(أ) سياسات التنمية الاقتصادية
إن إحداث تغييرات جوهرية في السياسات الاقتصادية والتخطيط على المستوى الوطني والإقليمي هو متطلب أساسي لمواجهة المشاكل البيئية والوصول إلى التنمية المستدامة. ومن التغييرات المقترحة في هذا المجال ما يلي:
(1) زيادة اتساع قاعدة اتخاذ القرار والسماح للجمهور بالمشاركة،
(2) إدماج البعد البيئي في خطط التنمية،
(3) خلق سياسات تنموية متوازنة إقليميا، بمعنى تأكيد أهمية التنمية الزراعية في البلدان التي تتوفر لديها الموارد الطبيعية اللازمة للزراعة والتركيز على التنمية الصناعية بهدف تطوير الاقتصاد،
(4) تحقيق التوازن بين تنمية المجتمعات الحضرية والريفية،
(5) الاستخدام المتوازن للموارد وخاصة الناضبة منها، وبحيث يكون استخدام الموارد المتجددة بما لا يتجاوز قدرتها على التجدد وزيادة فعالية استخدامها لتعوض عن الموارد الناضبة.
(6) مراعاة حفظ التنوع الايكولوجي باعتماد سياسات تتعامل مع المشاكل البيئية الطويلة الآجل.
(7) فرض رسوم تلوث ومن ثم استخدام مثل هذه الرسوم في حل المشاكل الناتجة عن التلوث من جهة ولتشجيع الحد من التلوث من جهة أخرى،
(8) الحد من إنتاج النفايات بحيث لا يتعدى قدرة تحمل البيئة على استيعابها وزيادة فعالية استخدام الموارد وزيادة الموارد المتجددة لتعوض عن الموارد الناضبة،
(9) تخفيض دعم إنتاج المبيدات الحشرية والأسمدة الكيماوية وتشجيع استخدام الأسمدة العضوية،
(10) تحسين وسائل النقل العام وشبكات الطرق للحد من التلوث الناجم عن السيارات،
(11) تشجيع استخدام البنزين الخالي من الرصاص.
مرت منطقتنا خلال العقود القليلة الماضية بكثير من النزاعات والحروب. بالإضافة إلي ذلك، ومن خلال سياسات اقتصادية واجتماعية مختلفة، نمت المجتمعات المحلية وزادت الفوارق بينها مما زاد من حدة التنافس وتفاوتت المداخيل بين تلك البلدان، وهذا بدوره ساعد في زيادة التوتر والفقر وتدهور الوضع البيئي، وعمل على توسيع الهوة بين طبقات الفقراء والأغنياء في داخل المجتمع الواحد وبين المجتمعات المختلفة. ففي سنة 1960 حصل أعلى 20% من أغنياء العالم على 30 ضعف اكثر من أفقر 20% من سكان العالم. وتغيرت هذه النسبة مع الزمن بحيث أن إحصائيات سنة 1990 تدل على أن أعلى 20% من أغنياء العالم قد حصلوا على 150 ضعف ما حصل علية أفقر 20% من سكان العالم.
وإذا أضفنا إلى ذلك اتجاه تدفق الأموال من البلاد الفقيرة إلى البلاد الغنية فإن الصورة تصبح اكثر سوادا. ففي سنة 1993 دفعت الدول الفقيرة فوائد على ديونها بقيمة 250 بليون دولار، بينما وصل هذه البلاد فقط 70 بليون دولار كمساعدات مالية.
والمضحك المبكي في هذه الصورة أن الدول الدائنة هي نفسها الدول المنتجة للسلع، والتي عملت من خلال رفع أسعار سلعها وزيادة الصبغة الاستهلاكية للمجتمعات النامية من أن تتعدى القدرة الشرائية لهذه المجتمعات مصادر دخلها، مما خلق عجزا هائلا في ميزان مدفوعاتها وزيادة ديونها لمستويات خيالية (اكثر من 3 تريلون دولار في سنة 1999). ويعني كل ذلك أن اعتماد الاقتصاد الشمولي كأساس لخطط التنمية في سياق إقليمي سيوفر ظروفا افضل لتنمية مستدامة.
