ماذا تعني صلة الرحم ؟ من صلة الرحم أن تزورهم، وأن تتفقد أحوالهم، وأن تكرمهم وأن تقدم لهم الهدايا في المناسبات، وأن تتصدق على فقيرهم، وأن تتعهد مرضاهم، وأن تشاركهم في مسراتهم، وأن تشاركهم في أحزانهم وأن تقدمهم على غيرهم فيما تعطي، صلة الرحم تعني أن تزورهم، وأن تتفقد أحوالهم المعيشية، والاجتماعية، وأن تكرمهم، وأن تقدم لهم الهدايا في المناسبات، وأن تتصدق على فقيرهم وأن تتعهد مرضاهم، وأن تشاركهم في المسرات، وفي الأحزان، أن تقدمهم على غيرهم في الأعطيات، تجسيداً للقاعدة الأقربون أولا بالمعروف.
أيها الإخوة الأكارم:
وقطيعة الرحم تعني ؛ هجرانهم، والإعراض عن زيارتهم، وعدم مشاركتهم في أفراحهم وأحزانهم، والله سبحانه وتعالى وصف المؤمنين بأنهم يصلون ما أمر الله به أن يوصل، ووصف الذين استحقوا لعنته واستحقوا سوء الدار، بأنهم:
﴿الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ﴾
( سورة البقرة: 27 )
فالذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ؛ هم المؤمنون، والذين استحقوا لعنة الله، وسوء الدار ؛ هم الذين " ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل " بل إن صلة الرحم من موجبات دخول الجنة، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي أيوب الأنصاري أن رجلاً قال: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة.
فقال عليه الصلاة والسلام:
((تعبد الله، ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم.))
طبعاً نحن نخاطب المؤمنين، المؤمن يعرف الله، ويعبده ويصلي ويزكي، ونقول لهذا المؤمن وعليك أن تصل الرحم، أما هذا الذي يصل رحمه من دون أن يعرف الله، من دون أن يعبده فهذا سلوك اجتماعي، يقطف ثماره في الدنيا، لكن إذا خاطبنا المؤمنين بالله عز وجل الذين عرفوا الله وعبدوه وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة هؤلاء معنيون بهذه الآيات، لأن الكفار كقاعدة يخاطبون بأصول الدين، بينما المؤمنون يخاطبون بفروع الدين.
وروى البخاري ومسلم عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنها أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((الرحم معلقة بالعرش، تقول من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله.))
كل أسرة فيها أقارب فقراء، أغنياء، مرضى، أصحاء، ضعاف أقوياء، متفوقون في الدنيا، مغمورون في الدنيا، فإذا وصل الأقوياء الضعفاء، والأغنياء الفقراء، والأصحاء المرضى، وصلوهم، وواسوهم وأكرموهم، وطيبوا خاطرهم، إن هذه الأسرة تغدو متماسكة، بل إن من صلة الرحم أيها الإخوة أن تدل أقرباءك على الله عز وجل، ولن تستطيع أن تدلهم على الله إلا بالإحسان إليهم، ومن الإحسان إليهم أن تزورهم وأن تتفقد أحوالهم، وأن تقدم لهم ما يواسيهم في مناسبتهم.
أيها الإخوة الأكارم: وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أن النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
((الرحم شجنة من الرحمن، قال الله: من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته.))
وفي الحديث القدسي:
((أنا الله، وأنا الرحمن خلقت الرحم، وشققت لها من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها بتته ؛ أي قطعته.))
وقد ندهش أيها الإخوة أن قاطع الرحم محروم من دخول الجنة إما حرمة مؤقتة، أو أبدية، لقول النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري ومسلم عن جبير بن مطعم:
((لا يدخل الجنة قاطع.))
وقد فسر شراح الحديث ؛ قاطع الرحم، وقاطع لمَ أمر الله به أن يوصل، لا يدخل الجنة قاطع.
