لم يعرف أن حراسته لإحدى المزارع السمكية ببحيرة المنزلة.. ستكون هى السبب لإصابته بطلق نارى ينهى حياته على الفور.. عم شعبان الجنيدى فوجئ بجماعات مسلحة تهجم عليه لكى تسرق المزرعة التى يحرسها، وتمثل مصدر رزقه الوحيد لينفق به على أولاده الأربعة، لتقوم بتهريبها عبر البحيرة، وتبيعها كأى سلعة تسرقها، الجماعات المسلحة معروفة بين الصيادين بـ "مافيا السواحل" التى تقوم بتهريب السلع التموينية والبنزين والسولار بل والبشر أحيانا للسفن القادمة من الدول الأجنبية، وعلى وجه الخصوص اليونان وإيطاليا، بأسعار أقل من الأسعار العالمية، البداية كما يقول شيخ الصيادين الحاج إسماعيل على أبو عمر صاحب المزرعة التى شهدت مصرع عم شعبان: "كل فترة يُقتل أحد أبناؤنا أو يصاب بدون ذنب، المافيا المسلحة تهجم علينا فى الأسبوع الواحد أكثر من أربع مرات، وكله ذلك تحت مرأى ومسمع الجهات المسئولة"، الحاج إسماعيل ألقى بالمسئولية على شرطة المسطحات ورجال الأمن لمعرفتهم – حسب كلامه – بأماكن تمركز عصابات المافيا ومرورها فى بحيرة المنزلة، منها منطقة "الشبول والجمالية"، التى يمر فيها رجال المافيا عبر بواغيز ترتبط بمياه البحيرة، عبارة عن فتحات صغيرة تصل بين البحر المتوسط والمنزلة.
أربعة بواغيز فى منطقة المثلث تستطيع المافيا المرور من خلالها لاختراق مياه البحيرة، وذلك حسب الخرائط التى التقطت للمنطقة عبر القمر الصناعى، وحصل "اليوم السابع" على نسخة منها، عرفه أبو عمر - أحد صيادين البحيرة – يقول: "كل صياد فى المنطقة يستطيع أن يعرف المراكب التى تحمل رجال المافيا، ويستطيع أن يميزها عن غيرها، فهى عبارة عن مركب صغير بماتور كبير، وتحمل عادة رجل أوثنين من رجال المافيا، وتبدأ عملها من بعد صلاة العشاء حتى بزوغ الفجر، وبعدها تبيع هذه المراكب الصغيرة ما حصلت عليه لمراكب أكبر منها فى الحجم يوميا، مقابل حصولها على 1000 جنيه على الحمولة الواحدة، التى تصل فيها على سبيل المثال حمولة السولار بـ 200 طن، ومن جانبها تقوم المراكب الأكبر حجما بنقل الحمولة للسفن الكبيرة التى تقف على بعد خمسة كيلو مترات تقريبا".
وطبقا لكلام الدكتور أحمد عبد المنعم المزين - مسئول الإدارة المركزية للثروة السمكية بدمياط سابقا، فإن عمليات التهريب تتم على ثلاثة مراحل، البداية تكون عن طريق تعامل بعض الصيادين صغار السن مع بعض محطات البنزين المدعم بدمياط، والحصول منهم على بعض الكميات أو السرقات التى يقوم بها بعض رجال المافيا، ثم نقلها عن طريق تلك البواغيز لأماكن المراكب الأكبر ثم للسفن الدولية، مما يعد مخالفة أخرى لتصريح مراكب الصيد، والتى تحظر على أى منها الاقتراب من السفن الدولية".
الشيخ إسماعيل أبو عمر – صاحب المزرعة السمكية – أشار إلى قرار محافظ دمياط السابق، الدكتور فتحى البرادعى، بغلق جميع البواغيز التى تصل البحيرة بالبحر المتوسط، ولكن نظرا إلى تسبب القرار فى خسارة كبيرة على مشاريع الثروة السمكية، لم يتم تفعيله، وأكد أبو عمر أن حالة الانفلات الأمنى التى تشهدها البلد بعد ثورة 25 يناير ساعدت العصابات فى توسيع نشاطها وزيادة عمليات السرقة والنهب.
