تشكل هذه المسيرة شكلاً من أشكال التفاعل مع الثورات العربية السلمية التي يعمل الكثيرون على شطب تقدمها نحو عواصم أخرى إدراكاً منهم لمدى خطورتها، ليس على الأنظمة فحسب، إنما أيضاً على الكيان الصهيوني الذي تمتع لعقود بسياج من الحماية مكنه من تجاهل القرارات الدولية، في ذات الوقت الذي ساعده في حصار الشعب الفلسطيني والحيلولة بينه وبين تحقيق إنجاز على صعيد مقاومة المحتل.
ليست لدينا أوهام حول قدرة هذه المسيرات على تحقيق الكثير في ظل الظروف الموضوعية الآنية، لكننا متأكدون في المقابل من أنها ستشكل «بروفا» لمسيرات أكبر وأكثر فاعلية ستزحف من البر والبحر ذات يوم لن يكون بعيداً نحو فلسطين، ليس الأراضي المحتلة العام 67 فقط، إنما الأراضي المحتلة العام 48 أيضاً، لأن قاموس الجماهير الفلسطينية، ومن ورائها الجماهير العربية والإسلامية لا يعترف البتة بشيء اسمه «إسرائيل»، فهذه الأرض من بحرها لنهرها عربية إسلامية لا سيادة لليهود على أي شبر منها.
عندما تتواصل الثورات العربية وتعود السلطة إلى الجماهير العربية، سيكون بوسع الأخيرة أن تنسجم مع أنظمتها في برنامج التصعيد والزحف بالملايين نحو فلسطين، وهو طوفان لن تتمكن سلطات العدو من مواجهته، لاسيما أن المشاركة لن تكون حكراً على الفلسطينيين المهجرين (فلسطينيو الشتات)، بل ستشمل الملايين من العرب والمسلمين ممن يؤمنون جميعاً بأن فلسطين ليست للفلسطينيين وحدهم، بل لكل العرب والمسلمين.
هذا الكيان الغاصب الغريب، ليس له مكان في هذه الأرض المقدسة، ولا بد أن يرحل، وهو اليوم يَعُدّ سنواته الأخيرة، ولن تتمكن سائر المؤامرات التي تحاك في الظلام بهدف إجهاض الثورات العربية، لن تتمكن من منحه أوكسجين الحياة إلى أمد بعيد.
إن القضية من وجهة نظرنا تتجاوز حق العودة إلى مسألة التحرير برمتها، ذلك أن مصطلح حق العودة لا يعدو أن يكون جزءاً لا يتجزأ من قاموس التسوية الذي يعتبر أن الحقوق المشروعة هي فقط ما نصت عليه قرارات ما يسمى الشرعية الدولية (242، 338)، وخلاصته الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة العام 67، إضافة إلى عودة اللاجئين بحسب القرار الدولي رقم 194، أما الزحف الحالي، ومعه القادم المتوقع فيتجاوز ذلك كله، لاسيما بعد أن أدرك الجميع أن التسوية لا يمكن أن تتضمن بأي حال حق العودة للأراضي المحتلة العام 48، وبالطبع بعد أن اعترفت الدول العربية بشطب ذلك الحق عملياً في المبادرة العربية (بيروت 2002) عبر الحديث عن «حل متفق عليه»، فضلاً عن تجاوز السلطة لذلك الحق في عموم المفاوضات التي خاضتها خلال السنوات الأخيرة، بل منذ قمة كامب ديفيد صيف العام 2000.
هذه المسيرات إذن تتجاوز حق العودة بصيغته التقليدية إلى جعل الفكرة محطة باتجاه شطب المشروع الصهيوني برمته، فهذه الجماهير التي أسقطت النظامين المصري والتونسي، وستسقط أنظمة أخرى أيضاً لا تعترف ولن تعترف بـ 78 في المئة من فلسطين للصهاينة، فضلاً عن أن تعترف بما هو أكثر بحسب ما تشير محاضر المفاوضات.
مرة أخرى نقول إن مسيرات حق العودة هي «بروفا» من أجل الزحف الأكبر نحو فلسطين، وبالطبع بعد أن ينتفض فلسطينيو الداخل ضد الاحتلال على نحو شامل، ولتلتحم الملايين من الداخل والخارج في انتفاضة عارمة تشطب المشروع الصهيوني برمته.
بعد وقت لن يطول، وفي ظل انتفاضة فلسطينيي الداخل ضد الاحتلال، لن يكون بوسع الأنظمة العربية أن تحول بين الجماهير وبين الزحف نحو فلسطين، وهي (أي الجماهير) لن تقبل لغة الرأفة والادعاء بالخوف عليها من بطش الاحتلال، فهي قادرة على اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية الكاملة. ثم إنه لن يكون بوسع من يحول بينها وبين الزحف أن يدعي الحرص على العودة ورفض التوطين.
مسيرات العودة هي مقدمة رمزية للزحف الأكبر الذي لن يكون بعيدا بإذن الله. ذلك الزحف الذي سيحتاج إلى قرار فلسطيني مختلف لم يتوافر إلى الآن، إلى جانب وضع عربي أفضل لن يمضي وقت طويل حتى تتمكن الثورات الشعبية العربية من إنجازه.
ساحة النقاش