أما إذا أردنا أن ندخل في لب الموضوع، وأن نتعرف إلى طبيعة صلة الرحم فبادئة ذي بدء أيها الإخوة النبي عليه الصلاة والسلام يقرر أنه ليس الواصل، واصل الرحم هو الذي يعامل أرحامه بالمثل، وهذا من طبيعة الناس اليوم، إن زارني أزوره، إن وصلني أصله، إن أهداني أهدي إليه، إن اتصل بي وعزاني أعزيه، إن واساني أواسيه هذا المنطق منطق المعاملة بالمثل النبي عليه الصلاة والسلام رفضه في موضوع صلة الرحم، فقد قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري عن عبد الله بن عمر بن العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنهُما أن النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
((ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها.))
يدعم هذا المعنى قول النبي عليه الصلاة والسلام:
((أمرني ربي بتسع خشية الله بالسر والعلانية، كلمة العدل في الغضب والرضى، القصد في الفقر والغنى، وأن أصل من قطعني.))
لن تكون واصل الرحم إلا إذا وصلت من قطعك، أن أصل من قطعني، وأن أعفو عمن ظلمني، وأن أعطي من حرمني، وأن يكون صمتي فكراً ونطقي ذكراً، ونظري عبرةً، النبي عليه الصلاة والسلام بالتعريف الدقيق يقول: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل إذا قطعت رحمه وصلها , وشكا رجل إلى النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قطيعة قربة له:
((يا رَسُول اللَّهِ إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عنهم ويجهلون علي. فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من اللَّه ظهير عليهم ما دمت على ذلك.))
[ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ]
يعني الإنسان هو الإنسان في مكان وزمان وهذا نموذج متكرر أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال عليه الصلاة والسلام ـ دققوا أيها الإخوة كيف أن النبي عليه الصلاة والسلام يعلمنا قال: لئن كنت كما قلت ـ إياك أن تفتي فتوة مطلقة ـ لئن كنت كما قلت يعني إذا كان كلامك مطابقاً للواقع، أنا أفتي لك على حسب كلامك، فإن لم يكن كلامك مطابقاً للواقع ففتواي لا تنصرف إلى حالتك، وأي سائل يسأل، وأي مجيب يجيب، يجب أن يقيد إجابته بهذه الكلمة ـ لئن كنت كما تقول ـ إن كان وصفك مطابقاً للواقع، هذه الفتوة لهذا الوصف، والفتوة على قدر الوصف، لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، المل ؛ الرماد الحار، يعني كأنهم يسفون رماداً حاراً يحرق أفواههم ، لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من اللَّه ظهير عليهم ما دمت على ذلك.
يعني المؤمن الذي يصل رحمه ويقطعونه، يحسن إليهم ويسيئون إليه، يحلم عنهم ويجهلون عليه، هذا نموذج مجود في كل زمن، لئن كنت كما قلت فلهم من الله عقاب شديد، ولك من الله ظهير أي ؛ معين ودائماً وأبداً الله مع المظلوم، في الزواج، في الشراكة، في القرابة، الله مع المظلوم.
((واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين اللَّه حجاب.))
[مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ]
((اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافرا.))
[عن أنس تصحيح السيوطي: صحيح ]
وللباطل جولة، ولا يستقر إلا الحق، والأمور لابد من أن تنكشف والله هو الحق، لأنه سيحق الحق، وسيظهره في وقت قريب أو بعيد.
أيها الإخوة الأكارم: وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
((إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم، فقالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة، فقال الله عز وجل: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأن أقطع من قطعك، قالت: بلى، قال كذلك لك.))
يعني أقرباءك من لهم غيرك، أقرباءك الفقراء، أقرباءك الضعاف أقرباءك المحتاجون، من لهم غيرك، النبي عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى، وبهذه التوجيهات يجعل الأسر متماسكة، لأن الأسرة الصغيرة هي أصغر لبنة في المجتمع، أما الأسرة الكبيرة، يعني قال فلان إذا تفقد غنيهم فقيرهم، وقويهم ضعيفهم، وصحيحهم مريضهم فصار هناك ما يسمى بالتكافل الاجتماعي، على مستوى أسرة، فالإنسان قبل أن يبحث عن عمل صالح يفديه للغريب عليه أن يتفقد أحوال أقرباءه الأدنين والأبعدين.
