الخيل والليل والبيداء تعرفني ... والسيف والرمح والقرطاس والقلم
يلخص هذا البيت الذي تسبب في مقتل قائله أبي الطيب المتنبي الحالة المستعصية التي يكمن وراءها تخلفنا الحضاري في العالم العربي؛ تذكرت هذا البيت وانا أتأمل حالنا وأفكر في المشكلة والحل للخروج من هذه الأزمة الحضارية.
ولمن لا يعرف قصة هذا البيت وكيف قتل المتنبي أذكر في عجالة القصة؛ فلقد هجا المتنبي قومًا منهم رجل اسمه "فاتك"، وفي يوم من الأيام كان المتنبي خارجًا في سفر مع ابنه وخادمه، فقال له رجل "إن فاتك وعشرين فارسًا يبحثون عنك فخذ معك عشرين فارسًا"، فرفض المتنبي ثم رحل وأثناء سيره قال له الغلام: رأي الرجل صواب خذ معك عشرين فارسًا. فغضب وشتم الغلام، وقال: والله لا تتحدث العرب عن أني سرت بخفارة غير سيفي.
وفي الطريق قابله فاتك الاسدي وعندما رآهم المتنبي كثير أراد أن يهرب، فقال له ابنه: يا أبي .. وأين قولك :
الخيل والليل والبيداء تعرفني...... والسيف والرمح والقرطاس والقلم
فقال المتنبي له: ويحك قتلتني. ثم قاتل حتى قتل .
تذكرت هذا الموقف وربطت بينه وبين مشاهد عديدة ولمحات من مواقفنا الحضارية وأدركت بوضوح أن سبب تأخرنا الحضاري مرتبط بهذه العلة؛ وهي أننا نتكلم بما لا نفعل وأكثر مما نعمل؛ بينما الحضارات المتقدمة تعمل أكثر مما تتكلم؛ فالتقدم العلمي والحضاري مرهون بالعمل والبحث العلمي والاختراعات، ويأتي الادب والشعر - كمعبر عن روح وأحلام الشعب - متوازنًا مع الإنجازات العلمية.
إذا أردنا أن ننهض ببلادنا فيجب أن نعمل أكثر مما نتكلم، وأن يكون كلامنا يصب في قناة العمل، وهذا هو سبيلنا لنسد الفجوة التي أوقعتنا في هاوية التخلف الحضاري.
وعندما نتقدم علميًا يجب علينا حينها أن ننادي بأن يسير القول والفعل، والأدب والعلم جنبًا إلى جنب معبرين عن ثنائية العقل والوجدان في الإنسان السوي.
فأولويتنا الآن أن نعمل أكثر مما نتجادل، وأن نجعل كلامنا دافعًا للعمل ومقرونًا به، وأن نكون عمليين أكثر؛ فنكف عن الكلام الذي لا يؤدي إلى عمل؛ حتى لا ينطبق علينا قول الله تعالى:" يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لاتفعلون . كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون".
ساحة النقاش