا شحاتة" التي أعلنت إشهار إسلامها قبل نحو عامين، ثُم اختفت واتَّهمت دوائرُ إسلامية، الكنيسةَ الأرثوذكسية باختطافها لإجبارها على العودة إلى النصرانية.
ومع تزايد الاحتقان الطائفي- الذي تلا ثورة 25 يناير المجيدة وإسقاط حكم الرئيس حسني مبارك ونظامه بعد 30 عامًا من الحكم المستبدّ والكشف عن الآلاف من ملفات الفساد- يبدو أن القضية الفلسطينية والدعوة لانتفاضة ثالثة على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" ستنجح في لَمّ شمل المصريين تحت هدف أسمى واحد هو تحرير المسجد الأقصى.
مليونية الفجر
بدأ اليوم بصلاة الفجر استجابة للدعوات التي أطلقت لـ"مليونية الفجر"، على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، وأدَّى الصلاة مئات الآلاف بمختلف مساجد محافظات مصر، من أجل نصرة الشعب الفلسطيني تحت شعار "الشعب يريد العودة إلى فلسطين".
وردَّد المصلون عقب الصلاة: "بالروح بالدم نفديك يا فلسطين"، "على القدس رايحين، شهداء بالملايين"، فيما غابت أي منشورات ذات صبغة معينة لأيّة قوى سياسية.
وفي مسجد عمرو بن العاص، قام الشيخ محمد جبريل الداعية الإسلامي بإمامة الآلاف في مليونية صلاة الفجر، وردَّدوا هتافات تؤكّد على وحدة الشعب العربي تجاه الموقف المؤيد للحقوق الفلسطينية وتحرير أرض فلسطين وإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، وعقب الصلاة توجُّه جموع المصلين إلى ميدان التحرير للمشاركة في المليونية.
وفِي ميدان التحرير، قام حوالي ثلاثة آلاف شخص يحملون العلم الفلسطيني بأداء صلاة الفجر في الساحة الرئيسية وبعد الصلاة تعالت الهتافات المؤكدة على نصرة الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.
المصلُّون لم يقتصروا على فئة معينة دون غيرها، بل حضرت عشرات العائلات لأداء صلاة الفجر في ميدان التحرير الذي يُعْتَبر علامة فاصلة في مصر.
وتأتِي مليونية الفجر في أولى فعاليات ما يطلق عليها "جمعة النفير" أو "جمعة الزحف" دعمًا للانتفاضة الفلسطينية الثالثة، والتي استكملت فعاليتها بالتحرير عبر أداء صلاة الجمعة، ومن ثَمّ إطلاق قوافل إلى رفح، وهو ما دعت وزارة الداخلية المصرية لإيقافه نظرًا للظروف الدقيقة والحساسة التي تمر بها مصر وتغليبًا للمصلحة العليا للوطن ودرءًا لأي تداعيات محتملة قد تنتج عن ذلك.
أيد واحدة
وفي ميدان التحرير، ومع صلاة الجمعة، أدَّى ما يقرب من 100 ألف الصلاة، داخل ساحة ميدان التحرير خلف د.مظهر شاهين- الداعية الإسلامي- في مليونية الوحدة الوطنية والانتفاضة الفلسطينية الثالثة للتأكيد على وحدة الشعب المصري مسلمين ونصارى خاصة بعد الأحداث التي شهدتها إمبابة السبت الماضي واشتعال الفتنة الطائفية، الأمر الذي نتج عنه مقتل 12 شخصًا وإصابة المئات.
وحرص العديد من الكهنة وقيادات النصارى على إلقاء بعض الكلمات قبل صلاة الجمعة معلنين رفضهم الكامل لأي تدخُّل أجنبي في مصر أو الإشارة لذلك في أي وقت من الأوقات، مشيرين إلى أنَّهم يريدون أن تكون الحماية من القانون تحت سماء هذا الوطن، الأمر الذي قابله المصلون بالتصفيق الحادّ ليهتف الجميع "أيد واحدة".
وأكّد شاهين خلال خطبته أنّ ما حدث في إمبابة فتن مفتعلة الفاعل فيها ليس مسلمًا أو نصرانيًا، كونَ دماء المسلمين والنصارى امتزجت في إمبابة نفسها ومن قبلها في ميدان التحرير أثناء الثورة وحرب أكتوبر لتحرير سيناء، قائلاً: "أتفرقكم كاميليا شحاتة...أفلا يجمعكم المسجد الأقصى؟!".
وأمّ المصلون الشيخ محمد جبريل الذي ظلّ قرابة 20 دقيقة في دعاء متواصلٍ من أجل الحفاظ على وحدة الشعب وتحرير القدس والمسجد الأقصى، ليبكي ويبكي معه آلاف المصلين لتتحول الصلاة إلى دموع بروح المسجد الأقصى في ميدان التحرير.
وشهد الميدان تواجد آلاف اللافتات مكتوب عليها "لا للفتنة الطائفية" و"مسلم ومسيحي أيد واحدة" و"مهما حاولوا يفرقوا فينا..مصر حبيبتي تضم أيدينا" و"يسقط أعداء الثورة" وهتفوا"اللي هيضرب أخويا ريمون..يبقى ضرب 80 مليون".
أعلام فلسطين
وحمل المتظاهرون علمًا كبيرًا لفلسطين، وارتدى عدد كبير من المصلين شارات خضراء على رأسهم كتب عليها "جيش محمد" بدلاً مما يسمى بـ"اللجان الشعبية" التي انتشرت خلال الفترة الماضية.