ثم قال عليه الصلاة والسلام:
((فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ؛ أولئك الذين لعنهم اللَّه فأصمهم وأعمى أبصارهم.))
[مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ]
يا أيها الإخوة الأكارم: من لطائف الشريعة الغراء أن الإنسان إذا تصدق على قريبه تحسب له هذه الصدقة مرتين، مرةً كصدقة، ومرةً كصلة.
فقد روى الترمذي بإسناد حسن عن سلمان بن عامر عن النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((أن الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم صدقة وصلة.))
مر بنا قبل أسابيع أن البغي والعقوق يعجل لصاحبهما في الدنيا العقاب، على هذه الشاكلة صلة الرحم لها مكافئات في الدنيا قبل الآخرة لها مكافئات في الدنيا مع أن حقك في الآخرة محفوظ، مكافئات صلة الرحم في الدنيا كما قال عليه الصلاة والسلام:
((بسط الرزق وإطالة العمر.))
لذلك روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك أن النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
((من أحب أن يبسط له في رزقه، وينشأ له في أثره ـ يعني في أجله ـ فليصل رحمه.))
بسط الرزق وإطالة العمر، أما إطالة العمر فلها توجيهات وجهها العلماء، العمر أتفه ما فيه مدته الزمنية، لكن أخطر ما فيه غناه بالأعمال الصالحة تماماً لو فتح الإنسان متجره ساعة وربح ألفاً، ولو فتحه عشر ساعات وربح مئة ليرة، ما قيمة الدوام أمام الأرباح، فقيمة العمر لا بمدته الزمنية بل بفحواه، بغناه بالأعمال الصالحة، لذلك الذين تركوا آثاراً في البشرية ما عاشوا أعماراً طويلة، عاشوا أعماراً متوسطة، بل عاشوا أعماراً قصيرة لكن أعمارهم كانت مفعمة بالأعمال الصالحة، فمن أحب أن يبسط رزقه أو أن يزيد أجله فليصل رحمه.
وروى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك عن رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخيلٍ أغنى صحابي بالنخيل، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء ؛ بستان تجاه المسجد النبوي، اسمه بيرحاء، وكانت مقابلةً للمسجد، وكان رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدخلها ويشرب من ماءها الطيب، فلما نزلت الآية.
﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾
( سورة آل عمران: 92 )
قام أبو طلحة إلى رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال يا رسول الله إن الله تعالى يقول:
﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾
وإن أحب مالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله تعالى، وأرجو ذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:
((بخ بخ ! ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين منك.))
فقال: أفعل يا رَسُول اللَّهِ، فقسم الحديقة بين أقاربه وبني عمه.
وروى البخاري ومسلم عن رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن زينب الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن.))
فرجعت إلى عبد الله فقلت إنك رجلٌ ـ في الفصاحة والأدب ـ إنك رجل خفيف ذات اليد ـ يعني دخلك قليل ـ إنك رجل خفيف ذات اليد، وإن رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أمرنا بالصدقة فأتيه فسأله فإن كان ذلك يجزي عني ـ يعني إن أعطيتك زكاة مالي، أو صدقة من مالي ـ هل يجزئ عني ذلك، وإلا صرفتها إلى غيرك، فقال عبد الله بل أنت فأتيه، ذهبت زينب إلى رسول الله، فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله قالت حاجتي حاجتها ـ يعني سؤالي كسؤالها ـ فخرج علينا بلال فقلنا له ائتي رسول الله فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانه أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما، وعلى أيتام في حجورهما، ولا تخبره من نحن، فدخل بلال على رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسأله فقال عليه الصلاة والسلام من هما ؟ ويبدو أن هذا السؤال له علاقة بالفتوة فإذا عرفت من هو المستفتي ما وضعه ما مستوى إيمانه، ما مستوى حاجته، فقال من هما ؟ قال امرأة من الأنصار وزينب، قال النبي الكريم أي الزيانب ؟ قال بلال: امرأة عبد الله، قال عليه الصلاة والسلام: قل لهما: لهما أجران، أجر القرابة وأجر الصدقة، واستنبط العلماء أن المرأة الموسرة بإمكانها أن تعطي زكاة مالها لزوجها لأنه أقرب الناس إليها.