(ب) السياسات البيئية الفنية
من الممكن تسخير السياسات البيئية الفنية في استبدال عناصر الإنتاج (رأس مال ويد عاملة وموارد طبيعية ومرافق بيئية) والحد من ندرتها. فاستخدام التكنولوجيا الحديثة سيساعد في المحافظة على الماء والطاقة المستخدمة في المجالات الزراعية والصناعية والمنزلية، بما في ذلك تشجيع استخدام تقنيات زراعية وأساليب ري حديثة للحد من الفاقد في مياه الري، وكذلك زراعة محاصيل مناسبة للتربة والبيئة المحلية، وكذلك للتقليل من التلوث وإعادة التدوير كلما أمكن ذلك على كل من المياه العادمة والنفايات الصلبة على المستوى المنزلي أو الصناعي.
(ج) التشريعات
قد لا يكون تشريع قوانين بيئية فقط هو الأسلوب الأمثل للحد من التلوث لضمان تنمية مستدامة، وإنما لا بد أن تكون متكاملة مع استراتيجيات التنمية المستدامة بما فيها من مبادرات اقتصادية وتكنولوجية. لذا يفترض بالتشريعات البيئية أن تضع معايير لبعض الأنشطة (مثل الحد من التلوث لكل من الهواء والماء والتربة)، وأن تنظم بعض النشاطات الاقتصادية. وتشمل التشريعات البيئية مجموعة من المواضيع، مثل تخطيط استخدام الأرض ( بما في ذلك التخطيط الحضري والتجمعات السكانية) وتقييم أثار المنشأة على الوضع البيئي المحيط وتشريعات ضريبية على منتجي الملوثات، وهذه الإجراءات بحد ذاتها مهمة وضرورية، ولكنها قد تعيق التنمية إذا لم تربط مع العناصر الاقتصادية والاجتماعية الأخرى ذات العلاقة. وفي جميع الأحوال هناك ضرورة لوجود جهاز فعال لرصد وتقييم جميع السياسات والإجراءات السالفة الذكر.
(د) تنفيذ السياسات
لضمان تنفيذ السياسات بفعالية، يجب أن تتميز هذه السياسات بالواقعية والمرونة والاستمرارية، مع تفادي الانقطاع في السياسات الموضوعة. ويتطلب كل ذلك وجود إدارة مركزية مسئولة وذات فعالية ونفوذ تستطيع تجميع جهود إدارات مختلفة ومدربة تدريبا جيدا وقادرة على إدارة هذه السياسات بدون تحيز، مع حرصها على إشراك المجتمعات المحلية والمنظمات الأهلية والأفراد ذوي الاهتمام. كما يجب أن تصبح التنمية المستدامة استراتيجية حكومية تلتزم بها وتتعاون على تنفيذها جميع المؤسسات الحكومية ذات العلاقة.
من الملاحظ أن جانبا مهما من المشاكل البيئية تحدث على المستوى المحلي، وبالتالي فان ذلك يتطلب تدريب وتجهيز القدرات الإدارية للسلطات المحلية على حل المشاكل البيئية بشكل فعال. ولابد أن يكون واضحا من أن وجود السياسات لا يكفي بحد ذاته لضمان تنفيذها بأمانة، بل لابد من توفر طواقم فنية لها قدرة المراقبة للتأكد من الالتزام بتنفيذ تلك السياسات، ووجود نظام قضائي فعال لمحاسبة المخالفين منهم.
