تمكَّنت دراسة علمية قام بها بعض العلماء والمهندسين والاختصاصيين في مجال البيئة في أرامكو السعودية، وبدعم من إدارة حماية البيئة، من تحديد مصدر بديل لماء الحقن من شأنه أن يساعد في المحافظة على المصادر النادرة من المياه الجوفية في المملكة.
ويشير التاريخ إلى أن أرامكو السعودية كانت قد بدأت في أواخر السبعينيات من القرن الماضي استبدال المياه الجوفية المُستخدَمة في أعمال الغمر بمياه البحر المعالجة من معمل القُريّة. وقد بحثت الشركة في توسيع هذه العملية لتشمل الحقول القليلة الباقية التي لا تزال تستخدم المياه الجوفية. واليوم، ظهر بديل آخر وهو استخدام مياه الصرف ثنائية المعالجة.
لماذا مياه الصرف المُعالجة؟
جرت العادة على أن يتم تجميع مياه الصرف الصحي وغيرها من مياه الصرف من المناطق الحضرية ونقلها عبر شبكة الصرف الصحي إلى محطات معالجة مياه الصرف الصحي التابعة للبلديات من أجل معالجتها والتخلص منها بعد ذلك بشكل آمن. وفي الوقت الحالي، يُعاد استخدام كمية بسيطة من المياه المعالجة، بينما تتواصل الجهود لتحسين وزيادة طاقة شبكة التوزيع للاستفادة من المياه المعالجة بصورة أكبر.
وتُعد مياه الصرف ثنائية المعالجة مصدرًا قيّمًا للمياه بالنظر إلى نوعيتها واستخداماتها العديدة، لاسيما الري الذي يُعد حتى الآن أكثر مجالات استخدام مياه الصرف المعالجة شيوعًا، حيث يتم في أرامكو السعودية معالجة أكثر من %74 من مياه الصرف الصحي الناتجة من مرافقها وأحيائها السكنية واستخدامها في الري.
ولما كانت زيادة معدلات مياه الصرف الصحي المُعاد استخدامها من أهم ركائز استراتيجية أرامكو السعودية في المحافظة على المياه؛ حيث تنسجم جهود تعزيز استدامة مصادر المياه واستكشاف سبل استخدام مياه الصرف المعالجة كبديل لمياه الحقن في المكامن الحالية مع سياسة الشركة في المحافظة على المصادر الطبيعية، أجرت أرامكو السعودية دراسة لتقييم إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجَة في مدن قريبة مثل الرياض من خلال حقنها في حقلي النعيم وخريص.
أربع نقاطٍ جوهرية
وتُعد هذه الدراسة الأولى من نوعها في الشركة بالتعاون مع كل من إدارة حماية البيئة، ومركز البحوث والتطوير، ومركز البحوث المتقدمة للتنقيب وهندسة البترول، وإدارة تخطيط المرافق، وإدارة هندسة الإنتاج في منطقة الأعمال الجنوبية، وإدارة المكامن، وإدارة حقن مياه البحر، وإدارة الإنتاج في خريص. وقد ركزت الدراسة على أربع نقاط جوهرية هي: الإمداد والموثوقية في محطات معالجة مياه الصرف الصحي، والجودة والملاءمة، والخطط البيئية، والجدوى الاقتصادية.
وخلصت الدراسة إلى أن مياه الصرف الصحي المُعالجة موثوقة بيئيًا، وبديل ملائم لمياه الحقن الحالية المستخدمة لاستخلاص الزيت (المياه الجوفية أو مياه البحر)، كما أنها أقل تأثيرًا على بُنيَة المكامن.
وفي هذا الصدد، أشار نضال عبدالصمد، وهو اختصاصي علمي أعلى في علوم البيئة، إلى أن إدارة حماية البيئة في أرامكو السعودية تؤدي دورًا بارزًا في تطبيق سياسة الشركة في المحافظة على المياه، وضمان الاستفادة من الموارد المائية في المملكة بشكل فاعل، وأن إدارة حماية البيئة تصدر القرارات والقوانين، وتقدِّم الدعم الفني، وتراقب التزام الآخرين.
وأضاف عبدالصمد أن مبادرة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة توفّر مصدرًا للمياه أكثر استدامة من المياه الجوفية الأمر الذي شجع إدارة حماية البيئة ومركز البحوث والتطوير ومركز البحوث المتقدمة للتنقيب وهندسة البترول على العمل جنبًا إلى جنب مع فريق إدارة الإنتاج في خريص لإتمام هذه الدراسة بنجاح.
من جهته قال الرئيس العام لقسم إدارة الإنتاج جنوب الغوار، علي الحامد، الذي سبق له العمل ناظرًا هندسيًا في إدارة الإنتاج في خريص وقائدًا لفرق تقييم مياه الصرف الصحي المعالَجة، إن مثل هذا الاكتشاف الواعد والمشجع من قبل فريق العمل، من شأنه أن يدفع إلى البحث واستكشاف إمكانية إجراء مزيد من التجارب في المستقبل.
من جانبه، أوضح توني رزق، وهو اختصاصي علمي في مركز البحوث والتطوير وعضو فريق تقييم نوعية مياه الصرف الصحي، أن المياه الجوفية العذبة تُعد ثروة وطنية، وأن الدراسة التي أجرتها الشركة أثبتت إمكانية استغلال كثير من مياه الصرف الصحي المهدرة على نحو فاعل بما يكفل المحافظة على المياه الجوفية للأجيال القادمة.
وأكّد بيتر شوكو، مهندس البترول في مركز البحوث المتقدمة للتنقيب وهندسة البترول، أن الخطر المتمثل في عدم ضمان جريان الماء العسر في بيئة المكامن الصعبة قد حد من استخدام حقن مياه البحر الغنية بالكبريتات، وأن استخدام مياه الصرف الصحي المعالَجة قد فتح لنا آفاقًا جديدة لتقليل مخاطر ملاءمة السوائل وتعزيز القيمة الاقتصادية لأصولنا.
وفي السياق نفسه، أوضح أحمد العتيبي، وهو مهندس أعلى في إدارة الإنتاج في خريص، وكان قائد فريق تقييم الموثوقية والاستدامة، أن هذه المبادرة تخدم توجّه المملكة لإيجاد أساليب حكيمة لاستخدام مزيد من مياه الصرف الصحي الصناعي.
وأضاف أن هذه الدراسة أكدت إمكانية حقن مياه الصرف الصحي في الحقول الجديدة والقائمة القريبة من محطات معالجة مياه الصرف الصحي، وهو ما استطاعت الشركة بلورته من خلال فريق متعدد التخصصات، وأن تفتح آفاقًا جديدة لأعمالها المستقبلية