وروى البخاري ومسلم عن أبي أيوب الأنصاري أن رجلاً قال يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة قال:
((تعبد اللَّه لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم.))
وصلة الرحم بعد معرفة الله وعبادته من أفضل الأعمال التي تقرب إلى الله تعالى.
الآن من الأحكام الشرعية في هذا الموضوع أن صلة الرحم واجبة ولو كان ذوا الرحم غير مسلمين، هذا هو الدين الحنيف، ولكن يجب أن تبنى على قواعد الشرع، يعني دع خيراً عليه الشر يربو، درء المفاسد مقدم على جلب المنافع، إذا كان في هذه الصلة ضياعاً لدينك لا دينك أولى أما إذا استطعت أن تصل الرحم من دون أن تضحي بدينك، أو ببعض منه فالأولى أن تصل هذه الرحم.
أيها الإخوة الأكارم: روى مسلم عن أبي هريرة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:
((وأنذر عشيرتك الأقربين، عندئذٍ دعا النبي عليه الصلاة والسلام قريشاً فاجتمعوا، وقال: يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم، يا بني عبد المطلب، يا فاطمة، فإني لا أملك لكم من الله شيئا، غير أن لكم رحماً سأبلها.))
يعني من كان له رحم فليصلها، وهذا توجيه النبي عليه الصلاة والسلام.
مرةً ثانية أيها الإخوة: يجب أن تعرف الخير والشر، ويجب أن تعرف الشرين، وأن تفرق بينهما، وأن تختار أخفهما، فدع خيراً عليه الشر يربو، درء المفاسد مقدم على جلب المنافع، إذا ضمنت سلامتك دينك دون أن تضيع شيئاً منه يجب أن تصل رحمك، وفي حالات خاصة سلامة الدين أولى.
أيها الإخوة الأكارم: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني. والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة الأكارم: تتميماً للموضوع الأول أرقى أنواع الصلة من كان له أقارب، أرقى أنواع الصلة أن يدلهم على الله، لذلك حينما قال الله عز وجل:
﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)﴾
( سورة الشعراء: 214)
يعني أقرباءك أولى بالهداية من الآخرين، فلذلك إذا نور لإنسان قلبه، وهداه رشده وألهمه الخير، وتعرف إلى الله عز وجل، واصطلح معه أعظم عملٍ يفعله مع أقرباءه، فضلاً عن زيارتهم، وعن تفقد أحوالهم وعن إكرامهم، وعن تقديم الهدايا لهم، وعن التصدق على فقيرهم، وعن مواساتهم في أفراحهم وأحزانهم، وعن تلبية دعواتهم، فضلاً عن كل ذلك إن أعظم صلة رحم يفعلها الإنسان مع أقرباءه أن يدلهم على الله، من كان له أخوات، من كان له إخوان، أقارب، أبناء عم، أبناء عمة، ليقيم معهم جلسة من حين للآخر، أو جلسة دورية يحدثهم هن الله عز وجل يفسر لهم بعض آيات القرآن التي سمعها، إذا فعل ذلك وقربهم إليه، ودلهم على الله وأنقذهم من الضلال ومن الضياع ومن الشقاء والتشتت، فإذا فعل ذلك فهذا النوع من الصلة يعد أعظم صلة رحم يفعلها المؤمن في حياته، فلذلك الأقربون أولى بالمعروف بعلمك، وبتوجيهاتك، وبعنايتك وبنصحك وبإرشادك، وهكذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام.