دمج الأبعاد البيئية مع التنمية على مستوى التخطيط
لم يكن من المتعارف عليه في السابق اعتماد الاعتبارات البيئية والاجتماعية كجزء من المعطيات التي يتم بناء عليها تصميم الخطط الاقتصادية الإنمائية. إلا انه اصبح من الواضح بان وضع الاعتبارات البيئية في حسابات المخطط الإنمائي بما في ذلك تقييم الاثار البيئية للمشروع قبل البدء في تنفيذه يعطي أبعادا جديدة لقيمة الموارد واستخدامها على اساس تحليل التكلفة والفائدة وكيف يمكن المحافظة عليها، فضلا عما سيعود عن ذلك من فوائد اقتصادية، بالإضافة طبعا لتحقيق هدف المحافظة على البيئة.
يتضمن الفصل الثامن من جدول أعمال القرن 21 المتطلبات الرئيسية اللازمة لدمج الأبعاد البيئية والتنمية عند صنع القرار، بما في ذلك المسائل المتعلقة بدمج البيئة والتنمية على مستويات السياسة والتخطيط والإدارة ، والإطار القانوني والتنظيمي ذي الصلة والاستخدام الكفؤ للأدوات الاقتصادية وحوافر السوق، وكذلك التوصية بإنشاء نظام محاسبي جديد يتضمن تلك الاعتبارات.
ويتبين من استعراض الوضع البيئي في منطقتنا من أن هناك العديد من المشاكل البيئية والتي في الأصل هي ناتجة عن عدم الاعتماد في الأساس على سياسة تتضمن الجوانب الثلاثة السالفة الذكر. من ذلك مثلا، التدهور الكبير في الموارد الطبيعية، كما هو الحال في استمرار عمليات التصحر والتملح، ونقص موارد المياه مما يساهم في انخفاض الإنتاجية والفقر والبطالة والنزوح الريفي إلى المدن. كذلك فان تدهور نوعية الموارد المتجددة ونقص الموارد غير المتجددة يحدان من امكانية التنمية الطويلة الآجل (للأجيال القادمة)، بالإضافة لما يسببانه من ارتفاع في الأسعار في الوقت الحاضر. يضاف إلى ذلك ما سيترتب عليه إهمال البيئة من مشاكل تلوث والتي لابد من معالجتها ولو بعد حين، وهذا سيزيد من الأعباء المالية على الاقتصاد، والذي هو في الأصل هش ويعاني من عجز مالي في كل دول المنطقة دون استثناء.
وكما هو معروف، فان التنمية الاقتصادية تتضمن تغير بيئي، وهذا سيؤثر على التكاليف الحالية والآجلة التي سيتحملها الاقتصاد، ولهذا فان الخاسرين والمستفيدين من الأجيال الحالية والمستقبلية يمثلون مصالح متضاربة. ومن هنا جاء المبدأ الذي يعني أن التنمية المستدامة هي حلول منطقية للتعايش بين الأجيال الحالية والمستقبلية، وهذا هو جوهر التنمية المستدامة.
في كثير من الأحيان قد يكون هناك اكثر من وجهة نظر في التعامل مع المشكلة المطروحة. وبالطبع فان تناقض المصالح ينطوي على ربح وخسارة. والجانب ذو النفوذ في المجتمع هو الذي يحدد المستفيدين. وعليه، فان للدولة دور في إيجاد توازن بين هذه المصالح المتضاربة من اجل ضمان مواصلة التنمية الاقتصادية والحفاظ على التوازن البيئي للأجيال الحالية والقادمة.
ولا بد لجميع دوائر صنع القرار من أن تأخذ هذه المعايير في حسابها. ولن يكون بالإمكان تحقيق ذلك إذا جرى تهميش المنظور البيئي واستبعد من مراكز صنع القرارات الإنمائية الشاملة . وهذا يتطلب إعادة تشكيل هياكل بناء القرارات والهياكل المؤسسية، لان السياسة الاقتصادية هي عادة من اختصاص اقتصاديي وإداريي وزارات الاقتصاد والتخطيط والمالية والبنك المركزي فقط.
أمانى إسماعيل
ساحة النقاش