السعي على العيال والأولاد من العبادة:
أيها الإخوة، من أوليات العمل أن تسعى لرزق عيالك ؛ أنت أب، وفي عنقك مسؤولية، وأن هؤلاء الصغار أنت متكفّل بتأمين حاجاتهم، طعامهم وشرابهم، وكسوتهم وتعليمهم، حينما تسعى من أجل تأمين رزق أسرتك فأنت في عبادة، الدليل: عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: مر النبي عليه الصلاة والسلام برجل فرأى أصحاب النبي من جلده ونشاطه فقالوا: يا رسول الله شاب في ريعان الشباب جلد نشيط، يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله ؟ فقال عليه الصلاة والسلام، دققوا جيداً:
(( إنْ كان خرج يسعى على ولده صغارًا فهو في سبيل الله ـ عنده أولاد يحتاجون إلى طعام وشراب، وكساء وأدوية وحليب، فبكّر إلى عمله وتعب، أو عنده أب وأم متقدمين في السن ـ وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه ليعفها ـ يتزوج، ويغض بصره ـ فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياءً ومفخرة فهو في سبيل الشيطان ))
[ الطبراني، ورجاله رجال الصحيح ]
دقق، حينما تقوم إلى عملك، وقد يكون العمل شاقاً، ويحتاج إلى دوام طويل، وإلى خضوع إلى مدير العمل، وإلى الإخلاص، والتفاني والإتقان، وتأتي مساءً متعباً منهكاً فأنت في سبيل الله، أنت في عبادة.
حينما يلبي الأب حاجات أسرته يملكهم، يملك قلوبهم، يرشدهم، يوجههم، أما الأب الكسول الذي لا يعمل كلما طلب منه شيء يقول ليس معي، ينصرفون عنه إلى رفقاء السوء، وحينما تكسب المال الحلال من دون إسراف، وتنفق على أهلك وأولادك ووالديك من دون إسراف، من دون تبذير، من دون زهو، هذا العمل في سبيل الله.
أيها الإخوة الكرام، يقول سيدنا عمر: << لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني >>.
ليس لديك عمل، فتحت الصحف التي فيها طلبات أعمال، درستها كلها، خرجت من البيت، سألت زيداً، رجوت عبيداً، تحرك يا أخي،<< لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني، فقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة >>.
وقال سيدنا عمر أيضاً: << إني لأرى الرجل يعجبني فأقول: أله حرفة ؟ يعني عملاً، فإن قالوا: لا، سقط من عيني >>.
وفي قول آخر لعبد الله بن مسعود: << إني لأمقت الرجل فارغاً ليس في شيء من عمل الدنيا، ولا عمل الآخرة.
وأمسك النبي عليه الصلاة والسلام يد عبد الله بن مسعود، وكانت خشنة من العمل، رفعها أمام أصحابه، وقال:
(( إن هذه اليد يحبها الله ورسوله ))
[ ورد في الأثر ]
دقق أيها الأخ، إذا خرجت إلى عملك، وأتقنته، وكسبت المال الحلال، لكن أخطر ما في هذه الخطبة الرزق الذي ضمنه الله لك في قوله تعالى:
﴿ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا ﴾
( سورة هود الآية: 6 )
هذا الرزق لا ينال إلا بسعي وعمل، لا سعي، لا عمل، لا إتقان، لا تطوير لا التزام، لا أداء، تصبح فقيراً، وأنت بهذه الحالة فقرك فقر كسل لا فقر قدر.