وفى محاولة من "اليوم السابع" لرؤية ما يحدث من عمليات التهريب، قضينا أربعة أيام فى بحيرة المنزلة، تجولنا فيها واصطحبنا الحاج غانم أحمد غانم أحد الصيادين، لأماكن تواجد قوارب التهريب، وكانت الساعة تقترب من الخامسة والنصف فجر يوم الثلاثاء 3 مايو، وقتها شاهدنا هذه المراكب الصغيرة التى أكد الحاج غانم أنها تتبع رجال المافيا، تحمل شبابا فى منتصف العشرين من العمر، كانت عائدة من البحر المتوسط، ولكننا لم نستطع رؤية ما يوجد بها من جراكن بنزين أو سولار، وهو ما دفعنا للتوجه للمحطة الثانية وهى كوبرى البغدادى باعتباره أشهر مناطق تهريب الجاز، لاتصاله بعدد من البواغيز الموصلة للمتوسط، وبالفعل فى أقل من 25 ثانية من وصولنا لكوبرى البغدادى، مر أول ثلاثة قوارب، كل منهم يحمل 21 برميلا حمولة 60 لترا، قمنا بعدها بتصويرها فوتوغرافيا، وكانت رائحة الجاز نفاذة لدرجه أصابت أعيننا بالالتهاب والحكة.. وبعدها مر أكثر من 12 مركبا فى أقل من 15 دقيقة كل منهم معبق برائحة الجاز النفاذة، ومحمل بعشرات البراميل.
التشريع القانونى الرادع هو الحل من وجهة نظر الصيادين فى عزبة البرج التى تعتبر من أهم معاقل التهريب فى المنطقة، ويطالب الأهالى بضرورة خضوع أى شخص يقوم بتهريب السولار أو أى سلع مدعمة، للحبس والغرامة، بدلا من اقتصار الأمر على غرامة مالية، ومصادرة المركب التى يعمل عليها.
أحيانا وتفريطها فى الواجبات أحيانا أخرى، أدى لخلق نوع جديد من الإرهاب أوقع الصيادين بين رحايا تلك العصابات المسلحة والتى تعمل بشكل منظم، بدليل عدم وقوعهم تحت وطأة القانون حتى الآن.
العميد حلمى نوفل رئيس هيئة المسطحات المائية بدمياط، كشف عن افتقار هيئة المسطحات المائية للإمكانيات اللازمة لمواجهة تلك العناصر الإرهابية المنظمة، قائلا: "إمكانياتنا ضعيفة جدا، ولا نستطيع أن نواجه تلك العناصر المسلحة.. ولا أستطيع المغامرة بمواجهتهم فهى عناصر تستبيح إطلاق النار فى أى وقت وعلى أى جهات، سواء أكانوا مدنين أو شرطة مسطحات، وهو ما حدث معنا قبل أحداث 25 يناير، لذا لم أحاول المغامرة مرة ثانية ومواجة هؤلاء".
يضيف حلمى: "لابد من محاربة الأزمة من المنبع بمحاربة تسريب السولار من محطات البنزين، بالإضافة لتغليظ عقوبة تهريب السلع"، مشيرا إلى أن هيئة المسطحات المائية حاولت تفعيل الردع من خلال التعاقد مع إحدى الشركات، لإقامة حاجز من خرسانة على طول الساحل، لكنه حل مؤقت على حد تعبيره لأنه معرض للهدم من جانب المافيا فى أى وقت، المعادلة صعبة من وجهة نظره، والحل هو تغليظ العقوبة لردع تلك الظاهرة قبل فوات الأوان.
ساحة النقاش