يتسبب البشر على الدوام في احداث تلوث ما للبيئة. فقد اوجد الناس المخلفات منذ عصور ما قبل التاريخ. ومثل النفايات في هذه الايام كانت المخلفات تحرق او تلقى في مجاري المياه او تدفن في الارض او تطرح فوق سطحها. ولكن مخلفات الاقدمين كانت في معظمها نفايات طعام او مواد اخرى سهلة التحلل عن طريق عمليات الانحلال الطبيعي. وعدد السكان في الماضي كان قليلاً وكانوا موزعين على مناطق شاسعة من الارض. ونتيجة لذلك كان تركيز التلوث قليلاً ولم يسبب الا القليل من المشاكل.
أولا - انتشار التلوث :
بدا انتشار التلوث في العصور الغابرة عندما اخذت مجموعات كبيرة من الناس تعيش معاً في المدن واتسع باتساع هذه المدن. وقد تسببت الممارسات غير الصحية وموارد المياه الملوثة في تفشي الاوبئة الجماعية في المدن القديمة. واصبحت المشاكل البيئية اكثر خطورة واتسع نطاقها في القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر خلال الحقبة المسماة بالثورة الصناعية التي بدات في انجلترا ثم انتشرت الى الاقطار الاوروبية الاخرى وامريكا الشمالية. وقد تميزت هذه الفترة بتطور المصانع وازدحام المدن بالعاملين في الصناعة.
كانت المصانع خلال فترة الثورة الصناعية تستمد معظم طاقتها من الفحم الحجري. واستخدمت معظم منازل المدن الفحم الحجري وقودًا للتدفئة. وادى احتراق الفحم الحجري الى اغراق اجواء لندن والمدن الصناعية الاخرى بالدخان والسناج. وبسبب سوء المرافق الصحية وصلت مياه المجاري الى موارد مياه الشرب في المدن حيث ادى الماء الملوث الى الاصابة بحمى التيفوئيد وغير ذلك من الامراض.
وفي الولايات المتحدة بدا تلوث الهواء يشكل خطورة كبيرة في مطلع القرن العشرين. فبحلول ثلاثينيات القرن العشرين امتلات اجواء كثير من مدن الشرق والغرب الاوسط بالدخان والسناج المنبعث من مصانع الفولاذ ومحطات القدرة والسكك الحديدية ومحطات التدفئة. وفي بعض المدن الصناعية كانت كثافة الدخان تصل في الكثير من الاحايين حدًا يضطر معه السائقون الى استخدام المصابيح الامامية والاستعانة بمصابيح الشوارع اثناء النهار.
ثانيا - تطورات مكافحة التلوث :
امكن الحد من التلوث الهوائي الناجم عن احتراق الفحم الحجري الى حد كبير منذ خمسينيات القرن العشرين في اكثر مدن العالم. وتستخدم كل القطارات تقريبًا والكثير من الصناعات ومحطات التدفئة المنزلية حاليًا الوقود النظيف مثل الغاز الطبيعي والزيت. وبالاضافة الى ذلك اتخذت الصناعات التي ما زالت تستخدم الفحم الحجري عدة خطوات لمكافحة التلوث المنبعث من افرانها. اما الاوبئة التي تسببها العضيات الدقيقة الناقلة للامراض والتي توجد في موارد مياه الشرب في المدن فلم تعد تشكل مشكلة رئيسية في معظم اجزاء العالم وذلك لان المدن تعالج مياهها الآن وتبقي عليها خالية من العضيات الدقيقة قدر المستطاع.