تحدثت في الجزء الأول من هذا الموضوع عن غلاة التجديد الذين أرادوا تجديد الدين تجديدًا كليًا عصريًا، وونتحدث الآن عن فريق متطرف آخر على النقيض، هذا الفريق خشي على تبديل دين الله فآثر العودة إلى الأصول والتمسك بما جاءنا من الأقدمين؛ قولا وفعلا وسمتًا ومظهرًا، وهؤلاء هم غلاة "السلفية". وتناسوا المتغيرات والمستجدات في المجتمعات المعاصرة؛ فأرادوا العيش على نهج السلف الصالح شكلا ومضمونًا، فانفصل كثير منهم عن الواقع وبددوا طاقاتهم وحماسهم للدين في معارك فرعية مست القشور وما ارتقت إلى لب الدين؛ فكانوا على النقيض من الفريق الأول، وأصبح الصراع على أشده بين الفريقين حول أيهما يجذب الجماهير إلى صفه!
وإلى جانب غلاة السلفية ظهر غلاة التصوف الذين خرجوا به من دائرة الزهد المحمود إلى دوائر الدروشة، ومن حقيقة الدين إلى عالم الكرامات.
وهناك فريق ثالث أخذ من الدين الطقوس وترك جوهره في التعامل والأخلاق، وهذا ما انتشر في كثير من الناس، حتى رأينا في بلاد المسلمين مسلمين بلا إسلام.
* حقيقة الدين
وبين الإفراط والتفريط غابت حقيقة الدين كما أراده الله؛ فهو عقيدة تركز على التوحيد وعلى أن يكون الله حاضرًا في كل أعمالنا، وهذه العقيدة تنعكس على السلوك والعمل وحركة الحياة لتضبط المجتمع المسلم، وتواجه الفساد الذي يأتي من طغيان البشر وروح الأثرة التي تطغى على النفوس الضعيفة.
فالدين هدفه الأسمى وثمرته تزكية الأنفس وإصلاح المجتمع ومواجهة الظلم وإقرار العدل .
* الثابت والمتغير
فالثابت في الإسلام هو العقيدة والعبادة، كما يشمل الأمر بالمعروف تبعًا للمتعارف عليه في كل عصر طالما كان متفقًا من مبادئ وأحكام الدين، وكذلك النهي عن المنكر الذي تنكره النفوس السوية والفطر السليمة.
أما المتغير فهو الجزئيات والتفاصيل والفروع التي تستجد من حركة الحياة وتطور العلوم، ولقد وضع الإسلام نظامًا محكمًا للتعامل مع هذه المتغيرات؛ فما لم يرد له ذكر في القرآن الكريم والسنة النبوية، ولم يتطرق له الفقهاء بالاجتهاد والتفسير المصحوب بالدليل والبرهان المقنع؛ يكون مرجع الحكم فيه إلى الشخص المسلم ليجتهد فيه ويتحمل تبعة اجتهاده ونتيجة اختياره.
ساحة النقاش