وقامت قوات الشرطة العسكرية بتحديد مسارات المظاهرات لتيسير الحركة المرورية وعدم حدوث حالات اختناق في تسيير السيارات، بالإضافة إلى إخلاء الحديقة الرئيسية المتواجدة داخل منطقة الميدان.
وجاءت هتافات المتظاهرين أغلبها خاصة بالانتفاضة الفلسطينية والوحدة الوطنية بالإضافة إلى المصالحة الفلسطينية.
وشهدت التظاهرة إقدام العشرات من المواطنين على حرق علم الكيان الإسرائيلي، خاصة أن ذلك يواكب نكبة فلسطين عام 1948، مردّدين هتافات "على القدس رايحين شهداء بالملايين".
وكانت اللجنة التنسيقية لجماهير الثورة وتضم ائتلاف شباب الثورة، وجماعة الإخوان المسلمين، والجمعية الوطنية للتغيير، ومجلس أمناء الثورة، وتحالف ثوار مصر، وائتلاف مصر الحرة، وجماعة الأكاديميين المستقلين، وبعض الشخصيات الوطنية من المستقلين قد دعت إلى تنظيم مسيرات مليونية تحت شعار "جمعة الوحدة الوطنية وأمن المواطن".
وفي الإسكندرية شمال مصر، احتشد المئات في صلاة الفجر أمام مسجد القائد إبراهيم لإطلاق أولى القوافل الطبية لمناصرة الشعب الفلسطيني في غزة لدعم الانتفاضة الثالثة وذلك فيما أطلقوا عليه بـ"جمعة النفير".
ضمّت القافلة التي دعا إليها الشيخ أحمد المحلاوي القيادي الإسلامي والشيخ جابر سلامة القيادي السلفي بالتنسيق مع لجنة الإغاثة بنقابة الأطباء "15" شاحنة تحتوي على "50" طن مواد غذائية و"3" أطنان ملابس بالإضافة إلى "5" آلاف مَصْل بقيمة إجمالية قدرها نصف مليون جنيه.
الزحف إلى غزة
وعقب صلاة الجمعة، انطلقت من عددٍ من المناطق منها ميدان التحرير ومسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية ومسجد الرفاعي بالعريش مسيرات داعمةً للـ"زحف المليوني على قطاع غزة".
وسيرت نحو 20 قافلة من ميدان التحرير نحو مدينة العريش، للمشاركة في المسيرة نحو غزة.
وشارك فيها بضعة آلاف من أعضاء ائتلافات وحركات الثورة من مختلف المحافظات والذين بدأوا التوافد على المدينة استعدادًا للمسيرة المليونية المتجهة إلى قطاع غزة عبر ميناء رفح البري الأحد 15 مايو.
ورفع المشاركون أعلام فلسطين ومصر وردّدوا الشعارات المنادية لتحرير الأقصى وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة.
ونتيجة لكل هذه الإجراءات، منعت السلطات المصرية، الوصول إلى سيناء، وعززت إجراءات الأمن في المحافظة، لإلغاء المسيرة التي دعا لها النشطاء وتنطلق من القاهرة وتخترق الحدود وصولاً لقطاع غزة.
وتهدف المسيرة للتنديد بالاحتلال الإسرائيلي واستمرار الحصار المفروض على قطاع غزة، والتأكيد على حقّ اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى بلادهم التي طردهم منها الاحتلال منذ 1948 وحتى الوقت الحالي.
وفرضت قوات الجيش إجراءات مشددةً على كوبري السلام، أحد أبرز المعابر إلى سيناء، وانتشرت المدرعات لتأمين الكوبري.
كما أقامت السلطات عددًا من الحواجز الأمنية للتدقيق في هويات الأشخاص الراغبين في الانتقال إلى سيناء، حسب الوكالة التي أكّد مراسلها أنه لم يُسمح بالمرور إلا للمصريين المقيمين في سيناء فقط.
وكانت وزارة الداخلية المصرية طلبت من منظمي هذه المسيرة بين القاهرة وقطاع غزة، إلغاءها، مشيرةً إلى الوضع الدقيق الذي تمرّ به البلاد. وقالت الوزارة في بيانها: "نهيب بكل الأطراف والقوى السياسية، إيقاف هذه المسيرة تغليبًا للمصالح العليا للوطن، ودرءًا لأي تداعيات أو مخاطر محتملة قد تنتج عن تلك المسيرة".
والمسيرة تأتي في ذكرى نكبة فلسطين التي أدّت إلى احتلال فلسطين العربية ووقوعها بأيدي مجموعات الهاجانة الصهيونية، بالإضافة لنزوح حوالي 760 ألف فلسطيني.
وفي السياق نفسه، تظاهر مئات المواطنين أمام السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، مطالبين بطرد السفير، وقطع العلاقات الدبلوماسية بين مصر والكيان الصهيوني، وهو ما فُسِّر على أنه توجُّه مصري نحو فلسطين عقب إزاحة نظام مبارك الموالي لإسرائيل طوال 30 عامًا، هذا التوجُّه الذي أقلق إسرائيل وأمريكا سواء وجعل بعض المراقبين يتهمونهما بالوقوف وراء عمليات بثّ الفتنة الطائفية لإلهاء الشعب المصري عن القضية الفلسطينية.
ساحة النقاش