عند الحديث عن تجديد الإسلام تبدو هذه المشكلة؛ فنجد من تحمس لتجديد الدين حماسًا متطرفًا فرأى التجديد شاملا للحدود والمعاملات والأحوال الشخصية، واعتبر كل هذه متغيرات، بينما تقتصر الثوابت في الدين لديهم على العقيدة والعبادات.
وتطرق بعض مدعي التجديد إلى أن تجديد الدين يجب أن يشمل العقيدة التي رأوها كانت ساذجة تخاطب نفرًا من البدو السذج، وبأنها لا تناسب العقليات المعاصرة المتطورة التي تعاني تخمة من العلوم والمعلومات.
بل وامتد تجديدهم إلى ضرورة النظر في العبادات فأثاروا قضايا كإمامة المرأة للرجال وفرضية الحجاب، واعتبروها قضايا أساسية في تجديد الدين.
وتطرقت أوهام التجديد إلى محاولات تحديث الخطاب القرآني باعتباره حمال أوجه، ولأن اللغة طيعة يمكن توجيهها إلى وجهات غير مألوفة لإثراء النص ولقراءة ماوراء النص.
وكان السلاح الأساسي الذي اعتمد عليه متطرفو التجديد التشكيك في الصحابة والانتقاص من قدرهم وإزالة هالة التبجيل والاحترام التي يضفيها عليهم عموم المسلمين، خاصة أهل السنة.
ثم انتقل الهجوم إلى نقلة العلوم والفقهاء؛ فرأينا - مثلا - هجمات ضارية تشن على البخاري و"صحيحه" الذي اعتبره كثير من الأقدمين أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى.
ووجد هؤلاء في اختلاف العلماء مدخلا للهجوم على تراثهم الفكري، كما تصيدوا شوارد القضايا وأشاعوها بين العوام لتحقيق مأربهم وهز الثقة في مجهوداتهم؛ ومن أمثلة هذه القضايا ما أسموه بقضية "رضاع الكبير"، وما صاحب هذه القضية الشاذة من سخرية واستهزاء على صفحات الجرائد الصفراء والفضائيات الهزلية.
وامتد الهجوم إلى التاريخ الإسلامي؛فرأينا الدكتور سيد القمني في كتابه "الحزب الهاشمي" يحاول أن يصور تاريخ الإسلام بأنه كان صراعًا قبليًا بين بني هاشم وبني أمية.
ورأينا خليل عبد الكريم في كتابه" شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة" يتتبع زلات الصحابة وسقطاتهم رغبة في الانتقاص منهم.
يضاف إلى هذا شطحات نوال السعداوي وإسلام بحيري وإبراهيم عيسى وغيرهم ممن ركب موجة هدم الصورة التقليدية للدين. ورغبة في الإثارة وجذب انتباه الجماهير أفسحت لهم الفضائيات والصحف المجال ليملأوا الدنيا ضجيجا وتشكيكًا.
هذا عن الجانب المتطرف الذي أراد إزاحة المفاهيم الدينية القديمة واستبدالها بمفاهيم جديدة تناسب عصرنا كما يرونها هم، مستقاة من الفكر الغربي الذي انبهروا به فاتخذوه دليلا ومرشدًا.
ساحة النقاش