وقد يلفت النظر أن رجلاً مؤمناً بعد أن اصطلح مع الله، وتعرف إليه أقنع أخاه بطاعة الله، ثم أقنع أولاد أخيه بطاعة الله عز وجل، يعني حينما يمتلئ الإناء لابد من أن يفيض على غيره، وهكذا المؤمن، أقرب الناس إليك أقرباءك، والقريب لا ينفتح قلبه لك إلا بالإحسان، إذاً الزيارة والتفقد وتقديم الهدايا والمعاونة والإكرام، وكل هذه الأعمال تفتح قلب القريب قبل أن يفتح لك عقله، فإذا فتحت قلبه فتح لك عقله وعندئذٍ تستطيع أن تفعل أعظم عملٍ في صلة الرحم وهو هداية من يلوذون بك.
أيها الإخوة الأكارم: الموضوع العلمي في هذه الخطبة بحث دقيقٌ دقيق، وشيقٌ شيق عن علاقة الصلاة بصحة الجسد، لا مجال لبسطه من على هذا المنبر ولكن أقتطف لكم من هذا البحث الدقيق بعض الملاحظات، قال الصلاة ترفع كفاءة القلب والدورة الدموية، طبعاً فضلاً عن أنها عبادة، وفضلاً عن الحديث عن خشوعها، وعن فرضيتها، نتحدث عن الصلاة من زاوية ضيقة جداً ألا وهي علاقتها في صحة البدن، قيل يندر بين المصلين أن تجد أشخاص يعانون من أمراض في العمود الفقري، طبيعة الركوع والسجود والقيام هي صحة للعمود الفقري، فلذلك أمراض العمود الفقري تندر بين المصلين، ويندر بين المصلين التهابات المفاصل بجميع أنواعها ويندر بين المصلين مرض القرص، ويندر بين المصلين حصول الدوالي وجلطات الأوردة العميقة، ويندر بين المصلين الاحتقان الدموي في الحوض الذي يسبب البواسير والنزفات الرحمية، ويندر بين المصلين ضيق الصدر الذي هو بسبب تراكم غاز ثاني أكسيد الكربون في الرئتين فالزفير القسري الذي يحدثه الركوع والسجود ينشط الرئتين وينشط القلب مع الرئتين، ويندر بين المصلين التيه والخرف الشيخي لأن السجود من شانه أن يروي الدماغ بالدم، والتيه والخرف الشيخي في بعض أسبابه نقص في تروية أوعية المخ، لذلك السجود يجعل الدم ينصب على أوعية الرأس بشكل قسري بفعل الجاذبية لذلك التيه والخرف الشيخي يندر بين المصلين.
وقد أشار النبي عليه الصلاة والسلام إشارة موجزة رائعة قال:
((يا بلال أقم الصلاة وأرحنا بها.))
[ أخرجه أبو داود كتاب الأدب ]
ومن يدري لعل الراحة في الصلاة الراحة نفسية وجسمية في وقت واحد.
أيها الإخوة الأكارم:
أمر الله عز وجل أعظم بكثير من أن يفسر بعلة واحدة، أو بحكمة واحدة، أوامر الله عز وجل حكمها وعللها لا تعد ولا تحصى.
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت وبارك اللهم لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارض عنا، أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا أخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم استر عورتنا، وأمن روعاتنا، وأمنا في أوطاننا، واجعل هذا البلد أمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، اللهم إنا نعوذ بك من الفقر إلا إليك، ومن الخوف إلا منك، ومن الذل إلا لك، نعوذ بك من عضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء، اللهم صن وجوهنا باليسار، ولا تبذلها بالإقتار فنسأل شر خلقك، ونبتلى بحمد من أعطى، وذم من منع، وأنت من فوقهم ولي العطاء، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء، اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين وانصر الإسلام وأعز المسلمين وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى إنه على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير.